المكتبة الخالدية في القدس.. ذروة المفهوم للمكتبة العربية الفلسطينية
القدس المحتلة - القسطل: في قلب مدينة القدس قبل أكثر من مائة عام من الآن أعلن الحاج راغب الخالدي عن افتتاح وتحويل المكتبة الخالدية لمكتبة عامة متاحة لجميع المسلمين والفلسطينيين، إذ كانت خطوته هذه في سياق تجميع الوثائق والمخطوطات والكتب الموزعة بشكل متفرق في بيوت أبناء عائلة الخالدي التي تعتبر من أعرق عائلات مدينة القدس المحتلة.
وتشير شيماء البديري أمينة المكتبة الرقمية في المكتبة الخالدية إلى أن المكتبة هي أكبر مكتبة عائلية في العالم وتحتوي على أكثر من 2000 عنوان من المخطوطات العربية بالإضافة إلى عدة عشرات من المخطوطات التركية وبعض المخطوطات الفارسية.
وتتابع البديري في حديثها لـ القسطل "بالنسبة للكتب المطبوعة فيوجد في المكتبة الخالدية 5000 كتاب تعتبر من أمهات الكتب باللغة العربية واللغة العثمانية واللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، كما يوجد أرشيف غني من الجرائد القديمة والوثائق التي تخص العائلة".
يقول الباحث وليد الخالدي في كتابه " المكتبة الخالدية في القدس" إن هذه المكتبة لم تكن الوحيدة في فلسطين حيث كان هناك ما يقارب 15 مكتبة أخرى مثل مكتبة المسجد الأقصى ومكتبة الحرم الابراهيمي ومكتبة البديرية وغيرها، لكن مميزات المكتبة الخالدية تكمن في في انتقائية محتوياتها بشكل مميز من قبل علماء وفقهاء اعتمدوها كمراجع أساسية على مدار مئات السنوات يعود أقدمها لأكثر من ألف عام، كما أنها تضم مخطوطات ووثائق بلغ عددها ما يقارب 5000 مجلد، إلى جانب أنها تضم مجموعة المخطوطات الخالدية تعد الأكبر على مستوى فلسطين والعالم الإسلامي من بينها كتب الفقه والتفسير والفلك والجغرافيا، بعضها مكتوب ومخطوط بأحبار ملونة والبعض الآخر مزين بالزخارف والأشكال الهندسية.
وتقع المكتبة الخالدية على بعد مئة متر من الحرم الشريف من جهة باب السلسلة، ويبرز موقعها المميز أيضاً باطلالتها على البراق وحي المغاربة، ويقع المبنى الرئيسي للمكتبة في موقع تربة خان، وتضم باحتها أضرحة لثلاثة من أبرز الخوارزميين الذين وفدوا إلى مصر والشام لمحاربة الفرنجة، حيث كان أول نشوء للمكتبة الخالدية في 1720 م على يد محمد صنع الله الكبير الذي أوقف فيها ما يقارب 560 مخطوطاً، ما يعني أن نشوء المكتبة كان بشكل فعلي قبل مئتي عام من افتتاحها بشكل رسمي في عام 1900.
وعلى الرغم من وصول الانتداب البريطاني إلى فلسطين واحتلالها في عام 1917 إلى أن عدد كتب المكتبة زاد بزيادة الثلث، وبحسب ما يذكر الخالدي في كتابه فإنه خلال تلك الفترة اعتمدت العائلة نظاما يتمثل في أنه مع وفاة أحد أفرادها يتم نقل تركته من الكتب إلى المكتبة ليتم تجميعها والحفاظ عليها بحسب ما أراد الحاج راغب ما جعل عدد الكتب في المكتبة يزيد إلى الثلث.
ومع حدوث النكبة في 1948 ووصول الاحتلال الإسرائيلي للبيوت والأحياء في القدس الغربية، حيث كان يقطن عدد كبير من أبناء العائلة هناك فقدت الآلاف الكتب من المكتبة.
وتؤكد البديري لـ القسطل أن المكتبة الخالدية تأثرت كغيرها من المؤسسات بإغلاقها لفترات طويلة حرصا على الاحتفاظ بما تحتويه من كنوز وخاصة أنه تم الاستيلاء على القسم الشرقي من التربة " المكتبة الخالدية" ومن أهم الصعوبات التي تواجه المكتبة قربها من حائط البراق.
وبعد احتلال القدس في عام 1967 كانت المكتبة الخالدية أحد الممتلكات العربية والاسلامية المهددة بالمصادرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي ومن قبل المستوطنين الذين كانوا يستوطنون في المناطق المحيطة بالمكتبة، إلا أن هذه المحاولات فشلت، إلى جانب محاولات المستوطنين من تلامذة المدرسة التلمودية "يشيفا" السيطرة على الطبقة العلوية للمكتبة لكن جميع هذه المحاولات فشلت بفضل مقاومة أبناء العائلة عن المكتبة، حيث قاموا بتأسيس جمعية أصدقاء مكتبة الخالدي في عام 1988 في الولايات المتحدة الأمريكية لتحشيد الدعم المادي واللازم للتصدي لجميع محاولات التهويد والتهديد التي تتعرض لها المكتبة في ظل المحاولات الإسرائيلية لتهويد وأسرلة المدينة بأكلمها.
ويرى الباحث في التراث المقدسي عزيز العصا في حديث لـ القسطل أن المكتبة الخالدية الآن تعتبر ذروة المفهوم للمكتبة العربية الفلسطينية، ويمكن تتويجها ملكة المكتبات المقدسية، خاصة وأنها توفر الآن إمكانية وصول الباحثين والمهتمين إلى مخزونها الفكري وما فيها من مخطوطات، ويوجد بها معرض دائم للمخطوطات والكتب، إلى جانب عدد المتابعين لها المنتشرين حول العالم من سواء في أوروبا أو أميركا والعالم العربي والإسلامي.
وتقوم الآن المكتبة الخالدية بأنشطة مختلفة وآخرها تنفيذ مشروع بالتعاون مع المكتبة البديرية ومكتبة دار إسعاف النشاشيبي، ويشتمل على ثلاثة محاور وهي ترميم مخطوطات، وتصوير وأرشفة الكتب النادرة، وكتابة الأبحاث، تكون هناك أنشطة باستقبال الزائرين وطلاب المدارس واطلاعهم على محتويات المكتبة بتنسيق مسبق بحسب البديري.
. . .