بعد هدم منزل المعلّم.. هل وظّف الاحتلال العقاب الجماعي في كيّ وعي المقدسيين؟

بعد هدم منزل المعلّم.. هل وظّف الاحتلال العقاب الجماعي في كيّ وعي المقدسيين؟

القدس المحتلة - القسطل: أعاد هدم الاحتلال منزل الشهيد فادي أبوشخيدم في مخيم شعفاط شمالي شرق القدس المحتلة، سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها سلطات الاحتلال إلى الواجهة من جديد.

هدم المنازل أو إغلاقها سياسة قديمة جديدة ينتهجها الاحتلال لمعاقبة عائلات فلسطينية بزعم أن أبناءها نفذوا عمليات فدائية ضده، إذا تشير الإحصائيات إلى أن سياسة هدم منازل المقاومين الفلسطينيين متواصلة منذ حرب عام 1967، وخلال اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، تم تدمير ما لا يقل عن 666 منزلًا لمقاومين فلسطينيين في غضون خمس سنوات.

وعادت سلطات الاحتلال إلى ممارسة هذه العقوبة بعد توقّف مؤقّت منذ صيف عام 2014، لتمارس سياستها بحق عائلات المناضلين والفدائيين وأسر الشهداء. آخر تلك العائلات كانت عائلة الشهيد فادي أبو شخيدم من القدس المحتلة، حيث اقتحم نحو مئة وخمسين جنديًا إسرائيليًا مخيم شعفاط، وشرعوا بهدم منزله يدويًا وتحطيمه.

المعلّم ارتقى برصاص الاحتلال في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي 2021، في البلدة القديمة بمدينة القدس بعد اشتباك مسلّح مع شرطة الاحتلال، أدى إلى مقتل مستوطن.

ماضي: العقاب الجماعي مخالف للقانون الدولي

وحول رأي القانون الدولي في سياسية العقاب الجماعي، طالعت القسطل اتفاقية جنيف الرابعة التي نصت المادة 33 منها على أنه لا يجوز معاقبة أي شخص محمي على مخالفة لم يقترفها هو شخصيًا، كما أن هذه السياسة تعد انتهاكاً لنصّ المادّة 17 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والتي تنصّ على أنّه لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسّفاً".

الناشطة الحقوقية رانيا ماضي، العاملة في مجال حقوق الإنسان في سويسرا، قالت للقسطل إن "سياسة العقاب الجماعي وهدم المنازل تعتبر مخالفة للقاعدة 102، حيث لا يجوز إدانة أي شخص بجريمة إلا على أساس المسؤولية الجنائية الفردية لذلك ما يسمى بالعقاب الجماعي مخالف للقانون الدولي، واتفاقيتيْ جنيف الثالثة والرابعة، وكافة المواد شملت هذا البند".

زوجة الشهيد العكاري: من فقد إنسانًا.. لن يحزن على حجارة

وحول انعكاس سياسية العقاب الجماعي على العائلات الفلسطينية، حدّثت القسطل أم حمزة زوجة الشهيد إبراهيم العكاري من القدس، والتي هدم الاحتلال لها منزلها في كانون أول عام 2015، وقالت: "عشنا لحظات عصيبة مؤلمة أثناء هدم منزلنا.. تم نقلنا من منطقة الهدم إلى مكان مجاور لأحد الجيران.. وانتقلنا إلى بيت ثانٍ وثالث.

وأضافت أن الأمر لم يكن سهلاً على العائلة، لكن من فقد إنسانًا بالطبع لن يحزن على حجارة.. بالنهاية الأمر فعلًا تم فرضه ولا مجال للخيارات المتعددة".

وأضافت أم حمزة”: "هدم منزلنا قلب موازين الحياة مئة وثمانين درجة ولكن ما باليد حيلة، استمرت الحياة، ووصلت الأمور أن خسرنا كل شيء البيت والمنطقة والجيران والأهل والأثاث".

زوجة الشهيد مصباح أبو صبيح التي هدم الاحتلال منزله عام 2016 شرحت للقسطل ظروف الهدم، وأوضحت أنه كان صعبًا على جميع العائلة وقالت: الأمر غير متوقف على الهدم فحسب بل يضع الاحتلال العراقيل أمامنا في كل شيء، مثل السفر والتأمين الصحي".

عبيدات: الاحتلال يتعامل مع الشعب الفلسطيني وفق منظور أمني

إن الهدف من سياسة العقاب الجماعي كما يقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات للقسطل هو أن "الاحتلال يتعامل مع الشعب الفلسطيني وفق منظور أمني وهو يقول بشكل واضح، إن الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد من القوة.. ولذلك في تعامله مع أبناء شعبنا الذين ينفذون عمليات عسكرية ومقاومة وفق تلك النظرية الأمنية، يفرض سياسة العقاب الجماعي، التي ربما لا تطال فقط عائلة الشهيد، بل تتعدى ذلك إلى محيطه الاجتماعي.

ويضيف عبيدات أن الاحتلال يعتقد بأنه بهذه الممارسات ضد عائلات منفذي العمليات، فإن التكلفة ستكون عالية، قد يحدث اختراقاً في تحصينات النسيج الاجتماعي، من خلال إثارة الخلافات الداخلية بين أبناء العائلة أو الأسرة الواحدة.

