كل معلم سيقدّم لـ"تربية الاحتلال" سيخضع لفحص "أمني".. ما القصة وما الهدف؟

كل معلم سيقدّم لـ"تربية الاحتلال" سيخضع لفحص "أمني".. ما القصة وما الهدف؟

القدس المحتلة - القسطل: اتخذت المؤسسة الأمنية "الإسرائيلية" مؤخرًا، قرارًا بضرورة إخضاع كل معلم يود أن يتوظف في وزارة التربية والتعليم في القدس والتابعة للاحتلال، لتحقيق وفحص أمني، فيما أن الخبر تم تسريبه عبر الإعلام "الإسرائيلي" ولم يتم الإبلاغ عنه رسميًا.

هذا الإجراء، اتخذته سلطات الاحتلال في أعقاب استشهاد المربّي فادي أبو شخيدم الذي كان معلمًا في مدرسة الرشيدية في القدس، بعدما نفذ اشتباكًا مسلّحًا مع شرطة الاحتلال في البلدة القديمة أدت إلى مقتل مستوطن وإصابة آخرين خلال شهر تشرين ثاني الماضي.

مصادر عبرية أكدت أن جميع طلبات التوظيف توقفت، لحين اعتماد القرار بشكله النهائي، إلّا أنه وبحسب مختصين بالشأن الإسرائيلي، فإن هذه السياسة ليست بجديدة، حيث اتّبعتها “إسرائيل” منذ لحظة احتلالها لأراضينا وحتى اليوم.

المختص في الشأن الإسرائيلي والأكاديمي محمد هلسة يؤكد لـ"القسطل" أن نظرة الإسرائيلي للفلسطيني لم تتجاوز نظرة “العربي الذي يشكل خطرًا” على أمن دولة الاحتلال، وذلك منذ قيام الحركة الصهيونية وحتى اللحظة.

وأوضح أن “إسرائيل” تتعامل مع الفلسطيني من زاوية أمنية بحتة، فالوجود الفلسطيني بالنسبة لها، يجب أن يخدم الأمن “الإسرائيلي” في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال هو يهدد أمنها. مضيفًا أن “إسرائيل” تعيش هاجس وعقدة الأمن من محيطها ليس فقط من الداخل، حتى الفلسطيني الذي منحته “جنسيّتها” (من أهلنا في الداخل المحتل) واعتبرت بأنها طوّعته، تنظر إليه كـ”تهديد أمني”، وتعاملهم بالميزان ذاته، ميزان الزاوية الأمنية تمامًا كما الفلسطيني في الضفة أو القدس.

يُشير هلسة إلى أن “إسرائيل” مارست في فترة الحكم العسكري قبل مجيء السلطة الفلسطينية، سياسة الفحص الأمني، مارسته ضد المعلمين وموظفي القطاع الصحي والقطاعات المختلفة الأخرى التي كانت تديرها، إذن هذا الأمر ليس بجديد.

المئات من الفلسطينيين سواء من يسكنون الضفة الغربية أو القدس المحتلتين، حُرموا من العمل في سلك التربية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات التي تسيطر عليها سلطات الاحتلال إبان الحكم العسكري، وفُصلوا أمنيًا، بحسب هلسة.

ويُلفت إلى أن هذه السياسة تتبعها دولة الاحتلال ضد العمال الفلسطينيين ممن يرغبون الالتحاق بسوق العمل “الإسرائيلي”، فتشترط حصولهم على تصريح لدخول القدس والداخل المحتل والعمل في تلك المناطق، والتصريح يكون مشروطًا بأن يكون الإنسان “نظيفًا” من الناحية الأمنية.

وهنا، أكد الخبير في الشأن الإسرائيلي لـ"القسطل" أن “إسرائيل” فيما يخص التصاريح توظف الأمر لاعتبارات تتجاوز النظرة الأمنية، فتربط الدخول والعمل في قطاعاتها المختلفة، بابتزاز الفلسطينيين الذين يحتاجون للسفر أو العلاج أو العمل.

