اقتطاع ساحة الأقصى الشرقية.. خطوةٌ أولى نحو التقسيم المكاني
القدس المحتلة - القسطل: لم تكد تمر عدّة أيّام على قرار سلطات الاحتلال تمديد ساعات اقتحام المسجد الأقصى المبارك التي ينفذها مستوطنو جماعات “الهيكل” المزعوم، بعد الظهر لساعة إضافية، حتى وجّهت تلك الجماعات عبر ما يُسمى بـ”ائتلاف جماعات المعبد” عريضة رسمية لوزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال أمير أوحانا، تتضمن المطالبة بالسماح لهم بتحويل الساحات الشرقية للمسجد الأقصى إلى “مدارس توراتية”، تُقرأ فيها التوراة، ويتم مناقشة تعاليمها، خلال كامل فترة الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى (من الأحد وحتى الخميس).
تداعيات قرار تمديد فترة الاقتحامات للمسجد الأقصى
وحذر مسؤول قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية هشام يعقوب، من خطورة تلك الخطوة التي تعني توسيع مساحة السيطرة “الإسرائيلية” على المسجد الأقصـى في الفضاء الزماني.
وأضاف في حديث لـ”القسطل”: ”هذا التوسيع سيعقبه بالتأكيد محاولة لترجمة هذا التمدد الزماني داخل المسجد الأقصى لليهود وللسياح أيضًا، كما سيعقبه وجود يهودي مكانياً، بمعنى أنّهم سيطالبون بأن يكون لهم مكان محدد داخل الأقصى لإقامة شعائرهم، وهذا ما تمّ فعلاً عبر مطالبتهم بتخصيص أماكن لهم للطقوس الدينية في الساحات الشرقية للمسجد الأقصى المبارك”.
خطوةٌ أولى نحو التقسيم المكاني
“مطالباتُ هذه الجماعات المتطرفة بتخصيص جزء من المسجد الأقصى في المنطقة الشرقية لليهود بشكل دائم هي الخطوة الأولى في تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، وهو ما يطمح الاحتلال لتنفيذه منذ سنوات طويلة”، بذلك وصف الباحث المختص في شؤون القدس د.عبد الله معروف، تداعيات التصعيد الأخير في المسجد الأقصى.
ويوضح “أن الحديث هنا لا يدور حول تخصيص جزءٍ من المسجد الأقصى لأداء طقوس توراتية وتلمودية معينة، بل هو خطوة أولى نحو تطبيق سيناريو مطابق لسيناريو التقسيم المكاني للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل عام 1997”.
ويضيف معروف “إن سمح شعبنا في القدس وفلسطين بتمرير هذا المخطط أو المطالبة به، فإنّها ستكونُ مفتاحاً لتوسيعِ سيطرة الاحتلال على المسجد الأقصى كاملاً عبر تخصيص مساحة أمنية حول هذه المنطقة، ثم تخصيص “مسار آمن” بين باب المغاربة والمنطقة الشرقية يقسم المسجد الأقصى لقسمين، حتى الوصول في النهاية لابتلاع المسجد وإعلانه تراثاً يهودياً تماماً كما فعل الاحتلال في المسجد الإبراهيمي في الخليل”.
ودعا معروف أبناء الشعب الفلسطيني في القدس وعموم فلسطين، إلى التصدي لهذا التصعيد الإسرائيلي مهما كان الثمن، كي لا تتكرر تجربة مدينة خليل الرحمن المريرة، في المسجد الأقصى المبارك.
تكاملٌ في الأدوار نحو تحقيق أجندات التقسيم
لم يأت هذا التصعيد، والتطور في مسارات تنفيذ أجندات تقسيم المسجد الأقصى، من فراغ بل هو حصيلة مسارٍ متصاعدٍ في الكيان المحتل، والمجتمع الإسرائيلي، بالإضافة لاستغلال ما تمر به البيئة الإقليمية والدولية، من أحداثٍ متسارعة، من قبل جماعات المعبد وتكتلاتها، في سبيل المسارعة في تحقيق أهدافها المتمثلة بتثبيت ما يسمى بـ”الحق اليهودي” في أداء الطقوس والصلوات اليهودية داخل المسجد الأقصى المبارك، كما وصفها مسؤول قسم الأبحاث والمعلومات في مؤسسة القدس الدولية أ.هشام يعقوب.
وفي سياق تحليله للمشهد العام، أفاد يعقوب بأن “جماعات المعبد تقدمت كثيراً نحو تحقيق مبتغاها، وهذه النتيجة التي وصلنا لها اليوم والمتمثلة في مطالبة هذه الجماعات بتخصيص الساحات الشرقية في المسجد الأقصى لهذه الشعائر الدينية اليهودية، هذه النتيجة قدّ وصلنا إليها بعد تزاوجٍ بين المستويين السياسي والأمني مع هذه الجماعات المتطرفة، وهنا نتذكر أنّ الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة والتي سبقتها كذلك، جاءت بكتلةٍ من السياسيين الإسرائيليين سواءً في الكنيست، أو في حكومة الاحتلال، هذه الكتلة تدعم بقوة جماعات المعبد وأفكارهم، وهناك علاقة متبادلة بينهما، وهناك تكاملٌ في الأدوار بين هذه الجماعات وبين المستوى السياسي، الذي يعطي التعليمات للاحتلال على المستوى الأمني، وأيضاً المستوى الأمني الذي يقدم التقارير ويعطي التوصيات للمستوى السياسي”.
