عودة العلاقات مع الاحتلال .. طعنةٌ لنضال شعبنا وتضحياته
القدس المحتلة - القسطل: شكّل إعلان وزير الشؤون المدنية عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” حسين الشيخ، عن عودة العلاقات مع دولة الاحتلال، وبالتالي عودة التنسيق الأمني كما كان عليه الحال ما قبل الـ19 من شهر أيار/ مايو الماضي، صدمة واستياء لدى الفلسطينيين.
وما زاد من استيائهم، وصف الشيخ لما حصل بأنه "انتصار لشعبنا العظيم الذي تحمل الكثير في السنوات الأخيرة .."، ليعبّروا عن ذلك عبر منشوراتهم وتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
من المعيب العودة لهذا النفق المُظلم ..
يقول الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة في حديثه لـ”القسطل” إن التوقعات كانت بعد الاستماع لحديث الشيخ أن تكون هذه الرسالة التي استلمتها السلطة الفلسطينية من طرف سياسي رفيع على الأقل، لكن المفاجئ أن هذه الرسالة كانت “إدارية” من جهة عسكرية أمنية وليست جهة سياسية، وأن مضمونها فارغ ولا جديد فيها”.
ويضيف أن “إسرائيل” كما عهدناها جميعًا لم تلتزم منذ نشأتها في أي اتفاقات أو مواثيق دولية لا مع الفلسطينيين ولا مع غيرهم، وما يهمها هو مصالحها فقط. ويبين أن هذا الإعلان كان مفاجأة للجميع وشكّل صدمة للشارع الفلسطيني بشكل عام الذي تحمّل وصبر موظفوه وقطاع العاملين فيه على الأذى الذي لحق بهم طوال الستة شهور الماضية من انقطاع الرواتب ليأتي هذا الإعلان يتوج ثمرة هذه التضحيات والنضال الوطني الفلسطيني بهذا الموقف الوطني الباهت والمؤلم والمسيء لنضالات شعبنا وتضحياته ومشروعه الوطني، على حد قوله.
ويشير هلسة إلى أن السلطة لم تكن في يوم من الأيام جادّة في إنهاء علاقتها “العضوية” -كما وصفها- مع “إسرائيل”، وكل الرهان الذي حصل سابقًا على قضية إجراء الانتخابات ومشروع المقاومة الشعبية، ولقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية لم يكن إلا نوع من شراء الوقت في انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، ثم تأتي السلطة الآن لتقول لنا “إننا حققنا انتصارًا عظيمًا بعودتنا للعلاقات مع إسرائيل”.
وعقّب على ذلك قائلاً: “إن العودة للتنسيق الأمني الذي لم نعتقد أنه انقطع يومًا، شكّل طعنة لتضحيات الفلسطينيين ولشهدائهم وأسراهم ونضالهم الوطني، ومن المؤلم والمؤذي جدًا أن تقوم السلطة بهذا الأمر بعد شهور من انتظار أن تكون ثمرة هذه المعاناة وهذا الانقطاع، العودة للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وبناء البيت الداخلي الفلسطيني وتمتينه، وترتيب الأولويات الفلسطينية. الرهان على الإرادة الفلسطينية وتضحيات الفلسطينيين لا بالرهان على الدخول في هذا النفق المظلم الطويل الذي لطالما جرّبناه لسنوات طويلة ولم نجنِ منه سوى الويلات والحسرات”.
وفي الوقت الذي يتم الإعلان فيه عن عودة التنسيق، يستمر الاحتلال في مشروعه الاستيطاني وتهويد القدس وتغيير ملامحها وتغيير طابعها العربي والإسلامي، ويستمر في غيّه وتوسّعه، إلى جانب التطبيع العربي معه، حيث قال الباحث في الشأن الإسرائيلي هلسة: “لاحظوا انهيار الجدران العربية أمام إسرائيل، الواحد تلو الآخر، هذا هو الزمن الإسرائيلي. إن المتتبع لردات الفعل الفلسطينية على مواقع التواصل ومواقع الإعلام المختلفة يجد كم كانت مؤلمة هذه الخطوة لشعبنا الفلسطيني والمؤلم أكثر فيها، أن تسوّق على أنها انتصار عظيم، وانتصار للإرادة الفلسطينية وكأننا فعلًا حررنا البلاد”.
