34 عامًــا .. والحجر ما زال يُقــاوم

34 عامًــا .. والحجر ما زال يُقــاوم

القدس المحتلة - القسطل: تحلّ اليوم الذكرى الرابعة والثلاثين لانتفاضة الحجر الفلسطيني، التي انطلقت شرارتها من قطاع غزة بعد قيام أحد المستوطنين بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين من مخيم جباليا قرب حاجز بيت حانون، ليمتدّ لهيب الانتفاضة الشعبية لفلسطين على كامل مساحتها التاريخية.

تعتبر "انتفاضة الحجارة" أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948، والتي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد نسيانها على مدار السنوات، وسلاحها الاستراتيجي "الحجر".

اندلعت شرارة "انتفاضة الحجارة" بعد تشييع الفلسطينيين في ذلك اليوم، 4 عمال من بلدة "جباليا" شمالي قطاع غزة.

وعمّت المظاهرات بلدة "جباليا" ومخيمها، تخللها رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة.

وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم حيث جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عامًا)؛ أول شهيد في هذه الانتفاضة.

واعتقد الاحتلال في حينه، أن هذه المواجهات عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة ومن ثم الضفة الغربية.

ودخلت كلمة "انتفاضة" في القاموس العربي وقواميس اللغات الأخرى من حيث ترجمتها لتأخذ والأحداث ضجة إعلامية كبيرة، لا سيما في الإعلام الغربي رغم محاولة الاحتلال التعتيم عليها.

وبتسارع الأحداث، أخذت الانتفاضة الطابع الشعبي ووحدة الموقف والتعاضد الاجتماعي والتكافل الأسري وشمولية المواجهة واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين.

وشارك فيها كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلًا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع (الحجر والمقلاع)، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقًا إلى السلاح.

ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرارها، وجعلها منهج حياة من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجان شعبية لقيادتها.

في المقابل، فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات.

وجند الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من 80 ألف جندي لوقف زخم الانتفاضة وقمع الفلسطينيين العزل، واستخدمت الكثير من الوسائل لقمعها، إلا أنها فشلت في كبح جماح فلسطينيين الذين لم يعودوا يحتملون احتلالا يأكل أرضهم ويقذف بأبنائهم في السجون ويهدم منازلهم ويقضي على حلمهم بالاستقلال والحرية والعودة.

واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها: مجزرة الحرم القدسي الشريف؛ 8 تشرين أول/ أكتوبر 1990 وأدت لاستشهاد 21 فلسطينيًا.

وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل؛ 20 شباط/ فبراير 1994 والتي راح ضحيتها 34 شهيدًا قضوا خلال صلاة الفجر.

كما نفذت قوات الاحتلال عدة مجازر في "نحالين" ومخيم "النصيرات" وحي "الشيخ رضوان" و"الصبرة" و"الدرج" بمدينة غزة، وخانيونس.

وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد.

ومن بين تلك السجون: "أنصار 1"، غرب مدينة غزة، و"النقب الصحراوي" (أنصار 2)، وكذلك سجن "عوفر" و"مجدو" في الضفة الغربية المحتلة.

وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري (بدون محاكمة)، حيث قدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف، قضى منهم 42 معتقلا شهيدا بسبب التعذيب والإهمال الطبي والقتل المباشر بالرصاص.

ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.

واستخدم الاحتلال كذلك سياسة "تكسير العظام" الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة ويعمدون تكسير أيديهم وأرجلهم، لا سيما في نابلس.

حاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة العنف الإسرائيلي، من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات.

وكانت أول عملية كبرى هي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين طعنًا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة بمدينة غزة، والتي استشهد منها ثلاثة أشقاء.

وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير والتي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.

وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدِ نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى "الحل السلمي" ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب في انقسام في المجتمع الفلسطيني.

أسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1993؛ والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تم تشكيلها بعد 6 أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني وتشكيل الأجهزة الأمنية وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقائها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة لتطوى صفحة "انتفاضة الحجارة".

يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات إن هذه الانتفاضة المجيدة تميزت بمتانة وصلابة وحدتها الوطنية، وشكّلت قيادة أركان لها، القيادة الوطنية الموحدة.

ويضيف أنها امتازت بالمشاركة الشعبية الواسعة والشاملة، وانخرط فيها الشباب والفتيات والنساء والشيوخ وحتى الأطفال الذين وقفوا أمام دبابات المحتل، هذه الانتفاضة أربكت دولة الاحتلال على كل مستوياتها، حتى فقد السيطرة على الوضع.

ويبيّن أن الاحتلال عاملها بالقمع الشديد وتهشيم وتكسير عظام المنتفضين، وشنّ حملات اعتقال واسعة، حيث تم توثيق 30 ألف حالة اعتقالية في العام الواحد.

هذه الانتفاضة استمرت منذ عام 1987 وحتى عام 1994، وخلفت أكثر من 1500 شهيد، وما يزيد عن 150 ألف معتقل، وعشرات آلاف الجرحى.

عبيدات قال إن الراهن عليها كان بأن تنقل مشروع الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية، بعد تهميش القضية الفلسطينية، حيث أعادت هذه الانتفاضة اتجاه البوصلة، ولكن هناك في الساحة الفلسطينية من القيادة المتنفذة من صادر قرار هذه الانتفاضة وعمل على احتوائها.

وأكد أن شعبنا ما زال يدفع أخطاء وخطايا أصحاب الخيارات البائسة التي لم تجلب لشعبنا سوى المزيد من المآسي والنكبات، وضياع الأرض.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر:

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *