تهويد البلدة القديمة في القدس

تهويد البلدة القديمة في القدس

جاء المسجد الأقصى تتويجًا لواقعة الإسراء والمعراج وسجل ضمن الوقائع المثبتة أنه وحدة معمارية متكاملة يعود تاريخها للفترات الاسلامية المتقدمة، وبالتدقيق في موقعه المنحدر والحلول التي قدمت لتصميمه نلاحظ كيفية تعامل مصمميه مع الموقع المنحدر، فقد قرر بناء أساسات المبنى بالمقاطع الصخرية المنحدرة، ما ينفي قيامه على أي مبنى سابق، ولحل مشكلة ربط البناء الرئيسي بالساحة، تم رفع المبنى وساحات المرافقة فوق تسوية وهي ما يعرف اليوم بالمصلى المرواني.

والجدير بالذكر أن المسجد الأقصى مر بتغيرات كثيرة جدا وجذرية وذلك بسبب الزلازل المتلاحقة التي ضربت القدس وأدت إلى تدميره جزئيا أو معظم أجزائه أربع مرات، إن هذه الدلائل التي قدمها علماء الآثار على مر العصور تنفي الرواية الإسرائيلية التي يزعمون بها وجود “هيكل سليمان” أسفله.

الخطير في الفكر الإسرائيلي هو اختيارهم للعمق الذي تتقاطع خطوطه مع العديد من المنشآت القائمة الآن أهمها المسجد الأقصى، مما يعرضها جميعا لخطر الزوال، الأمر الذي ينذر بحلول صراع شامل وقد يكون دموي في مرحلة من المراحل لما للمسجد الأقصى بشكل خاص من مكانة في نفوس الأمتين الإسلامية والعربية - والأخطر من ذلك - أن الدولة الإسرائيلية لا تتعامل مع البلدة القديمة كتراث عالمي كما هو، بل تحاول العودة بالزمن لرد الطابع الذين يدعون أنه كان سائدا قبل ثلاثة آلاف عام،  فنجدهم لا يولون أية أهمية لأية آثار لا تمت لهم بصلة وتثبت زيف ادعاءاتهم عن طريق التدمير أو الاهمال.

الصورة التي يحاول الإسرائيليون فرضها على البلدة القديمة وهي كما يتخيلونها مدينة ذات طابع إسرائيلي بدون وجود اي طبقات حضارية أخرى ويعملون على كافة النواحي السياسية والأثرية والتخطيطية والقانونية لتنفيذ النموذج الذي يتخيلونه:

الهيكل مكان المسجد الاقصى..

قدس الأقداس مكان قبة الصخرة..

نجد المعابد اليهودية ونرى حول المدينة القديمة أو ما يسمونه الحوض المقدس حاليا خاليا من المباني..

أسطورة البلدة القديمة..

مشروع تهويد البلدة القديمة بما فيها المقدسات إسلامية ومسيحية هو مشروع كلي وليس جزئي ومن أجل تغير الوقائع على الأرض تقوم مؤسسات دولة الاحتلال بحد ذاتها بالعمل على ذلك، فيعملون تحت الأرض دون أن يراهم أحد.

فدولة الاحتلال لا تسعى إلى هدم المسجد الأقصى إنما تسعى إلى تغيير مهامه من مكان صلاة للمسلمين إلى “هيكل سليمان” المزعوم وعلى هذا الأساس تقوم إسرائيل على تهويد؛

أولا: قبة الصخرة على اعتبار أنها قدس الأقداس وتابوت العهد الذي ذكر بالوصايا العشر لموسى عليه السلام.

ثانيا: المسجد المرواني هو الذي تصوره إسرائيل على أنه القصر الملكي.

ثالثا: المسجد الأقصى وهو الهيكل المزعوم، وهكذا تكون قد سيطرت على ما يقارب الـ 140 دونمًا مكان المسجد الأقصى.

لذلك تتبع حكومة الاحتلال تفريغ البلدة القديمة من سكانها والذي يصل عددهم الـ22 ألف مقدسي وإبقاء فقط بعض المحلات التجارية لتصبح مكانً سياحيًا و يأتي العرب إليها كما يزورون عكا وحيفا...

ومن أجل ذلك يتوجب علينا حماية المسجد الأقصى والمقدسات اسلامية ومسيحية وذلك؛

أولا: دوليا

إبراز الاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال بمؤسساتها الأمنية بحماية قطعان المستوطنين بمواصلة اقتحاماتهم لباحات المسجد الأقصى المبارك بطريقة مكثّفة وممنهجة وبصورة شبه يومية وبمشاركة عناصر أعضاء من الكنيست ومجندين ومجندات وقوات الشرطة ورجال المخابرات والمستوطنين من جهة بابي المغاربة والسلسلة.

استمرار أعمال البناء في مشروع مجمع "بيت شتراوس" التهويدي لإزالة الكثير من الآثار الإسلامية والعربية بالمنطقة في ساحة البراق غرب المسجد الأقصى، وتنفيذ مشروع "مخطط زاموش" لتهويد محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة.

قيام الاحتلال بحفريات جديدة متزامنة في وقت واحد في منطقة الطرف الجنوبي لطريق باب المغاربة والطرف الشرقي للقصور الأموية جنوب المسجد الأقصى وفي الطرف الجنوبي لمدخل حي وادي حلوة ببلدة سلوان.

أهمية الإعلان أن تنفيذ هذه المخططات جاء بهدف جذب عشرات آلاف الصهاينة والسياح الأجانب إلى هذه المواقع ولتوسيع السيطرة على القدس والمسجد الأقصى، وطمس المعالم والآثار الإسلامية التاريخية.

إن الاهتمام بالقدس أمر عادي لهؤلاء الذين جذبهم الشوق على مر الأزمنة، فكلما عمق البعد الروحاني للقدس كلما تقلصت أهمية الأشياء والأمكنة، لتصبح مؤشرا للحقيقة الكبرى فقط،  أما عندما تذوي تلك الروحانية فإن الحقيقة الكبرى نفسها تذوي في نفوس البشر.

ما كان في الماضي يعتبر خطوط حمراء ما كان للكيان من مقدره على تجاوزها أصبحت مباحة اليوم ولا تلقى ردًا مناسبًا فأمعنت في إجراءاتها ، فالمسجد الاقصى ومحيطه بات مهددا بالتقسيم المكاني والزماني وما الزيارات المتكررة إلا جزءا من مخطط يستهدف التقسيم كأمر واقع تفرضه معادلات وموازين قوى فرضت نفسها بالقوة على واقع فلسطيني مشتت ينتظر ردا دوليا لا يقوى على فرض حلوله ومعاييره الانسانية على سلطه تعتبر نفسها فوق المعايير والقوانين الدولية.

وأن ما زاد من عنجهية الاحتلال وتمرده ما هو إلا استمداد لما قالته رئيسة وزراء كيان العدو “جولدا مائير” عندما ارتكب الصهاينة جريمة حرق المسجد الأقصى في 21 آب 1969 قالت: "لم أنم ليلتها، وأنا أتخيل كيف أن العرب سيدخلون إسرائيل أفواجًا أفواجاً من كل حدب وصوب... لكني عندما طلع الصباح ولم يحدث شيء أدركت أن بمقدورنا أن نفعل ما نشاء، فهذه أمة نائمة..."!

ثانياً : فلسطينيا وشعبيا

استنهاض القوى ورص الصفوف بين الأطراف الفلسطينية المتنازعة لترك خلافاتها جانباً ولفت أنظارها وقواها على ما يجري في القدس من مساعي احتلالية تهدف أولاً وأخيراً لتغيير المشهد المكاني والتاريخي لها، ولتكون القدس هي عنوان المصالحة الوطنية الأكثر إلحاحاً من غيره في ظل حالة الاستهداف الواضحة التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً على الوجود الفلسطيني العربي في القدس المحتلة.

موقف واضح وصريح على كافة المستويات الشعبية والرسمية ستؤدي للمزيد من الإجراءات الصهيواحتلالية المدنسة لعروبة القدس، مناشدة الثورات العربية "لن يكتمل ربيعكم إلا بتحرير فلسطين فكانت وما زالت الجامع الأكبر الذي لا يسقط بالتقادم، فيكفي ما أنتجته الحكومات المنصرفة من ثقافة الخوف بين أبناء شعبها، فأثبتم أنكم من تصنعون الثورات وها هي القدس تناديكم".

إن نمو هذا العهد الذي يسيطر على الأرض وما عليها بالترغيب حينا والترهيب احيانا والتزوير الحضاري دوما ، فإن لم يقف كل من يحب الجمال والتراث والإنسانية والحقيقية صفا واحدا للدفاع عن التراث الثقافي والحضاري للهوية الانسانية،  لشهدنا عصرًا على القدس يقول عنه الباحثون انه العصر الذي ستسقط فيه القدس عن لائحة التراث العالمي لانها فقدت عناصرها التي تكسبها أهميتها.

التأكيد على أن ما تقوم به الأجهزة العسكرية الاحتلالية بإعداد أفلام تثقيفية تتناول صوراً لما يسمى (هيكل سليمان) على أرض المسجد الأقصى بدون قبة الصخرة الأمر الذي يشير إلى زرع ثقافة نفي الآخر من خلال تزوير الحقائق والتاريخ متناسين بأن ما يسمى بالحضارة اليهودية ما هي إلا ادعاء يتنافى ومعايير تصنيف المجتمعات وتشكلها، والتأكيد على أن التوقعات تستند إلى معلومات وإلى معطيات لم يفصح عنها الأمر الذي يؤكد وجود غطاء أمني رسمي لتلك الممارسات ضد الفلسطينيين.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: