كيف يستعدّ الاحتلال لمرحلة ما بعد ترامب؟
لا شكّ في أنّ ترامب قدّم لدولة الاحتلال الكثير من الجوائز التي شكّلت ترسيخًا لما سعت إليه دولة الاحتلال من خلق للحقائق على الأرض وفرضها أمرًا واقعًا، وقد وصفه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ "أفضل صديق لإسرائيل في البيت الأبيض" ، فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنّ ترامب "كان نجمًا في سياسته تجاه إسرائيل، ونجح بشكل كبير بهذا الشأن" .
ولعلّ أبرز الإنجازات بالنسبة إلى دولة الاحتلال التي قدّمتها لها إدارة ترامب ترسيخ مزاعمها في ما خصّ القدس المحتلّة عبر الاعتراف بها عاصمة لـ "إسرائيل" وتكريس ذاك الاعتراف بنقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلّة، وإسباغ الشرعيّة على الاستيطان، علاوة على رعاية مسار التطبيع بين دولة الاحتلال ودول عربيّة.
إلّا أنّ ذلك لا يمنع أنّ "إسرائيل" تحتاج إلى أن تكون علاقتها مع إدارة بايدن في أفضل حال، وقد أشار موقع "والا" العبري إلى أنّ نتنياهو الذي لم يتحقّق أمله في فوز ترامب، يستعدّ للهجوم السحري وبثّ ذكريات الصداقة مع بايدن، وكان عبّر عند إعلان اتفاق التطبيع مع السودان عن سعادته بالعمل مع أيّ شخص في أمريكا "يريد دفع السلام قدمًا". وبالفعل، هنّأ نتنياهو بايدن في 2020/11/8 على فوزه بالانتخابات، ووصفه بأنّه "صديق عظيم لإسرائيل"، فيما أكد رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين والخارجيّة الإسرائيلية في تهنئتهما لبايدن الحرص على استمرار "التحالف الاستراتيجي القوي" بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي.
وشدّد سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان في مقابلة أجرتها معه إذاعة جيش الاحتلال، على أن "إسرائيل ستنسّق وتتعاون مع أيّ إدارة أميركية ستنتخب، لأنّ هذه الشراكة إستراتيجية، وإسرائيل هي جزيرة من الاستقرار في الشّرق الأوسط بالنّسبة إلى الولايات المتحدة" ، فيما قال السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة داني دانون إنّه "على إسرائيل أن تشكر ترامب وتعتاد على واقع بايدن".
لكنّ هذا الاستعداد لإعادة التموضع تمهيدًا لمرحلة بايدن، فيما لو استتبّ له الأمر وتسلّم مقاليد منصبه رسميًا في كانون ثانٍ/يناير 2021، مترافق مع قناعة لدى المسؤولين الإسرائيليين أنّ الدعم اللامحدود الذي تلقّته دولة الاحتلال في عهد ترامب قد لا يكون متاحًا بالكيفيّة ذاتها في عهد بايدن، وهذا ما يدفعهم إلى التفكير في تسريع الخطوات في بعض الملفّات قبل تغيّر الإدارات.
ووفقًا لإيهود يعاري، محلّل الشؤون العربية في القناة 12 العبرية، يتعيّن على المسؤولين الإسرائيليين المسارعة إلى تنفيذ أربع مهمّات عاجلة مع المسؤولين عن السّياسة الخارجية في مقرّ بايدن، من ضمنها مسألة استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، مشيرًا إلى أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس "على وشك إبلاغ بايدن باستعداده لاستئناف المفاوضات مع "إسرائيل" برعاية أمريكية، بشرط إزالة صفقة القرن عن الطاولة". كذلك، ثمّة مسألة التطبيع مع الدول العربية، إذ يتعيّن على نتنياهو أن يفعل ما بوسعه، وفقًا لإيعاري، لإقناع بايدن بالتمسك بخطّ ترامب في هذا السياق، والبحث عن صيغة لتطبيع العلاقات مع المغرب وسلطنة عمان، وتحقيق التفاهمات التي تمّ التوصّل إليها مع السودان.
أمّا عضو "الكنيست" بتسلئيل سموتريتش فقال قبل إعلان نتائج الانتخابات إنّه في حال فاز بايدن فيجب الضغط على نتنياهو لبسط السّيادة على الضفة وتثبيتها قبل وصول بايدن إلى الرئاسة، فيما طالب رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي داغان بتطبيق خطّة الضم الإسرائيلية فورًا لأنّه "بمرور كل يوم تزداد الأمور صعوبة".
وعلى ما يبدو، بدأت سلطات الاحتلال بالتحرك فعلاً إذ قال تقرير لصحيفة هآرتس نشر في 2020/11/12 إنّ بلدية الاحتلال في القدس و"سلطة الأراضي الإسرائيلية" تسرّع العمل على تحديد وتعزيز خطط البناء الاستيطاني في أحياء المدينة خارج "الخطّ الأخضر"، قبل أن يؤدّي بايدن اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة في كانون ثانٍ/يناير المقبل، إذ يُتوقّع حينها تجميد البناء الاستيطاني. ووفق التقرير، كان لبايدن دور في تجميد البناء الاستيطاني في عهد أوباما إذ نشأت أزمة سياسية حادة على خلفية مصادقة السلطات الإسرائيلية على وحدات استيطانية بعد زيارة قام بها عام 2010 إلى دولة الاحتلال في محاولة لإحياء مسار المفاوضات. ويضيف التقرير أنّ مسؤولين في بلدية الاحتلال طُلب إليهم الإسراع في المصادقة على مخطّطات البناء الاستيطاين خوفًا من أن تصبح المصادقة أكثر صعوبة بعد تغيّر الإدارة الأمريكية، والحديث هو عن خطط كبرى تشمل مستوطنات "جفعات هماتوس" و"هار حوما" و"عطروت".
إذًا، يسعى الاحتلال إلى الاستفادة من المدّة المتبقيّة لترامب في الرئاسة لترسيخ مزيد من الحقائق على الأرض، لا سيّما بما يخدم تعزيز تبنّيه لرواية الاحتلال حول السيادة الإسرائيليّة على القدس بشطريها، واستباق الموقف المتوقّع إسرائيليًا من بايدن حيال الاستيطان، علاوة على ترسيخ مسار التطبيع الذي ينظر إليه الاحتلال على أنّه اعتراف عربي بـ "شرعيّته". وقد تكون أقصى أماني الاحتلال الآن أن تنقلب نتائج الانتخابات لمصلحة ترامب.. ومصلحة "إسرائيل!.