أول مكانٍ بعد الحريّة.. الأسيرة الأعور تزور قبر والدتها
القدس المحتلة- القسطل: تجلس بجانب قبر والدتها، وتردد بقلبٍ مكلوم "رحمة الله عليكِ يما يا حبيبتي.. رحمة الله عليكِ"، تذرف الدموع من عينيها، ويحاول نجلها وزوجها تصبيرها في تلك اللحظات الصعبة.
لطالما كانت تُردد لها قبل وفاتها “أنا بستناكِ يما.. بستنى أضمك لصدري”، حينما كانت تتحدّث معها عبر الإذاعة، الوسيلة الوحيدة لتواصل الأسيرات مع ذويهنّ، لكن من كانت تنتظرها رحلتْ، ولن تُعانقها أبداً بعد اليوم، بسبب الاحتلال.
الأسيرة المقدسية إيمان الأعور (45 عامًا)، أُفرج عنها اليوم الأحد من سجون الاحتلال، بعدما أمضت محكوميتها البالغة 22 شهراً، وأول مكانٍ اتجهت إليه، هو المقبرة، علّها تُطفئ النار التي شبّت في جسدها منذ لحظة إبلاغها عن وفاة والدتها وهي في الأسر.
هي التي لطالما حلمت بلحظة حريّتها حتى ترتمي في حضن والدتها وتستريح من كل التعب. لكن تحطمت هذه الأحلام، تحوّلت لسراب، ولن تكون أبداً؛ ففي الثامن والعشرين من كانون ثاني/يناير الماضي تُوفيت والدتها الحاجة نعيمة فطافطة، وهي تحلم بمعانقة ابنتها وهي تتنسم الحريّة، وكان الموت أقرب.
تقول الأعور في هذه اللحظات القاسية لـ "القسطل" بغصّة: "حينما جاء نبأ وفاة والدتي، كنت مُصابة بفيروس كورونا، وكان القسم مُغلقاً بشكلٍ كامل، وفي حينها لم أنتبه لشريط الأخبار على التلفاز".
وتتابع: "جاءت ممثلة الأسيرات، وأسيرة ثانية، قالت لي "لا نعلم ماذا نقول" وبدأت تذرف الدموع.. فرددت عليها "أمي؟"، عانقتني وقالت لي "عظم الله أجركم".
"كان كالصاعقة"، بهذه الكلمات تصف الأعور لحظة تلقيها نبأ وفاة والدتها وهي خلف القضبان. وتضيف والدموع تحتبس في عينها: "كنت خايفة عليها كثير، دايماً أسأل عنها.. شو كنت حابة أطلع أشوفها، أمشط شعرها،.. كنت مشتاقلتها كثير.. عملتلها مسبحة بصنع ايديّ لأنها بتحب المسابح".
تصمت الأعور، تبحثُ عن كلماتٍ تصف أحاسيسها، وتختتم مرددة: "كان خبر وفاتها صعب جداً، في ظل ظروف الأسر والكورونا".
جدير بالذكر أن الاحتلال اتّهم الأعور بتقديم المساعدة لأهالي الأسرى، فأصدرت المحكمة “المركزية” التابعة له، حكمًا بسجنها فعليًا لمدة 22 شهرًا، وغرامة مالية بقيمة 20 ألف شيقل.
وقد اعتُقلت فجر الـ 17 من شهر حزيران/ يونيو 2020 بعدما اقتحمت عناصر من مخابرات وشرطة الاحتلال مدججين بأسلحتهم وبرفقة كلابهم البوليسية حي الأعور في عين اللوزة ببلدة سلوان.
خلال هذه الفترة، تعرّضت الأعور لتحقيقاتٍ قاسية على يد مخابرات الاحتلال في مركز تحقيق “المسكوبية” غرب القدس، كما عانت من مرضها الذي تفاقم، وحالتها الصحية التي باتت تسوء في كل يوم تُحتجز فيه في سجن “الدامون”.
. . .