الأب سجان ابنه.. الحبس المنزلي للأطفال في القدس وأهداف الاحتلال من ورائه
القدس المحتلة - القسطل: لم تستثنِ سياسات الاحتلال في القدس، الأطفال المقدسيين، الذين تسعى منذ طفولتهم المبكرة لكي وعيهم، وأحد مظاهر ذلك، سياسة الحبس المنزلي كبديل عن السجن العادي، وأحد أهداف هذه السياسة تقليل عمليات اعتقال الأطفال داخل السجون سعيا من الاحتلال للحفاظ على الوهم الذي يحاول ترويجه في العالم بشأن ديمقراطيته وتعامله مع السكان الفلسطينيين، لكن بالنظر إلى واقع وظروف الحبس المنزلي يعد أصعب وأقسى ولا تقتصر تداعياته على الطفل وإنما تطال عائلته بشكل كامل.
الطفل المقدسي علي قنيبي البالغ من العمر 14 عاماً من حي الشيخ جراح في القدس هو إحدى ضحايا عقوبة "الحبس المنزلي" بعد اتهامه بمهاجمة أحد المستوطنين، حيث قضى 5 أشهر في الحبس المنزلي قبل إعادة إصدار حكم ثاني بحقه ودفع غرامة 30 ألف شيقل.
يقول والده في حديث لـ " القسطل" أصبحنا سجانين لطفلنا وهذا الأمر أقسى وأصعب علينا من وجوده في السجن الفعلي، وعلى الرغم من انتهاء حبسه المنزلي إلا أنه لم يستطع التأقلم والعودة لحياته كما قبل الحبس المنزلي".
ويتابع:" الحبس المنزلي ليس معاناة للطفل فقط، هو معاناة لنا كأهل، وأنا أشاهد طفلي أمام عيني يمر بحالة نفسية صعبة وأمنعه من الخروج خارج المنزل حتى انتهاء فترة العقوبة".
وفي هذا السياق يقول الناطق باسم لجنة أهالي الأسرى في مدينة القدس أمجد أبو عصب في حديث لـ " القسطل" إن موضوع الحبس المنزلي موجود من بدء الاحتلال الإسرائيلي وليس جديداً، وغالبية من تقع عليهم هذه العقوبة، هم من الأطفال المقدسيين، وعدد بسيط جداً من أطفال الضفة الغربية، وتكمن خصوصية هذه العقوبة في مدينة القدس نظرا لانتشار الاحتلال وأجهزة الشرطة الإسرائيلية في كافة مناطقها وبالتالي يصبح السيطرة على الطفل أسهل مقارنة بمناطق أخرى، كما أن أعداد المعتقلين من شريحة الأطفال من مدينة القدس هي الأعلى على مستوى الوطن حيث جرى اعتقال حوالي 850 طفل خلال عام 2021 وهذا الرقم مرتفع من إجمالي الأطفال المعتقلين على مستوى فلسطين المحتلة.
ويتابع أبو عصب أن جزءا كبيرا من هؤلاء الأطفال يتم ارساله للسجن وآخر يتم تحويله للحبس المنزلي، ومنهم من يجري تحويله للحبس المنزلي دون تحديد سقف زمني، والفئة الأخيرة غالبيتهم يجري اعتقالهم مرة أخرى بعد فترة زمنية قصيرة، وممكن أن يستمر الحبس المنزلي لفترة طويلة تمتد لسنوات فمثلاً في حالة الطفل باسل عويضة الذي قضى في الحبس المنزلي حوالي 5 سنوات وبالنهاية تم الحكم عليه حوالي 3 أشهر، وفيما يتعلق بالإحصاءات ومتابعة هذه القضية للأسف فإن الاحتلال الإسرائيلي أغلق كافة المؤسسات العاملة على قضية الأسرى والجرحى في مدينة القدس، وفي الوقت الحالي يخضع حوالي 15 طفلاً للحبس المنزلي.
