احتلال متستر بالإغاثة.. لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية ومهمة تغيير عقل المقدسي
القدس المحتلة - القسطل: في العقد الأخير ومع تلاحق الهبات الشعبية في القدس، والانتصارات التي حققها المقدسيون، تداعت حكومة الاحتلال والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية وحتى المنظمات الصهيونية في العالم لاقتراح نماذج عمل في محاولة لتطويق مظاهر المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
لاشك أن الاحتلال ينظر للمقدسيين كمعضلة مزمنة يحاول تفكيكها من أكثر مدخل. في القدس يعيش 350 ألف مقدسي يعني، حيث تعتبر القدس أكثر منطقة تشهد كثافة سكانية للفلسطينيين بعد غزة، ويشكل المقدسيون حوالي 40% من سكان المدينة المقدسة، و20% من إجمالي الفلسطينيين في الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال بشكل كامل، سواء من ناحية إدارية أو أمنية أو قانونية.
الغالبية العظمى من سكان شرق القدس يتمتعون بوضع "مقيم دائم" بدون جنسية إسرائيلية، وهم يرفضون مبدأ الحصول على الجنسية الإسرائيلية لأسباب سياسية وطنية، وتعاني المناطق التي يعيشون فيها من ارتفاع معدلات الفقر ونقص حاد في البنية التحتية والخدمات وإهمال متعمد، رغم أن القانون الدولي يلزم قوة الاحتلال بتوفير الخدمات للسكان الواقعين تحت الاحتلال.
إحدى المنظمات الصهيونية العالمية التي تولي اهتماما بواقع القدس، هي لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة، التي تأسست في عام 1914، وتزعم أن مهامها في الأساس إغاثية إنسانية، وتتلخص في تقديم الخدمات الإنسانية لليهود حول العالم، فيما يكشف هذا التقرير عبر القسطل أنها تعمل لصالح تهويد المدينة وأسرلة المقدسيين.
تعرف المنظمة نفسها عبر موقعها الرسمي، بأنها تعمل منذ عام 1914، في 70 دولة وتوفر شبكة أمان لليهود الذين يعانون من ضائقة وتقوي وتبني "المجتمعات اليهودية" وتوفر خدمات الإغاثة والإنقاذ في أوقات الأزمات والكوارث. وفي الأراضي المحتلة، تعمل كمركز للتنمية الاجتماعية، بالتعاون الاستراتيجي مع حكومة الاحتلال ومجتمع الأعمال، بهدف تشكيل المستقبل الاجتماعي للاحتلال.
منذ تأسيس المنظمة، استثمرت بأكثر من 10 مليار شيكل في محاولة لبناء مجتمع استعماري متماسك في الأراضي المحتلة، لقناعتها بوجود ثغرات وعدم انسجام في هذا المجتمع الذي يفتقد للتاريخ المشترك والحقيقة التاريخية، مستفيدة من المساعدات التي يقدمها يهود العالم، فيما تحاول إخفاء أجندتها السياسية تحت ستار العمل الإغاثي باستهداف مساعدة المعاقين والعاطلين عن العمل.
ويكشف موقع السفارة الأمريكية لدى الاحتلال أن لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة استفادت بين عامي 2017-2020 مبلغ مليون دولار من المنح التي تديرها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بذريعة مساعدة ذوي الإعاقة القدس والضفة الغربية، وقد عمل في المشروع مع أكثر من 400 قائد ديني، وطالب، وباحث ممن يشاركوا في دراسات الإعاقة، وكذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، في أنشطة تهدف إلى زيادة الوعي وتعزيز حقوق الإعاقة.
لكن وخلال مراجعة القسطل للموقع الإلكتروني للمنظمة يتضح أنها عقدت اجتماعات مع حكومة الاحتلال في السنوات الأخيرة، لتعزيز الخطط التي ترمي لأسرلة الفضاء المقدسي بكل مكوناته المادية والبشرية، كحل وحيد لمواجهة تصاعد ظاهرة الهبات الشعبية، وكانت إحدى توصياتها دمج المقدسيين في سوق العمل الإسرائيلي في غرب القدس.
وفق رؤية المنظمة، فإن نتائج القرارات السياسة لها تداعيات أمنية واقتصادية وجيوسياسية بعيدة المدى، وفي ضوء ذلك، فإن التنمية الاجتماعية والاقتصادية في شرق القدس مع تعزيز اندماج سكانها في الفضاء الاستعماري هي من أهم أولويات الاحتلال الإسرائيلي، واقترحت رفع لواء الاهتمام بسكان شرق القدس، والترويج لهذه الفكرة.
وللتقدم بشكل عملي في خطط المنظمة، جرى الاتفاق على إنشاء برنامج "التحرك من أجل التغيير في شرق القدس"، الذي تقوده حكومة الاحتلال وبلدية الاحتلال في القدس ولجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة، وتم الاتفاق على تطوير نماذج مبتكرة ومتعددة التخصصات.
وشارك في البرنامج 35 من كبار المسؤولين الحكوميين لدى الاحتلال الذين شكلوا 3 فرق عمل، وأنشأوا محركات رئيسية للتغيير في التعليم، والبنية التحتية المادية، والتوظيف. اجتمعت فرق العمل المشتركة، وأقرت 9 مشاريع تجريبية لمشاريع ذات نهج شمولي في شرق القدس. الشرقية. بعد فترة وجيزة من الخطة، تم إقرار الخطة الخمسية من حكومة الاحتلال بقيمة 2.1 مليار شيقل تحت شعار "تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في القدس".
لا تخفي المنظمة، وتصرح بشكل معلن أن هدف هذه الخطط ليس تغيير الواقع بقدر ما هو تغيير العقول، والمدخل الاجتماعي والاقتصادي هو أحد المداخل المقترحة بعد تحليل عدة عوامل تأثير في شرق القدس، لكن ما حدث بعد ذلك من هبات في القدس، كان آخرها في مايو 2021 شكل ضربة لمقترحات المنظمة.
سيجل شيلاتش، المدير التنفيذي للمنظمة في الأراضي المحتلة، كشفت في تصريح لها أدلت به مؤخرا عن نوايا المنظمة الحقيقية خلال اجتماع مع رئيس الاحتلال في القدس، قائلة: "بالنسبة لنا، تعتبر التنمية المشتركة والتنفيذ المنهجي مثالاً ممتازًا على عمل المنظمة مع الحكومة لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة. ونحن ممتنون للفرصة التي أتيحت لنا هنا، ولدينا مشاريع أخرى قيد التطوير، لتعزيز الالتزام الاجتماعي المشترك للحكومة ولجنة التنمية المشتركة لصالح قوة الإسرائيليين".
وفي الداخل المحتل، مارست المنظمة أيضا نشاطا سياسيا مغلفا بالتنمية والإغاثة، وفعّلت برنامجا في النقب أطلقت عليه اسم "تواصل". وبعد هبة الكرامة في مايو 2021، قامت بترميم وإصلاح بعض الممتلكات التي تضررت خلال الأحداث، معتبرة أن مثل هذا السلوك قد يؤثر في قناعة الفلسطينيين في الداخل المحتل، ويفتح مساحات مجتمعية مشتركة تساهم في أمن المستوطنين.
يبقى من المهم الإشارة إلى أن المنظمة تنشط أيضا في مجال هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولها دور في تغذية الوجود الاستعماري في فلسطين، وقد كشفت عدة دراسات ووثائق أنها شاركت بالتعاون مع جهاز الموساد الإسرائيلي في نقل يهود من المغرب إلى فلسطين، وتنشط حاليا في نقل يهود من أوكرانيا أيضا.
. . .