الأفراح في انتفاضة الحجارة وزغرودة مكتومة
القدس المحتلة-القسطل: فرحٌ صامتٌ، وزغرودةٌ مكتومة، هكذا كانت الأفراح في انتفاضة الحجارة قبل 33 عاما، في ظل حالة الحزن التي يعيشها الشعب الفلسطيني، حدادًا على أرواح الشهداء، وتعاطفًا مع من اعتقلتهم قوات الاحتلال، وهدمت منازلهم، وجرحت أبناءهم.
المقدسية ماجدة صبحي، وثقت في كتابها "زفة وزغرودة يا بنات"، أغاني وأعراس بلدة بيت صفافا للحفاظ على الموروث الفلسطيني، وبين دفتي كتابها تحدثت عن الأعراس في انتفاضة الحجارة، وكيف كانت تقام بعيدا عن مراسم الأفراح المعهودة.
تقول صبحي:"في ذكرى انطلاقة انتفاضة الحجارة عام 1987، التي هبّت في مثل هذه الأيام قبل ٣٣ عاما، حينها عشنا مرحلة جدیدة من مراحل النضال، مرحلة مفصلیة بقي صداھا أمدا بعیدا، ھبّة شعب بأكمله من شماله إلى جنوبه، ضفته وغزته والقدس وأھلنا بالداخل المحتل عام 48، فلم تخلُ قریة ولا حيّ ولا بیت من جریح أو شھید أو مطارد أو أسیر، ارتقى خلالھا أعداد كبیرة من الشھداء والجرحى، وھذا الأمر كان كفیلا أن یؤثر على مجرى الحیاة الیومیة في المجتمع الفلسطیني وخاصة على الأعراس. لجان المقاومة وشباب الانتفاضة لجأوا إلى إصدار البیانات والقرارات لترتیب الصف والشارع الفلسطیني وتوحید الكلمة، كنا نطلق علیھم"الملثمین" لاتخاذھم لثام الحطة كزِيٍّ لھم؛ حمایة لھم من المحتل حتى لا يتم التعرف عليهم وكرمز وطني نضالي".
وأضافت أنه في تلك الفترة تحوّل العرس الصفافي والفلسطیني لعرس صامت لمدة ستة أعوام، وطوال فترة الانتفاضة الأولى، كان العرس یختصر تفاصیل كثیرة من مراسمه، ويخلو من لیالي التعالیل وما یتخللھا من أغانٍ وزغارید، صمتت أعراسنا احتراما لأرواح الشھداء التي كانت ترتقي كل یوم.
وتابعت أنه كان للملثم ھیبة الاحترام، فنخشى أن نغضبھم أو نشعرھم بأننا تخطینا بیاناتھم، أو ربما لحظتھا كانت لمسة حب الوطن واحترام ترابه ھي الفصل، وإن تجرأت إحدى نساء العائلة أثناء العرس أن تتخطى ھذا العُرْف السائد للانتفاضة فتزغرد بصوت منخفض، وكما نقول"بتزغرت في عِبْھا" یكفي أن یسمعھا من حولھا من النساء والعروسین.
ضمن الأغاني الشعبية التي وثقتها صبحي في كتابها، أغان تمجد المقاوميين وفعلهم، وكنّ النساء يرددنها في أعراس انتفاضة الحجارة، فغنت الفلسطینیة للملثّم تتباھى بشجاعتھ واصفة أسلوب حیاته في البریّة:
تحت لنجاصة الملثم فرش ونام تحت لنجاصة
ما بھاب الرصاصة الملثم ما بھاب الرصاصة
تحت التوتة الملثم فرش ونام تحت التوتة
ما بِھاب الموت الملثم ما بِھاب الموت
في ظِلّ لخِیار الملثم فرش ونام في ظِلّ لخیار
ما بھاب النّار الملثم ما بھاب النّار
وقالت صبحي إن شباب الانتفاضة كانوا حرّاسًا على مجرى الانتفاضة في أزقة وحارات الوطن، من ضمنھا بلدتنا بیت صفافا، فكنّا نھاب غضبھم احتراما وتقدیرا لجھودھم ونضالھم.
تستذكر صبحي في كتابها حین كانت شاھدة على تلك الأعراس، كيف كنّ النسوة يزغردن بصوت منخفض عند وصول العروس أو العریس، لا لشيء سوى أنهم يریدون كسر جمود وملامح الصمت، ولإعطاء الحدث لمسة فرح "كجَبْرَةِ خاطر للعروسین وأھلھم".
وأردفت كنا نطلق علیه اسم"عرس على السُّكّیت"، وفي أحد الأعراس حاولنا الغناء قلیلا، فجاء الملثمون كالصاعقة ینھروننا، فسكتنا، أما أھل الفرح فلم یعترضوا أو یشتكوا على صمت أعراسھم، بل كان ھناك تعاطف وتضامن من قِبَلْ الجمیع كالجسد الواحد، فحزننا واحد، وشھیدنا واحد، وفرحنا واحد.
وأشارت إلى أن الفرح في ظل انتفاضة الحجارة كان یقتصر على وجبة الغداء وتوزیع الحلوى والمشروب الغازي، وینتھي قبل أذان المغرب.
. . .