جبل المكبر .. القممُ لأهل الهِمم
الجبلُ هو تضريسٌ أرضي يرتفع عمّا حوله من الأرض في منطقةٍ محددة. ويتميز بقممه الصخرية وسفوحه المرتفعة، وبعبارةٍ أخرى هو ما علا من سطح الأَرض واستطال وجاوَزَ التَّلَّ ارتفاعًا. وكذلك البشر تعلو أقدارُهم، وترتفع منازلُهم بحسب نصيبهم من علو الهمة، وشرف المقصد. فمن عَلَت همته اتصف بكل جميل، ومن دنت همته اتصف بكل خُلقٍ رذيل، فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا أعلاها.
والهمة العالية لا تزال بصاحبها، تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل واكتساب الرذائل وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى درجات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد، فما بالك باجتماع الخصلتين معاً، اعتلاءُ الجبلِ وعُلو الهِمة. فمنذ أسابيع يقود أبناءُ جبل المكبر سلسلة من الفعاليات والاحتجاجات المناهضة لسياسة هدم المنازل التي تنتهجها بلدية الاحتلال ضد ما تسميه البناء غير المرخص في مدينة القدس المحتلة، وتهديدها بهدم مئات المنازل والمنشآت خلال الأشهر القادمة في جبل المكبر وفي غيره. فكان لا بد من المبادرة باتخاذ خطواتٍ مقدسية عملية لأجل التصدي لهذه المخططات ووقفها، باعتبارها تشكل خطراً على الوجود العربي المقدسي وتهدف إلى تهجير المقدسيين واقتلاعهم من أرضهم ومدينتهم.
إنها الهمة العالية التي لطالما عوّدنا عليها "الجبل" بفرسانه ونسوره ورموزه، أن تكوّن لنفسك مجداً أن تكون إنساناً فاعلاً، ألا تعتمد على الآخرين، ألا تكون هامشياً في هذه الحياة:
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله * لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
إن العمل الجماهيري والحراك الشعبي مسارٌ نضاليٌ أثبت جدواه مرةً بعد مرة في مواجهة المخططات التهويدية الصهيوينة ودفع الاحتلال إلى التراجع، فالتظاهرات المناهظة لسياسة هدم منازل المقدسيين تُشكل عنصراً هاماً في مواجهة السياسات الاحتلالية في مدينة القدس وعلى رأسها هدم المنازل للضغط على بلدية الاحتلال لوقفها، بعدما استنفد المسار القانوني في محاكم الاحتلال دوره. وتأتي هذه الخطوات العملية والتي بدأت بسلسلة من الوقفات الاحتجاجية، أمام مبنى بلدية الاحتلال، لمطالبتها بوقف قرارات الهدم، ثم تلاها الخطوة الجريئة بالتوقف الفوري عن "الهدم الذاتي"، الذي أعلنته عوائل "الجبل" وأجمعت عليه وعممته وناشدت بقية بلدات القدس الالتزام به.
إن رسالة التظاهرات والاحتجاجات الموحدة التي يقودها أبناء "الجبل" ونسوره تسعى إلى اتخاذ موقفٍ مقدسي موحد، والوقوف صفاً واحداً لأجل وقف سياسة هدم المنازل. ونحن يحذونا الأمل أن تنخرط بقية بلدات مدينة القدس ولجانها في هذا النضال الشعبي، وأن يكون هناك تجاوب وتكاتف وتعاونٌ من الجميع، لأجل تنفيذ تلك الخطوات وضمان تطويرها وتوسعها واستمرارها لتحقق الهدف الذي انطلقت من أجله بوقف استهداف منازلنا ووجودنا في القدس. ولنتذكر، أن إرادة المقدسيين هزمت دائماً صلف الاحتلال ومؤسساته، وصمود أبناء القدس وعزيمتهم الصلبة تقف دائماً صخرةً في وجه العدوان الإسرائيلي المتواصل على كل ما هو عربي واسلامي في القدس وفي كل مرة ينتصرُ المقدسيون بنموذجهم المُقاوم المميز.
إننا على يقين أن الإرادة الشعبية إن حضرت فهي كفيلةٌ بأن تُفشلَ المسعى الإسرائيلي وأن تقف سداً منيعاً أمام مخططات الاحتلال الرامية إلى اقتلاعنا، كما فعلت في المسجد الأقصى والشيخ جراح وباب الرحمة وباب العامود...فالإرادة الشعبية ما إن تجلّت فهي حتماً منتصرة ولنتذكر، ما أصاب السهم حتى خرج من القوس، ورب هِمة أحيت أمة..!!