الاستيطان في القدس.. حربُ الجغرافيا والديمغرافيا
القدس المحتلة - القسطل: خلال السنوات الأخيرة الماضية، نشِطت سلطات الاحتلال في البناء والتوسع الاستيطاني على حساب الأرض الفلسطينية في القدس، وذلك ضمن مخططاتها الرّامية إلى تقليل الوجود الفلسطيني في العاصمة المحتلة وإحلال أكبر عدد من المستوطنين فيها.
ومؤخرًا صادقت حكومة الاحتلال على بناء نحو 5 آلاف وحدة استيطانية جديدة على أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلتين في أوسع عملية استيطانية منذ بداية العام الجاري.
بداية حرب الوجود ..
إن الاستيطان إستراتيجية إسرائيلية بدأت ما قبل عام 1967، عندما بُنيت أول مستوطَنة إسرائيلية عام 1860 في غربي القدس وسُمّيت بـ“مونتفيوري”، ثم انتشر الاستيطان في شرقي القدس ما قبل عام 1948، فأقيمت مستوطنتيْ “عطروت” و”النبي يعقوب” في شرقي القدس، بحسب ما أفاد به مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي.
ويُضيف لـ”القسطل” أن جزءًا كبيرًا من المستوطنات التي أُقيمت بعد عام 1948 تم تفكيكها، كما أن بعض المستوطنين فيها (من شرق القدس) هربوا إلى مناطق الداخل المحتل عام 48، كما أن البعض الآخر انتقل من غربي القدس إلى شرقيّها.
ويوضّح أن سياسة الاحتلال بعد عام 1967 كانت إستراتيجية واضحة تمامًا بأن القدس هي “العاصمة الأبدية”، وبالتالي اتُّخذ قرار في الـ26 من شهر حزيران/ يونيو عام 1967 بتوسيع حدود بلدية الاحتلال في القدس وذلك من 6.5 إلى 72 كيلومتر مربع.
لذلك بدأ العمل من قبل الاحتلال على توسيع أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان، والاستحواذ على مطار القدس، والسيطرة من الناحية الأمنية، والسيطرة على السلسلة الشرقية من منطقة القدس؛ جبل المشارف، سكوبس، جبل الزيتون، وجبل المكبر بحيث تُشرف على غور الأردن، بحسب التفكجي.
ويبيّن أن “إسرائيل” بدأت في البناء الاستيطاني مباشرة بعد عام 1967 فأنشأت مستعمرات “أشكول” و”التلة الفرنسية” بشكل سريع جدًا، وبدأت عملية مصادرة الأراضي عام 1970 والتي تعتبر أكبر عملية مصادرة في تلك الفترة فأقيمت مجموعة من المستعمرات منها؛ “راموت” و”النبي يعقوب” و”جيلو”.
التطهير العرقي ..
يقول مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية إن أول عملية تطهير عرقي داخل البلدة القديمة حصلت عام 1968، وفي العاشر من شهر حزيران/ يونيو عام 1967 أُقيم الحي اليهودي فيها، حينها لم تكن الحرب قد انتهت بعد.
ويضيف “في تلك الفترة كان عدد اليهود في مناطق شرقي القدس التي احتلّت عام 1967 لا يتجاوز الصفر، أما اليوم فنحن نتحدث عن 220 ألف مستوطن في القدس التي تم توسيعها بعد عام 1967، وكان عدد المستعمرات فيها 15”.
في العام 1973 اتّخذت غولدا مائير (رئيسة وزراء الاحتلال في ذلك الوقت) قرارًا بتشكيل لجنة سُمّيت بـ“غيفني”، هذه اللجنة وبحسب ما أفاد به التفكجي كانت تقول بأن عدد العرب يجب أن يكون 22 بالمئة من إجمالي عدد السكان في القدس (شرقيّها وغربيّها)، لكنّ الفلسطينيين نمو بشكل كبير جدًا حتى وصلوا اليوم إلى 41 بالمائة، وأنه مع حلول عام 2040 سيصلون إلى 55 بالمائة؛ لتكون القدس ذات أغلبية عربية، وبالتالي سيكون رئيس بلدية الاحتلال من العرب.
يقول التفكجي إنه خلال عام 1994 بدأت سلطات الاحتلال بوضع برنامج يسمّى بـ20/20 بحيث يتم بناء 58 ألف وحدة سكنية، وإحلال المستوطنين فيها لقلب الميزان الديمغرافي، ولذلك قاد الجانب الإسرائيلي في تلك الفترة حملة في الاتجاهين الأرض والسكان.
ويو ضح أن الاتجاه الأول يتم عبر السيطرة على 87 بالمائة من مساحة شرقي القدس باستخدام مجموعة من القوانين، أما الاتجاه الثاني “الديمغرافيا”عبر طرد السكان الفلسطينيين أولًا، بمعنى إخراجهم خارج حدود بلدية الاحتلال، وضم الكتل الاستيطانية داخل مدينة القدس، وثانيًا الوصول لمرحلة جديدة وهي وجود 12 بالمائة من العرب و88 بالمائة من اليهود في العاصمة المحتلة، وهو ما يجري الآن عمليًا ضمن مشروع أكبر وهو مشروع القدس عام 2050.