ذكرى النّصر المقدسي.. كيف فُتح “باب الرحمة” قبل 3 أعوام؟
القدس المحتلة – القسطل: بعد 3 أعوام على فتح “باب الرحمة”، هل انتهت الأطماع أم ما زالت أصواتهم تعلو، مطالبين بأن يعود هذا المكان لهم، على أساس تحويله يومًا ما إلى كنيس يهودي في قلب المسجد الأقصى، فيحقّقوا ما تمنّوه خلال سنوات احتلالهم من التقسيم المكاني؟ وماذا عن شرطة الاحتلال.. هل توقّفت عن انتهاكاتها لهذا المكان وملاحقة المصلين؟.
بالطّبع لا، لم يتوقّف أيٌ من ذلك، بل إنّ الاعتداءات والانتهاكات في المسجد الأقصى، ومصلّى “باب الرحمة” ما زالت متواصلة وفي تصاعد من حيث استهداف المصلين، ملاحقتهم، إبعادهم عن المسجد لعدّة شهور، اقتحام المصلّى بالأحذية، وتصوير جميع المتواجدين فيه بغية معرفة من الذي يُرابط في هذا المكان ويرعاه ويحميه كغيره من مصلّيات المسجد، إلّا أن “العين” على هذا المصلّى بالذات، وباتت تلك “تهمة” بالنسبة للاحتلال.
أحداث سبقت الفتح..
بالعودة قليلاً إلى الأحداث التي حصلت عام 2018، وبالتحديد خلال شهر رمضان ومع تمكّن أعداد كبيرة من الفلسطينيين من كافة الأراضي المحتلة من الدخول والصلاة في المسجد الأقصى، تم استغلال تلك الفرصة والقيام بحملة تنظيف واسعة، مركّزة على المنطقة الشرقية.
بابا “الرحمة” و”التوبة” كانا مغلقان منذ سنوات طويلة، وتوجد قربهما تلتان أُطلق عليهما اسما “تلة باب الرحمة”، و”تلة باب التوبة” تيمّناً بالبابيْن وهما عبارة عن تلّتين صغيرتين من أتربة وحجارة المسجد الأقصى، تشكّلتا في عهد الاحتلال “الإسرائيلي” خلال عمليات ترميم المصلى المرواني والأقصى القديم، ومنعت شرطة الاحتلال إخراج الركام من تلك المنطقة على مدار أكثر من 25 عاماً.
التفّ المصلون على القرار “الإسرائيلي”، وحوّلوا الحجارة التي كانت تملأ المكان، إلى سلاسل حجرية منظمة، تحيط بجنبات المسجد الأقصى، من خلال تشكيل مقاعد وطاولات من تلك الحجارة، بالإضافة إلى إحاطة أشجار الزيتون بها بشكل دائري، حتى غدت المنطقة معلماً جديداً في المسجد الأقصى.
وبالتزامن مع ذلك، أطلق نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسم “باب الرحمة إلنا”- وفعليًا لم يتوقّف هذا الهاشتاغ حتى اليوم- وبدأ المصلون بالصلاة في المنطقة الشرقية، وأداء عباداتهم، إلى جانب الإفطارات التي عمّت المكان من قبل العائلات ومجموعات الشبّان.
هذا الأمر لم يُعجب شرطة الاحتلال ولا حتى المستوطنين، فهذا المكان من المخطط أن يكون لهم ضمن التقسيم المكاني، فشرعت الشرطة بحملة تخريب لما قام به المصلون، والمستوطنون بدأوا بحملاتهم التحريضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
منذ ذلك الوقت بدأت الملاحقات لكلّ من تواجد وصلّى واعتكف في المنطقة الشرقية، وكانت التهم التي تُنسب إليهم وجودهم في منطقة “باب الرحمة” و”عرقلة عمل الشرطة”، و”منع الزيارات أو عرقلتها” (أي الاقتحامات).
الشرارة ..