ومن جانب قانوني يرى المحامي المقدسي مدحت ديبة أن عقوبة الحبس المنزلي للأطفال هي شكل من أشكال العقاب الجماعي، وأحد شروط الإفراج بكفالة عن الطفل الذي يتم فتح ملف تحقيق بحقه ويتم الاشتراط من قبل شرطة الاحتلال أن يبقى الطفل داخل منزله لفترة أقصاها 5 أيام وهذه صلاحية الشرطي أو ضابط التحقيق أما اذا تعدت هذه الفترة فهي غير قانونية، وإذا كان إطلاق السراح عن طريق المحكمة لها حرية أن يكون الحبس المنزلي مفتوح، وممكن أن يكون قبل توجيه لائحة اتهام، وقد يكون من خلال المحكمة الإسرائيلية نفسها، وقد يكون الحبس المنزلي جزئي وقد يكون كلي وإذا تم إصدار قرار الحبس المنزلي بعد تقديم لائحة الاتهام تُثبت إسوارة إلكترونية في قدم الطفل لتتبعه.
ويتابع ديبه في حديث لـ " القسطل" أن قانون الحبس المنزلي هو قانون موضوع بموجب القوانين الوضعية الإسرائيلية لكن إذا تحدثنا عنه من ناحية دولية فهو يتعارض مع قانون منع تعذيب الأطفال وحرمانهم من الذهاب للمدارس، والحديث عن الحبس المنزلي هو باختصار حرمان الطفل من ممارسة حياته بشكل طبيعي والهدف منه التأثير في تشكيل شخصية الصغار في سن مبكرة لأن الغالبية العظمى منهم سيشكلون خط الدفاع في مدينة القدس وباقي المناطق الفلسطينية، وبذلك يهدف الاحتلال من خلال الحبس المنزلي إلى إيجاد شريحة من الصغار غير متعلمة وتعاني من تأثيرات نفسية نتيجة إبعادها عن مقاعد الدراسة، وهو الأمر الذي قد يؤثر بشكل غير مباشر على العائلة اقتصاديا بحيث يتحول الطفل إلى مستهلك غير منتج حتى على مستوى دراسته، وفي العادة يوجد كفيل يجب أن يبقى مع الطفل في فترة حبسه المنزلي، وعادة ما يكون هذا الكفيل هو الأب الذي يضطر لترك عمله للجلوس مع الطفل ما يؤثر اقتصاديا على العائلة.
وحول تداعيات الحبس المنزلي النفسية على الطفل والعائلة يقول أبو عصب إن هذه التداعيات لا تنعكس على الطفل فقط بل على العائلة المقدسية ككل، لأن عقوبة الحبس المنزلي يتبعها مماطلة في إجراءات التمديد والمحاكمة، أما في السجن العادي خلال 9 أشهر يكون قد حُكم، وفي داخل الحبس المنزلي تكون معاناة العائلة أكبر لأن الطفل يصبح في حالة تمرد حتى على أهله خاصة بعد دخوله في روتين يومي ممل وهذا ما يجعله في حالة صدام مع كل من حوله خاصة وأنه يمكن أن يشاهد الأطفال الآخرين القادرين على الخروج للشارع واللعب وممارسة حياتهم كأطفال على عكسه.
ويشير إلى أنه دائما ما تودع العائلة مبالغ نقدية طائلة تصل إلى 40 ألف شيقل كجزء من شروط الإفراج عن الطفل إلى جانب أن الاحتلال يوجب على كفيل الطفل أن يكون سجله الأمني خال من أي ملف، فمثلا إذا كان الأب أو الأم أسيرة محررة لا يمكن أن تكون كفيلة للطفل ما يجعل الأمر أصعب على العائلة لإيجاد كفيل آخر.
ويضيف أبو عصب أنه في الحبس المنزلي يثقل الطفل رؤية أن من حوله يستطيعون ممارسة حياته عدا وهنا يبدأ كسره نفسياً، والأسوأ أن المانعين لخروجه هم أهله وبالتالي تصبح علاقة الطفل بأهله سيئة وفي بعض الحالات وصلت إلى حد العنف، وبعض الحالات عانت من أعراض نفسية مثل تساقط الشعر أو التبول اللاإرادي وفي ذات الوقت لا يوجد مؤسسات فاعلة داخل القدس يمكن أن تتابع حالات هؤلاء الأطفال وهذا كله لا يعيب الطفل لكن الضغط النفسي الهائل الذي يتعرض له الطفل مع مرور الوقت داخل الحبس المنزلي يدمر الطفل وعائلته.
. . .