النكبة استولدت نكبات
في الذكرى الـ74 لنكبة شعبنا الفلسطيني، نقول إن هذه النكبة قد استولدت نكبات، جزء منها بفعل دولة الاحتلال والقوى الاستعمارية التي أوجدت هذا الكيان ورعته، خدمة لأهدافها ومصالحها، وجزء منها صنعناه بأيدينا، كارثتا أوسلو والانقسام .
ولكن بعد 74 عاماً من النكبة وبناء على التحليل الملموس للواقع الملموس، وفي ظل ما يحدث من تطورات ومتغيرات وتحالفات عالمية وإقليمية وعربية، بأن المشروع الاحتلالي ا لصهيوني، آخذ في التراجع والانكفاء، فالشعب الفلسطيني لم يتبخر، بل هذا الشعب ما زال يقاوم الغزوة الصهيونية، وبات على أرض فلسطين التاريخية ما بين النهر والبحر يشكل أغلبية سكانية.
دولة الاحتلال تعيش أزمات داخلية عميقة، وهناك إرهاصات لبداية تفكك مجتمعي وبوادر انقسام أهلي يحفر في بنية مجتمع دولة الاحتلال، كنتاج لتغير التركيبة القيادية، فلم تعد فئة اليهود الأشكناز، هم من يسيطرون على الحكم ومفاصل الدولة، فنحن نشهد تفككًا وتفتتًا في الأحزاب الإسرائيلية الكبرى لصالح "الداعشية" اليهودية التي باتت تتحكم بمفاصل الدولة وقيادتها، وتقرر بقاء هذه الحكومة أو تلك، وعلى الصعيد العالمي، حلفاء دولة الاحتلال ومشروعها الاستعماري، لم تعد لهم السيطرة الأحادية والمطلقة على العالم، بل مشروعهم في انكفاء وتراجع لصالح قطبية تعددية أكثر عدلاً وإنسانية، وزوال دولة الاحتلال، ليس مسألة “رغباوية” أو “إرادوية”، بناء على فتوى من هذا الشيخ أو ذاك، بل هي عملية تجري في صيرورة تاريخية تتقدم حيناً وتتراجع حيناً آخر، وأحياناً تعيش حالة استقرار، وطبعاً هذه الصيرورة التاريخية متعرجة ولا تسير بخط مستقيم.
ولكن ما نستطيع قوله، إن القوى الاستعمارية عندما تتراجع وتهزم عالمياً، فمشروع هذا الكيان يتراجع ولا يتمدد ويعيش حالة من الانكفاء والانفجارات الداخلية المجتمعية، وصراعات طبقية وعرقية..
وهذا الكيان يتجه نحو الزوال والتفكك عندما يصبح عبئاً على القوى الاستعمارية، ويتحول إلى مشروع خاسر على أرض فلسطين، ونحن نشهد مثل هذه الإرهاصات، ولعل ما حدث في معركة " سيف القدس" خلال أيار 2021، والسيل البشري الذي خرج مشيعاً للشهيدة شيرين أبو عاقلة في جنين ونابلس ورام الله والقدس، يقول إننا كشعب فلسطيني استعاد وعيه، ووصل الاحتلال إلى قناعة عبّر عنها رئيس أركان جيش الاحتلال السابق "غابي اشكنازي"، بأن الاحتلال بفقدانه لقوة الردع، لم يعد قادراً على إلحاق هزيمة بالمقاومة الفلسطينية، ولا بالشعب الفلسطيني، الذي خططت دولة الاحتلال لاستلاب وعيه ودمجه وتذويبه في المجتمع.
هي صيرورة تاريخية قد تتكثف في عام أو عشرة أعوام، ولكن هذا يكون نتاج فعل وإنجازات وانتصارات متراكمة لا تمنيات ورغبات وفتاوى.