جعارة: المشروع الصهيوني لم يستطع التأثير على الوجود الفلسطيني

المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، علق على جدوى العقاب الجماعي الذي يمارسه الاحتلال بحق الفلسطينيين عمومًا والمقدسيين خصوصًا، قائلًا: "يحق لنا أن نفخر بأن المشروع الصهيوني المدعوم عالمياً لم يستطع التأثير على الوجود المدني والاجتماعي والسلمي للفلسطينيين فعندما ضرب الاحتلال عام 1967 ما لا يقل عن 700 ألف فلسطيني ضربة واحدة لم يخرج منهم خارج فلسطين سوى 10 % والباقي ذهب إلى غزة والضفة وما زال الفلسطيني يطالب بالعودة.

وأضاف جعارة أن الفكر الإيديولوجي الصهيوني قائم على العقوبة الجماعية وطرد الفلسطينيين وإبادتهم وهذا مذكور في سفر التكوين، واستدل جعارة على ذلك باستطلاع أجرته إحدى القنوات الإسرائيلية، حيث "أبدى أغلب المستطلعين من الأطفال موافقتهم على فرض عقوبات جماعية على قرى فلسطينية حال وجودهم في الجيش الإسرائيلي".

عبد العاطي: الاحتلال يرفض أي مادة قانونية تدين جرائمه

الخبير في القانون الدولي ورئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" صلاح عبد العاطي، أجاب عن سؤال وجهته القسطل حول التبريرات التي يسوقها الاحتلال، بأن سياسة العقاب الجماعي ومنها هدم المنازل ينفذها لردع الآخرين وبالتالي حماية مواطنيه قال إنهذا احتلال غاصب، من الطبيعي أن يرفض أي مادة قانونية تدين جرائمه، وبالتالي يحاول دائمًا الاستناد إلى تبريرات لهذا يحاول المشرّع الإسرائيلي أن يجد بعض الثغرات القانونية، ولكنها بموجب التحليل الدولي للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الرابعة وغيرها من المواد القانونية التي تدين الاحتلال لا تنطبق على ما يبرره

وأشار إلى أن حماية المجموعة تكون في حالات نزاع مسلح يتشكل بسبب الدفاع عن الأرض، وضرب مثالًا ما يحدث في سوريا، هنا يعتبر حماية، ولكن طبعًا لا ينطبق ذلك على إسرائيل لأن الأراضي الفلسطينية تعتبر محتلة.

في سياق ذي صلة، أشار الكاتب السياسي عبيدات إلى أن الاحتلال يبني رؤيته وتصوراته على أساس أنه لا يجوز تقديم أي تنازلات  للشعب الفلسطيني، تحت ضغط ما يسميه بـ "الإرهاب" (أعمال المقاومة)، والتي من شأن التراجع أمامها قد يعني تنفيذ المزيد من العمليات وتقديم المزيد من التنازلات، ومن هنا هو يريد أن يرسخ قناعة عند المقاومين، بأنه لا جدوى مما يقومون به ومن العمل العسكري أو الاستشهادي، لأن النتائج المترتبة عليه وخيمة على أسرة الشهيد وعائلته ومحيطه الاجتماعي.

وحول إذا ما كان هناك اختلاف بين الحكومات الإسرائيلية في تنفيذ سياسة العقاب الجماعي قال جعارة للقسطل، إنه لا يوجد خلاف بدليل أن جميع الحكومات مارست العقوبات الجماعية وهدم البيوت وفرضت الحصار على القرى والمدن الفلسطينية.

يشارك الكاتب راسم عبيدات الرأي حول عدم وجود اختلاف بين الحكومات الإسرائيلية في تنفيذ هذه السياسة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يرى في الصراع مع شعبنا، أنه صراع وجودي، وهو يعتقد بأنه لا يمكن أن يقدم تنازلات من شأنها أن تمس بوجوده وسيطرته على الأرض الفلسطينية لأن من شأن ذلك تقصير عمر دولته.

وأضاف عبيدات "صحيح أن استمرار الاحتلال على تلك السياسة قد يقرب من انفجار غليان "المرجل" الفلسطيني، ولكن هذا الانفجار عند الاحتلال أفضل من أن يتراجع أمام العمل المقاوم، لأن من شأنه أن يراكم المزيد من الإنجازات والانتصارات، وهو الذي دأب على تثبيت قناعة أن "الكف لا يمكن له أن يناطح المخرز".

أمّا حول ملاحقة الاحتلال دوليًا بسبب سياسية العقاب الجماعي التي ينفذها، قالت الحقوقية ماضي للقسطل، إنه "يجب على المؤسسات التابعة للسلطة الفلسطينية، طالما أنها تريد أن تكون دولة، وطالما أن لديها سفارات في معظم دول العالم، يجب عليها العمل جاهدة على تغيير المواقف الدولية تجاه الوضع الفلسطيني".

أمام هذا كله، كلما تصاعدت وتيرة الهدم والتشريد التي يمارسها الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني بهدف إثنائه عن المقاومة والصمود، يزداد الفلسطينيون صمودًا وصلابة وقوة يومًا بعد يوم، لتتحدث بلسان حال الشعب كله. زوجة الشهيد أبو صبيح قالت ملخصةً الأمر كله في عبارة واحدة: "الهدم لم يزدنا إلا إصرارًا وقوة على المواصلة".

 

 

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر:

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول المطلوبة محددة *