ما هي الأهداف الاقتصادية والديموغرافية التي تقف وراء نقل الاحتلال مكاتبه الحكومية للقدس؟
القدس المحتلة - القسطل: منذ بدء احتلال المدينة ينتهج المحتل سياسة ترمي إلى إغلاق ملف القدس بشكل تدريجي وتغيير طابعها وطبيعتها العربية من خلال إجراءات تهويدية كان آخرها قرار نقل المؤسسات الحكومية إلى مدينة القدس .
حكومة الاحتلال مؤخرا أكدت أنها ماضية في نقل المقار الحكومة والوزارات والمؤسسات الرسمية من تل أبيب إلى مدينة القدس وذلك في أعقاب توجه بلدية الاحتلال في المدينة المحتلة إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية مطالبة إدارتها بالالتزام بقرارات الحكومة بضرورة النقل فورا.
تقارير إسرائيلية ذكرت أيضا أن من بين المكاتب الحكومية التابعة للاحتلال التي ستنتقل إلى القدس مراكز التوظيف والتقاعد التابعة لإدارة مصلحة السجون التي تضم عشرات الموظفين، وعدة وحدات من شرطة الاحتلال مثل مكتب التجنيد وقسم الطوارئ ومقر قسم المرور.
بجانب الهدف السياسي وهو إحكام السيطرة الإسرائيلية على المدينة هناك توجه احتلالي اقتصادي يرمي إلى تقوية وتعزيز مكانة القدس المحتلة كمدينة اقتصادية مركزية جاذبة للمستوطنين خصوصا أن المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء الإسرائيلية أفادت بأن القدس تأتي في المرتبة الأولى لدى الاحتلال من ناحية الهجرة السلبية حيث المغادرون أكثر من الوافدين.
وحول الهدف الإسرائيلي من نقل مقاره ومنشآته الاقتصادية والاستراتيجية للقدس قال المختص في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت لـ القسطل "كانت القدس دائما في صلب برامج التطوير الإسرائيلية بهدف تكريس ضمها إلى إسرائيل وتأبيد كونها موحدة بين شطريها الغربي والشرقي وعاصمة للاحتلال وهذا الأمر تعزز بعد قرار الولايات المتحدة إبان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب"..
وأضاف شلحت "في غضون ذلك تحدث تطورات إسرائيلية داخلية مرتبطة أكثر بتطورات الاقتصاد والنشاط الاقتصادي التي تحدّد العلاقة بين الجغرافيا والديموغرافيا والقصد أن الكثافة السكانية تجري حول مراكز النشاط الاقتصادي وأماكن العمل المتوفرة وهي تتركز بالأساس في وسط إسرائيل فيما يعرف بمنطقة تل أبيب الكبرى.. والخطط الإسرائيلية الأخيرة تهدف إلى تدعيم القدس ليس فقط مدينة موحدة وعاصمة بل منطقة اقتصادية جاذبة للعمالة وفئات متعددة من السكان وليس فقط للسكان المتزمتين بشأن مكانتها ما يجعلها تزدهر ويخفف من المواجهات"
المحلل السياسي والمختص في شؤون القدس جمال عمرو شرح لـ القسطل التركيبة الديمغرافية الإسرائيلية في القدس ومخاوف حكومة الاحتلال بهذا الشأن حيث قال "المستوطنون العلمانيون بالقدس لم يجدوا مبتغاهم وبدأوا الرحيل إلى مدن أخرى أكثر نشاطا اقتصاديا مما يزيد نسبة الحريديم بالقدس والمتدينين من اليهود وهذا شيء مربك للحكومة الإسرائيلية خصوصا أن مجتمع الحريديم يركز على القدس ويعتبرها مدينة دينية وهو مجتمع مغلق لا يعطي وجها حضاريا عن المدينة كما يريدها الاحتلال ويتخيلها مدينة منفتحة مثل باريس أو لندن فيها سفارات وأجانب وسياحة واقتصاد ومشاريع" .
سلسلة تقارير إسرائيلية سابقة كانت قد ذكرت أن أعداد الحريديم هي هاجس القلق الأكبر للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وأيضا للحركة الصهيونية وهذا بسبب طبيعة حياتهم المتزمتة وسعيهم المتواصل للسيطرة على الحيز العام فأينما ترتفع نسبتهم من بين إجمالي أعداد سكان البلدة أو المدينة يلاحَظ ارتفاع نسبة العلمانيين الذين يغادرون المكان وهذا يبرز بشكل خاص في مدينة القدس وقبل هذا ظهر في مدينة بيت شيمش غربي القدس حتى باتت المدينة تحت سيطرة شبه كاملة للحريديم
وفي هذا السياق قال المختص في شؤون القدس عمرو "هناك معطيات صادمة لهجرة المستوطنين العلمانيين من القدس لأهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية.. في المقابل هناك توافد لمزيد من المتدينين من المستوطنات التي ترتبط بالقدس والأكثر تشددا مثل مستوطنات كريات أربع وفي يتسهار وما يسمى النبي يعقوب".