لم يكن هذا المشهد ليتحقق لولا وجود تلك الحلقة المتكاملة، كما يصفها يعقوب ما بين جماعات المعبد والمستوى السياسي، والمستوى الأمني، هذه الحلقة المتكاملة من التعاون باتجاه تعزيز “السيطرة الإسرائيلية” على المسجد الأقصى.
ويضيف: “يُمكن القول إن هذه الجماعات تتقدم اليوم أكثر فأكثر باتجاه تحقيق أهدافها، وبعد ما تلقت صفعةً في هبة باب الرحمة، دفعتها إلى الوراء، ها هي اليوم تستعيد المبادرة، مستغلةً الظروف الإقليمية التي تعتقد أنّها في مصلحتها، لا سيما تعاظم موجة التطبيع مع الاحتلال، وتعتقد أنّه في هذه الأجواء بإمكانها أن تحقق مكاسب، إذاً يجب أن ننتبه إلى الظروف الإقليمية والدولية المختلفة، التي يمكن أن تقرأ هذه المنظمات أنّها في مصلحتها، وهي تُسابق الزمن من أجل فرض الحقائق والوقائع التي تخدم مصلحتها في المسجد الأقصى”.
جهودٌ متواصلة منذ 3 شهور
لا يمكن قراءة قرار تمديد أوقات اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، والذي أسس إلى تصعيد مطالبات “جماعات المعبد”، بمنحهم مساحة ثابتة في الساحات الشرقية، بمعزل عن جهود جماعات ومنظمات “المعبد” لفرض السياسة أو السيطرة الكاملة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الأقصى، وتمكين اليهود من ممارسة الطقوس والشعائر التلمودية اليهودية داخل المسجد الأقصى، يعقب يعقوب: “نتذكر أنّه خلال الأشهر الثلاثة الماضية كانت هناك مطالب ومساعٍ حثيثة من هذه الجماعات لتنفيذ الطقوس التلمودية داخل المسجد الأقصى، وتقديم القرابين في باحاته، إذاً نحن نتحدث عن سلسلة متكاملة من الاعتداءات على المسجد الأقصى”.
مسار جديد للتقسيم المكاني للأقصى واقتطاع ساحته الشرقية
من جهته، يُشير الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، زياد ابحيص إلى أن طلب “جماعات المعبد” يحاول تحويل شكل الاقتحام من المشي والحركة إلى التمركز والمكوث لفترة طويلة ما بين الساعة السابعة والعاشرة والنصف صباحاً، وما بين الساعة الثانية عشرة والنصف وحتى الساعة الثانية من بعد الظهر.
ويوضح أن هذا الطلب يهدف إلى استغلال أوقات الاقتحام التي تفرضها شرطة الاحتلال إلى الحد الأقصى، بحيث يصبح دوام المدارس الدينية اليهودية داخل الأقصى لمدة خمس ساعات يومياً، بلغة أخرى أن يصبح الأقصى “حرم التدريس” الخاص بتلك المدارس، وهو يمهد لاحقاً لإدخال الكتب ولفائف التوراة والكراسي، ومن ثم المطالبة بمظلات بلاستيكية على غرار تلك المنصوبة في ساحة البراق، وهو ما يؤسس مساراً جديداً للتقسيم المكاني للأقصى واقتطاع ساحته الشرقية بعد أن فشل الرهان الذي استمر 16 عاماً على اقتطاع مصلى باب الرحمة كنقطة انطلاق للتقسيم المكاني.
ويقول إن “تلك الجماعات أكدت في رسالتها على أنها لا تعترف بالأوقات المحددة لليهود، وترى فيها “تمييزاً ضد اليهود” تمارسه شرطة الاحتلال في الأقصى، وبأن الأصل أن يُسمح لأتباع تلك المدارس أن يقضوا أوقاتهم على مدار اليوم في الأقصى، إلا أنها تقصر طلبها الحالي على تمكينهم من الدراسة خلال الأوقات المفروضة حالياً”.
يأتي هذا التصعيد في مسار محاولات تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى ضمن سياق تدهور الموقف العربي الرسمي باتجاه التطبيع، وفي سياق ضعف الموقف الفلسطيني الرسمي، وفي سياق تآكل مقوّمات صمود المقدسيين والمرابطين في المسجد الأقصى، إذ يرى مختصون في شؤون القدس والمسجد الأقصى أن هذا الظرف في غاية الخطورة، ما يتطلب الحراك العاجل على مستوى الحالة الشعبية في القدس وفلسطين، وفصائل المقاومة الفلسطينية، لوضع حجر العثرة أمام مساعي سلطات الاحتلال في فرض أجندات التقسيم والتهويد للمسجد الأقصى.