ويُلفت كذلك إلى أن “القيادة الفلسطينية يوميًا تثبت بأننا لن نتخلى عن هذا النفق والتيه العظيم الذي دخلنا فيه وأن شعبنا مطلوب منه أن يعود للمربع الأول، مربع المراهنة على المفاوضات والعلاقة مع إسرائيل التي لطالما راهنت فقط على مصالحها وامتداد مشروعها وتوسعه على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية وتضحيات شعبنا”.
وأشار إلى أنه “من المعيب جدًا بعد كل هذه التضحيات، وبعد أن أُنهك شعبنا لفترات طويلة وهو يتحمل على أمل أن يخرج في نهاية المطاف من هذا النفق المظلم، أن نصل لهذه النهاية، هذه خاتمة سيئة لا أدري كيف سيتقبّلها شعبنا، وكيف سيتقبّل أن نمد اليد مرة أخرى إلى الوهم، وأن نلحق السراب الإسرائيلي ونحن نعلم بأنه لن يعود علينا بالمنفعة ولا على مشروعنا الوطني بأي فائدة!”.
وختم بالقول “إن الرهان الحقيقي في هذا الوقت العصيب على إرادتنا كفلسطينيين على تمسكنا ووحدتنا، والتي يبدو أن السلطة والقيادة الفلسطينية أدارت لها الظهر وأجّلت قضية المصالحة إلى قضايا الحل النهائي وكأنها أصبحت قضية من القضايا المعطّلة على الرف”.
لا رغبة جدية وحقيقية لدى السلطة بوجود شراكة وطنية
من جانبه، قال المحلل السياسي والصحفي المقدسي راسم عبيدات إن عودة العلاقات “الإسرائيلية الفلسطينية” وعودة السلطة إلى الوضع الطبيعي مع دولة الاحتلال في ظل ما كانت تطرحه بأنها تحللت في 19 أيار/ مايو من كافة الاتفاقيات والالتزامات مع الاحتلال سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي والسياسي وسحب الاعتراف المتبادل، وكذلك عندما دخلت في الوضع الفلسطيني باتجاه تحقيق مصالحة فلسطينية، عُقدت لقاءات على مستوى الأمناء العامين، ومن ثم حوارات للوحدة الوطنية ما بين حركتي “فتح” و”حماس” في اسطنبول، واستُكملت الحوارات في دمشق، وكان من المفترض أن يكون هناك رؤية وإستراتيجية فلسطينية باتجاه إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، كل ذلك تسبّب في حالة استياء عامة بين أوساط الشعب الفلسطيني.
وأضاف لـ”القسطل”: “أعتقد أن عودة العلاقات بدون ثمن- بمعنى أن السلطة الفلسطينية هي التي اقترحت أن تعود عملية التنسيق الأمني والمدني مع دولة الاحتلال- يشكل طعنة وتنكر لكل قرارات المجلس الوطني والمركزي، وهذا لا يؤشر إلى رغبة السلطة الجدية والحقيقية باتجاه وجود شراكة وطنية، ما سيسهم في ازدياد الانقسام في الساحة الوطنية على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني”.
وبيّن أن السلطة الفلسطينية تحسّن علاقتها مع دولة الاحتلال على حساب مصالح الشعب الفلسطيني، لذلك شكّل هذا الإعلان حالة استياء عامة، وقال: “السلطة عادت للحفاظ على مصالحها ومشروعها، وليس لصالح المشروع الوطني أي علاقة فيما يجري، عندما يكون هناك شخص يقرر نيابة عن كل الشعب الفلسطيني دون التفات للكل الفلسطيني، فنحن نقف أمام حالة غير مسبوقة من إقدام السلطة على خطوات ليست في صالح شعبنا، خاصة أنها عندما كانت تنتقد الإمارات والبحرين والتطبيع مع دولة الاحتلال وأن ذلك شكّل طعنة غادرة لنضالات شعبنا، هي عادت وأعادت السفراء إلى دولتي البحرين والإمارات، بما يؤشر إلى أن السلطة لم تعد فقط إلى علاقتها الطبيعية مع دولة الاحتلال بل تعود إلى محور السعودي الإماراتي البحريني، وهذا بحد ذاته يسيء إلى نضال شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني”.