لذلك بحسب المحلل السياسي عمرو فإن الاحتلال يتصرف على هذا الأساس في قرارات نقل المقار الحكومية والسيادية ومشاريعه الجديدة والترفيهية والبنى التحتية والشوارع التي قام بإنشائها يهدف من خلالها لأن تكون المدينة جاذبة للمستوطنين غير المتدينين من المدن المحتلة الأخرى" .
الأخطر في قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر في 15 من نوفمبر 2021 والقاضي بنقل المقار الحكومية للقدس هو فرض عقوبات اقتصادية ومالية على الوزارات التي لا تنفذ القرار.. ويحدد فترة زمنية للتنفيذ.. ما يعني أن الأمر سيصبح واقعا بعد سنوات قليلة .
أستاذ العلوم السياسية سعيد زيداني شرح لـ القسطل أهداف الاحتلال لنقل مقاره الحكومية وتكثيف المشاريع الاقتصادية في الآونة الأخيرة حيث قال "الاحتلال معني بنقل المؤسسات العامة إلى القدس وهذا له علاقة باعتراف ترامب قبل أربع سنوات بالمدينة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها" مضيفا "الإسرائيليون حريصون على إيجاد أماكن عمل مربحة في القدس لكي يتم إبقاء الشباب والفتيات الإسرائيليين في المدينة خاصة أن مَن يبحثون عن عمل مربح يتركونها إلى تل أبيب والمدن الأخرى وعلى هذا الأساس يتم العمل على خلق فرص عمل خاصة في مجال التكنولوجيا والهايتك لجذب المستوطنين"
ووفق معطيات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي طالعت القسطل ميزان "الهجرة العكسية" الداخلية عبر موقع الإحصاء الإسرائيلي الإلكتروني واتضح أن عام 2020 كان الميزان سلبيا مقارنة بعامي 2018 و2019 حيث ترك نحو 6500 إسرائيلي مدينة القدس نحو مناطق أخرى .
مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري أوضح لـ القسطل العلاقة الطردية بين الاقتصاد ورؤية حكومة الاحتلال الديمغرافية للاستيطان في القدس حيث "هناك مشاريع اقتصادية إسرائيلية كبيرة في القدس مثل مشروع بوابة القدس الذي يهدف لبناء متاجر وفنادق ومولات ودمج شرق القدس التي تعتبر مصدرا كبيرا جدا للاقتصاد الإسرائيلي مضيفا "الاقتصاد يشجع المستوطنين على القدوم للقدس.. هناك محفزات اقتصادية كبيرة تمنح للمستوطنين.. على سبيل المثال معظم البناء في المستوطنات يعتبر مناطق تطوير وتُعفى من الضرائب التي تشجع المستوطنين على الهجرة للمدينة.. إضافة لمشروع وادي السيليكون الذي تم الإعلان عنه بتكلفة تجاوزت ٦٠٠ مليون دولار من أبراج عالية وكليات تكنولوجية متطورة وفنادق ومحال تجارية ضخمة وهذا كله سيغير معالم المنطقة كلها هناك"
وحول خطورة الخطوات الإسرائيلية المتمثلة في نقل المقار الحكومية وإنشاء مشاريع اقتصادية جديدة قال المختص زيداني لـ القسطل "من أجل إقامة مشاريع أو نقل مقار حكومية أنت بحاجة إلى أراض وهذه الأراضي تصادر من الفلسطينيين وتقام مراكز صناعية وتجارية هي بالأساس على أراض فلسطينية.. القدس الفلسطينية من الناحية الاقتصادية أصبحت ملحقة بالقدس الغربية" .
وفي هذا السياق طالعت القسطل قرار ما يعرف بـ "مجلس التخطيط الأعلى" في الإدارة المدنية الصادر في الـ27 من أكتوبر عام 2021 الذي نص على بناء نحو 3 آلاف و100 وحدة سكنية خارج الخط الأخضر وهي أوسع خطة بناء في المستوطنات في عهد الرئيس الأمريكي بايدن يعتقد أنها تأتي بُغية تسهيل عملية انتقال المستوطنين إلى القدس وسوف تستخدم الوحدات الجديدة لتسكين الموظّفين الـمنوي إلحاقهم بالوزارات والمكاتب التابعة لها في القدس"
. . .