محمد عبيد .. شهيــد العيساوية التي ما زالت تثأرُ لأجله

محمد عبيد .. شهيــد العيساوية التي ما زالت تثأرُ لأجله

القدس المحتلة - القسطل: “كنت أغسل الأواني، حينما سمعت صراخًا في الخارج، لم أتمالك نفسي، خرجت .. وإذ بأصدقاء محمد وأهل الحي يصرخون ويبكون، قلت لهم ما بكم، ما الذي حدث، لم ينطقوا بشيء، وكان ابني الثاني معهم، حينها قال لي محمد تصاوب وأخدوه”.

تستذكر فدوى عبيد ما حصل يوم استشهاد نجلها، وكيف رأته مضرّجًا بدمائه فألهمها الله القوة والصّبر على تحمّل هذا المشهد، وتحدّث “القسطل” عن معاناتِه مع الاحتلال ما قبل استشهاده، من اعتقالات واستدعاءات وضرب حتى عندما كان طفلًا في الـ15 من عمره.

محمد عبيد (21 عامًا) استُشهد برصاص الاحتلال في الثامن والعشرين من شهر حزيران/ يونيو عام 2019. في ذلك الوقت كانت بلدة العيساوية الواقعة شمالي شرق القدس المحتلة تشهد مواجهات يومية مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتداءات وتنكيل بالسكان منذ عدّة شهور بشكل متواصل.

تقول والدة محمد لـ”القسطل”: كان يجلس معي يوميًا، يقول لي سأذهب وأرى ما الذي يحدث في الخارج، ثم يعود إليّ ويبلّغني ما الذي يحصل، وصدقًا كان يقول لي إن الاحتلال يستفزّ الأطفال والشبّان بسبب تلك الاقتحامات اليومية، فلا مبرّر لما يفعلونه بهم”.

وتضيف أنه يوم استشهاده غاب عنها نصف ساعة، وإذ بها تسمع في الخارج أصواتًا وصراخًا، فلم تتمالك نفسها، وتركت ما بيدها وخرجت لترى ما يحدث في حي عبيد.

“طلعت برّة وسألت الشباب شو في؟ صاروا يطلّعوا ع بعض، ما رضيوا يحكولي، كانوا يبكوا”، توضح فدوى عبيد، وتضيف: “كان ابني الثاني معهم، وأبلغني بأن محمد أُصيب برصاص الاحتلال وتم احتجازه”.

حملت نفسها إلى نقطة المواجهات حيث استُشهد محمد، فرأت مسعفين وعددًا من الشبان يتجمّعون حول مُصاب، اقتربت منه فكان نجلها مضرّجًا بدمائه، حاولوا إنعاشه، وكانوا يقولون لبعضهم “خلص استشهد”، ولم يكونوا يعرفون بأن من تقف بينهم هي أمه.

غاب صوتها قليلًا خلال حديثها معنا، ثم قالت: “نظرت إلى عينيه وأيقنت بأنه رحل.. لكن الحمد لله أنه نال الشهادة، ألهمني الله القوة والصبر، وقبل أن يحتجزه الاحتلال ويسرقه منّا تمكنت من أخذ قبّعته وحذائه”. تم احتجاز محمد لمدة خمسة أيام، ثم تم تسليم جثمانه لذويه بعدها حيث تم دفنه في العيساوية.

  

محمد كان من الأسرى المحررين الذين قضوا عدّة سنوات في سجون الاحتلال بعدما اتُّهم بقضايا تتعلّق بضرب الحجارة والزجاجات الحارقة على الجنود وعناصر الشرطة أثناء اقتحام العيساوية.

تبيّن عبيد أن قوات الاحتلال اعتقلت نجلها أول مرة عندما كان في الـ15 من عمره. “ كان رجلًا، لا يهابهم، لم يعرف الجبن والخوف منهم طيلة حياته”، هكذا قالت عنه والدته. وتم الحكم عليه بالسجن لمدة عامين قضاها في سجن “مجدو”.

أما الاعتقال الثاني فكان بعد ستة شهور فقط من الإفراج عنه، وتم الحكم عليه مجدّدًا بالسجن لمدة عام و8 شهور تنقل فيها ما بين سجني “جلبوع” و”النقب”.

تستذكر والدته صفاته التي يعرفها أهل البلدة بل وأهل القدس أيضًا، كم كان محبوبًا، خدومًا، وكتومًا، فكان يساعد الناس في أفراحهم وأتراحهم، وحينما استُشهد، كان وقْعُ الخبر على كل من يعرفه صادمًا ومؤلمًا، ثم ختمت حديثها بالقول: “ابني برفع الراس”.

منذ يوم استشهاد محمد وحتى اليوم وحيّ آل عبيد في العيساوية لا يهدأ، يشهد المواجهة الأشدّ مع الاحتلال وقواته، فالاقتحامات مستمرة، والاعتداءات على سكانه يومية، والشبّان يتصدّون لعناصر الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة غير مكترثين بأي اعتقال سيلاحقهم فيما بعد، فهم يحلمون بالعيش بأمان على أرضهم دون وجود محتلّين.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: