الأسيران الأعور..الفرحة التي يخطفُها الاحتلال
القدس المحتلة-القسطل: المنزلُ الذي كان يضج بالحياة والبهجة، أصبحت جدرانه باردة، بات الحزنُ والصمتُ يخيّما على أجوائه، توقفت عقاربُ الساعة فيه عند اللحظة التي قرر فيها الاحتلال أن يسلب لحظات الفرح، ويحرم الأبناء من والديهم، هذا هو الحال في منزل عائلة الأسيرين عبد المنعم وإيمان الأعور.
في منزل العائلة الكائن في بلدة سلوان بالقدس المحتلة، بدأت رحلة الوجع عندما اعتقل الاحتلال الأب عبد المنعم الأعور في نهاية شهر مايو/أيار الماضي، ليعود مجددا بعد نحو أسبوعين ويعتقل الأم إيمان الأعور، التي كانت تحضّر نفسها لزيارة نجلها محمد المعتقل في سجن النقب، ليحرم بذلك ستة أبناء من والديهم.
عقب اعتقال إيمان الأعور، نقلها الاحتلال إلى مركز تحقيق "المسكوبية"، لتخوض رحلة عذاب استمرت ما يقارب الشهر، تعرضت للتنكيل والتعذيب النفسي، ما زاد من أوجاعها وآلامها، نظرا لكونها تعاني من هشاشة العظام.
في شهادة لها وثقتها هيئة شؤون الأسرى خلال التحقيق معها، قالت الأعور:"كان التحقيق على مدار الساعة لدرجة أنني كنت أغفو على الكرسي الذي تم شبحي عليه، وكان التحقيق متواصل على مدار أيام".
وأضافت أن تسعة محققين كانوا ينهالون عليها بالأسئلة في ذات الوقت، ويشتمونها بأقذر الشتائم، ويبصقون في وجهها، ولم يكترثوا لمرضها وأوجاعها.
وتابعت بعد نحو أسبوعين من اعتقالي في المسكوبية، تم إحضار زوجي الأسير عبد المنعم لانتزاع اعترافات كاذبة بالقوة، وتم تهديدي به عدة مرات وكانوا يسخرون منه، وتعّمدوا التقليل من قيمته أمامي وإهانتنا، شعرت حينها بالضغط النفسي وبأن زوجي سيصاب بجلطة قلبية، كان وقع كلامهم أصعب عليّ من تحطيم عظامي.
تنقلّت الأسيرة الأعور ما بين زنازين "المسكوبية"، "عسقلان"، "هشارون" ومنها إلى سجن "الدامون" حيث تقبع اليوم، تواجه ظروف احتجاز صعبة، إذ أشارت إلى أن حالتها الصحية متدهورة، ولديها كتلة على الأوتار الصوتية، وأثناء النوم تكاد تختنق، فتضطر للنوم بوضعية الجلوس، لتصف حالتهم بالقول:"نحن نموت".
ما بين معتقلين، يتنقل أبناء الأسيران الأعور، لرؤية والديهم من خلف جدار زجاجي، يحول بينهما، ولخمس وأربعين دقيقة يخفي الأسيران دموعهما، ويكتم الأبناء حزنهم، يتظاهرون بالفرح رغم الوجع.
"الأم والأب هما عمود البيت وأساسه، وباعتقالهما غابت الروح عن البيت، والحياة شبه منعدمة فيه، انتهت اللحظات الجميلة، وبدأت رحلة الألف وجع ودمعة"، هكذا وصفت هيام الأعور ابنة الأسيرة ايمان الأعور ما يعيشه الأبناء.
وقالت لـ"القسطل" كانت أول زيارة لي للوالدة كانت بعد 40 يوما من اعتقالها والتحقيق معها، كلّما تذكرت نظرتها إلينا أشعر بالموت، كان أصعب يوم في حياتي.
في الثانية الأخيرة للزيارة، حاولت الأسيرة إيمان أن تبقى أخر من تغادر الغرفة، وهي تتأمل ابنتيها لتحتفظ بصورتهما في مخيلتها عقب عودتها للسجن.
قبل بضعة أيام زارت هبة الأعور برفقة أخيها الذي يحصل على تصريح زيارة للمرة الأولى، والدتهم إيمان في سجن الدامون، تبادل الأبناء الحديث مع والدتهم في أقل من ساعة، تطمئنهم ويطمئنوها.
تقول هبة لـ"القسطل" في الزيارة كانت الأعين ممتلئة بالدموع، المشاعر مختلطة، رأيت الشوق في عيني أمي ورغبتها بأن تحضننا دون أن تدري كيف، كان الزجاج يحول بيننا، يمنعنا أن نقبّل يديها ونطلب منها الرضا، وبعد انتهاء الزيارة، كانت العيون تتلاقي وتتحدث، دون أن ينتهي الحديث".
. . .