لم تحسب شرطة الاحتلال أن بالقفل والسلاسل الحديدية التي وضعتها على الباب الواقع على رأس الدرج المؤدي إلى مبنى “باب الرحمة” مع بداية عام 2019 ستُشعل غضب المصلين وستصل إلى نهاية لا تُريدها أبداً.
صلّى الفلسطينيون على مقربة من الباب، وما إن انتهوا حتى أزالوا ما تم وضعه، واستمرت الأحداث بالتصاعد شيئاً فشيئاً من خلال الاعتداء على المصلين بالضرب والقنابل والرصاص، واعتقالهم وإبعادهم، حتى استطاعوا يوم الجمعة في الـ22 من شباط 2019 فتح مصلّى “باب الرحمة” المغلق منذ عام 2003.
كانت الفرحة عارمة، لم يتوقّعها أحد، شارك فيها الشيوخ وكبار السن قبل الشباب والفتية والأطفال، كانت لحظات مؤثرة، وشوق لرؤية هذا المكان وهو يعمر يوميًا بالمصلين كما كافة مصليات المسجد الأقصى، صلّوا فيه جماعة، ثم بدأت عمليات تنظيفه شيئًا فشيئًا، وإحضار كافة اللوازم المتعلّقة به.
لاحقت شرطة الاحتلال كلّ من يضع شيئًا في المصلى مثل السجاد وخزائن الأحذية وصادرتها في كثير من المرّات، حتى تم وضع السجّاد بشكل كامل من قبل دائرة الأوقاف الإسلامية.
مصلى “باب الرحمة” اليوم..
لم يتركه المصلون أبدًا، بل إن بعضهم من يسعى لإعماره أكثر من المصليات الأخرى، متوجهًا إليه لا إلى المصليات الأخرى، لأنه يعلم أن بقية المصليات يعمرها المصلون في كل وقت وحين، أمّا هذا فما زالت العيون الحاقدة المُحتَلة تطمع به. عشرات المقدسيّين يصلون فيه الفجر والصلوات الأخرى، لا يوجد إمام محدّد، فالاحتلال لاحق أئمة مصلى “باب الرحمة” ضمن سلسلة انتهاكاته، كما أن المصلين يحضّرون بعض الوجبات والحلويات والكعك المقدسي- ما بين الحين والآخر- ويتناولونه في هذا المكان، كجزء من الرّباط. أمّا عن الانتهاكات فهي لم تتوّقف، فمنذ اليوم الأول بعد الفتح وحتى يومنا هذا، تلاحق شرطة الاحتلال كلّ من يتواجد في المصلّى من خلال رصد دخول وخروج المصلين، تعتقل الفتيات والنساء والشبّان، تحقّق معهم بسبب صلاتهم وعباداتهم، ثم تُبعدهم عن المسجد الأقصى بالكامل لعدّة شهور. ما كان لافتًا ما بعد فتح “باب الرحمة”، مطالبات جماعات “الهيكل” المزعوم بتحويل الساحات الشرقية للمسجد الأقصى إلى “مدارس توراتية” -حيث يقع باب الرحمة- تُقرأ فيها التوراة، ويتم مناقشة تعاليمها، خلال كامل فترة الاقتحامات اليومية للمسجد من الأحد وحتى الخميس. والمستوطنون يقتحمون الأقصى ويتجولون في باحاته يوميًا بحماية شرطة الاحتلال، إلّا أن المكان الذي يستهويهم ويقفون عنده طويلًا، يصلّون، يؤدون طقوسهم التلمودية، هو محيط “باب الرحمة”. ولا تكفّ شرطة الاحتلال عن مطالبة دائرة الأوقاف الإسلامية في إعادة إغلاق المصلى، حيث ربطت إعادة إعمار مصليّات المسجد وترميمها بإعادة إغلاق مصلى “باب الرحمة”، إلّا أن إدارة الوقف رفضت ذلك. لكن رغم كل ذلك، ورغم كل الإجراءات التي تفرضها شرطة الاحتلال على المصلين، إلا أنهم متمسّكون بحقّهم في هذا المكان، ولن يفرّطوا به أبدًا.. . .