يقول هلسة: “إسرائيل تمارس الابتزاز الجنسي والأخلاقي ليس فقط للعمل في الداخل المحتل، فإسرائيل تسيطر على المعابر والحدود، وكل فلسطيني صاحب حاجة صحية تعليمية إنسانية، بحاجة للمرور عبر هذه المعابر للخارج، بالتالي سلطات الاحتلال تستفيد من ذلك عبر ابتزاز الفلسطينيين أخلاقيًا وجنسيًا”، لافتًا إلى أنه ثبت مؤخرًا- ونشرت وسائل إعلام عبرية- تورّط ضباط فيما تسمى بـ”الإدارة المدنية” التابعة للاحتلال وضباط في المخابرات الإسرائيلية، في قضايا ابتزاز فتيات فلسطينيات وإجبارهن على ممارسة الرذيلة مقابل الحصول على عمل، فيستغلون الحاجة للتعليم والصحة والسفر وغيرها، لمساومة الفلسطينيين على حقوقهم”.

وحتى على المستوى السياسي، كما يقول، مارست “إسرائيل” هذا الابتزاز وهذه الفوقية والعجرفة مع شخصيات فلسطينية من السلطة الفلسطينية وجعلت منه سيفًا مسلطًا على رقابهم، فالشخصية الوطنية الفلسطينية التي تغرّد خارج السرب بما لا يتماشى مع الرغبات “الإسرائيلية”، يتم سحب بطاقة الـVIP منه.

في الحالة المقدسية، يتم التعامل مع الفلسطينيين على أساس تحقيق مكاسب أو معلومات وقد يكون إسقاطًا أو ابتزازًا، كما يوضح هلسة. ويضيف: “إن عرّجنا على حالة القدسي، لا يترتب عليه فقط حرمان قطاع واسع جدًا من المقدسيين في العمل في قطاع التربية والتعليم والمعارف وغيرها، إنما أيضًا يترتب عليه استغلال قضية التصريح للمساومة، وبالتالي الإسرائيلي لا يُريد حرمان المقدسي فقط  من العمل، وإنما يريد استفزازه وابتزازه لحاجته للحصول على تصريح عمل داخل المؤسسة التعليمية الإسرائيلية، ليجني منه مكاسب، من خلال تقديم معلومات أو إسقاط أو ابتزاز جنسي، وبالتالي ضرب المنظومة الداخلية الفلسطينية، وضرب النسيج الوطني الفلسطيني”.

إذن، هي سياسة تتخذها سلطات الاحتلال للتضييق أكثر فأكثر على المقدسيين، فهناك المئات منهم بحاجة للعمل في قطاعات عدّة تُديرها دولة الاحتلال، فإن حرمتهم منها وضيّقت الدائرة عليهم، فهي بالتالي تدفعهم إلى خارج القدس، وتحقق مكاسب التهجير على المدى البعيد الذي لا يتأتّى بخطوة.

يقول هلسة: “التهجير لا يكون بخطوة واحدة، فالتهجير ودفع الفلسطينيين وطردهم للخارج يكون عبر سلسلة من الإجراءات والخطوات، من بينها ما نتحدث عنه الآن، وهو اشتراط الخضوع للفحص الأمني، والحصول على تصريح للعمل في المؤسسة التعليمية الإسرائيلية”.

ونوّه المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن هذه السياسة تُطبق ليس فقط في القطاعات العامة، وإنما أيضًا في بعض القطاعات الخاصة داخل دولة الاحتلال، حيث لا يتم توظيف أي فلسطيني تعرّض للاعتقال وسُجن سابقًا، وبعض القطاعات الرسمية لا توظف أسيرًا محررًا أو لديه ملف “أمني”، ما يضطره للبحث عن مصادر عمل أخرى، والمتاح أمامه مع الأسف سوق العمل الخاص خارج حدود المدينة المقدسة.

وأوضح: “نعلم تمامًا حجم الفجوة الواسعة جدًا بين ما يتقاضاه الفلسطيني في سلك التربية والتعليم في مدارس السلطة، وبين المعلم الذي يعلّم في مدارس القدس التابعة للبلدية”.

وفي النهاية، فإن دولة الاحتلال تُمارس هذه السياسة بحق المقدسيين، للتضييق عليهم، فهي تزيد بهذه الإجراءات من مستوى الفقر والبطالة، وملاحقة الناس في قوتها ورزقها، ثم ابتزاز الناس في حاجتها للتصاريح عبر “الفحص الأمني”، وفي نهاية المطاف يجد المقدسي نفسه مهجرًا بشكل طوعي، خارج حدود المدينة.

من حيث القانون، يقول هلسة لـ"القسطل": “في القانون الدولي، هذه سياسة مرفوضة، ولا يحق لإسرائيل أن تقيّد حرية الناس في الحصول على العمل بذريعة الفحص الأمني، هذا مخالف للقانون الدولي، وإسرائيل تُدير الظهر كالمعتاد لتلك القوانين”.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر:

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *