القدس كما يراها عنان نجيب المُبعد قسرًا عنها
القدس المحتلة - القسطل: في كلّ مرة يتنفّس فيها قليلًا، ينغّص عليه الاحتلال فيستدعيه للتحقيق تارة، وفي تارة أخرى يعتقله سواء من منزله أو ميدانيًا، يُبعده عن المسجد الأقصى، عن القدس، المهم أن لا يترك عنان نجيب يعيش مرتاح البال، كما أهل القدس الذين لا يتركهم يعيشون على أرضهم المسلوبة المحتلّة كما يريدون.
عنان نجيب أحد المقدسيين الذين وُلدوا في البلدة القديمة في القدس المحتلة، بجوار المسجد الأقصى، وتحديدًا في حي الواد عام 1973، عندما كانت القدس حديثة عهدٍ باحتلال، وكانت أزقتها وأقصاها، لا زالت تحمل ذكريات أمسٍ قريب، وشب نجيب على انتفاضة الحجارة في أزقة البلدة القديمة.
تزوج نجيب “أبو عيسى” وأصبح لديه ثلاثة أبناء ثم سكن في بلدة بيت حنينا شمال القدس المحتلة، وبدأ بالعمل في مجال الإعلام وتغطية الأحداث الميدانية في العاصمة.
اعتقالٌ وإبعاد
اعتُقل نجيب عام 1998 لأول مرة، حيث قضى 3 أشهر في السجن، وبعدها في عام 2004، حيث مكث في التحقيق العسكري مدة شهرين، أما الاعتقال الذي جرى عام 2008 فقضى فيه 24 شهرًا، أما عام 2010 تم الحكم عليه بالسجن لمدة 25 شهرًا.
لا يُمكن حصر اعتقالات “أبو عيسى” في هذه المرات الأربع، حيث تعرض لسلسلة من الاعتقالات المتكررة بعد الأحداث التي تلت استشهاد الطفل محمد أبو خضير في القدس صيف عام 2014. كانت بلدتا بيت حنينا وشعفاط من نقاط المواجهة الساخنة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال فيما عُرف بـ”هبة أبو خضير”، والتي أسست لإعادة إحياء ظاهرة المقاومة الشعبية في المدينة، على غرار تجربة القدس في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وعن الاعتقال الأصعب الذي تعرض له، يقول أبو عيسى لـ”القسطل” إنه خلال انتفاضة القدس نهاية عام 2015، زُجّ في زنازين الاحتلال 35 يوماً، ووُجّهت له تهمة “قيادة الحراك الشبابي الشعبي في القدس”، وبالرغم من العزل والتعذيب، لم تتمكن مخابرات الاحتلال من إدانته في هذه التهمة.
وكعادة سلطات الاحتلال حينما تصاب بالعجز، تستخدم أسلوب الإبعاد، يقول نجيب: “تم إبعادي عن القدس لمدة 5 أشهر، ثم مُدّدت لـ6 أخرى عقب انتهاء الأولى”. عاد إلى القدس ليسلّموه قرار إبعاد عن المسجد الأقصى المبارك، وذلك لم يكن القرار الأول، فسبق أن تعرض نجيب للإبعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
“أبو عيسى” على موعدٍ جديدٍ مع الإبعاد
في شهر رمضان الماضي، تم اعتقال “أبو عيسى” مجدداً بعد اقتحام منزله وخلع أبوابه وتكسير أثاثه، وحوّله الاحتلال للتحقيق لدى المخابرات، ويوضح: “وجهوا لي تهمًا تتعلق بالدفاع عن المسجد الأقصى ومقاومة الاحتلال في القدس، وبعد الإفراج عني، خضعت لتحقيقات المخابرات عبر سلسلة من الاستدعاءات بواقع مرة كل 3 أيّام”.
ويضيف لـ"القسطل": “خلال هذا العام، تم تسليمي قرار إبعاد عن القدس لمدة 6 أشهر بدأ منذ الثالث من شهر حزيران الماضي، ومع الأسف وعقب انتهاء فترة الإبعاد، تم تجديد القرار لـ6 شهور إضافية”.
المبعدون عن القدس.. قصة الصمود والخذلان
“كنت من أوائل المقدسيين الذين تُطبّق عليهم سياسة الإبعاد، وصدقًا لم تكن هذه التجربة صعبة عليّ وحدي، بل على عائلتي وأطفالي أيضًا، فأنا لم أحضر ميلاد أي منهم، باستثناء “جود”، الذي دخلت القدس “تهريب” لأحضر ميلاده (كان نجيب مُبعدًا)، لكن شرطة الاحتلال علمتْ بالأمر وأحاطت بالمشفى، لكني تمكنت من المغادرة والهرب كي لا يتم اعتقالي” يقول نجيب.
ويصف العائلة بأنها “الخندق الأمامي أو الخندق الأخير الذي يجب الحفاظ عليه، لكن للأسف هم يُشاركوننا في دفع الثمن”.
ولكن، على الرغم مما تحمله قصة نجيب وغيره من المبعدين عن القدس والمسجد الأقصى، إلّا أنه يرفض تصدير قصص هؤلاء المبعدين كقصص إنسانية، إذ يستخدم الاحتلال تلك الحالات كوسيلةٍ لتطبيق سياسة (كيّ الوعي) تجاه كل من يفكر في الدفاع عن القدس والرباط في المسجد الأقصى.
وفي ذلك يقول نجيب “إن هناك العديد من الشبان الذين يتم استدعاؤهم للتحقيق، فيتم تهديدهم بالقول: “سنفعل بكم كما فعلنا بفلان”، ولذلك علينا ألّا نصدّر حالنا على أنه حالة إنسانية”.
الدفاع عن المسجد الأقصى..
يمر الدفاع عن المسجد الأقصى اليوم، بظروفٍ صعبة، يقول أبو عيسى: “لا نستطيع الحديث اليوم عن وجود رباط في المسجد الأقصى، كما أننا لا نستطيع نفيه، لكن بلا شك هناك حالة ترهل وحالة ضعف”.
يُعيد نجيب ذلك لعدة أسباب أهمها سياسات الاحتلال التي تجلت في الضربات التي وجهها لشباب القدس، عبر الاعتقال والإبعاد، وقتل عددٍ منهم خلال جولات المواجهة معه، ولكن في الوقت ذاته، هناك عوامل ذاتية، أدت إلى فتور الحالة الشعبية المدافعة عن المسجد الأقصى المبارك، ومنها عدم وجود جهات معنية بالدفاع عن الأقصى، وتحديداً الجهات الرسمية.
ويبين أن النظام الأردني الذي يملك الحصرية الإسلامية لإدارة المسجد الأقصى، على سبيل المثال، لا يمارس كامل دوره تجاه الأقصى، بل على عكس ذلك نلاحظ "وجود تواطؤ بين مجلس الأوقاف الإسلامي الذي يتبع الأردن مع الاحتلال، وفي تماهي مع سياسات الاحتلال"، بحسب نجيب.
ويضيف: “هنا لا بد من تذكير النظام الأردني بالقيام بكامل واجباته تجاه المسجد الأقصى وحمايته من مخططات الاحتلال، ومن محاولاته لفرض أجندات التقسيم عليه، ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من إعادة تشكيل مجلس الأوقاف في القدس بتركيبة وطنية فلسطينية، وأن يكون أعضاء هذا المجلس ممن ينتمون إلى القدس والمسجد الأقصى، وأن يكونوا على استعدادٍ للدفاع عنه والوقوف في وجه شرطة الاحتلال، لكن مع الأسف “ما في حد بسمع”.
من جانب آخر، فيما يتعلّق بالسلطة الفلسطينية التي تعتبر القدس عاصمة لها، يقول نجيب “نحن لا نرى أي علاقة للسلطة الفلسطينية بالمسجد الأقصى، لا من قريب، ولا من بعيد، بل على العكس نراها تتماهى مع الاحتلال والأردن في الصمت عمّا يجري فيه، وعلاقتها بالمسجد لا تتعدى حدود العلاقة الأدبية، وليس لها أيّ علاقة تنفيذية على الأرض”.
قبل فوات الأوان ..
يرى نجيب المبعد عن القدس أن الواجب عمله اليوم في ظل تصاعد استهداف الاحتلال للمسجد الأقصى، أن تضع جميع القوى الوطنية والإسلامية برنامجًا نضاليًا للدفاع عن المسجد الأقصى الذي يواجه اليوم محاولات التقسيم، في ظل هرولة الزعماء العرب على التطبيع مع دولة الاحتلال التي تبحث عن جهات عربية وإسلامية للتوقيع معها على تقسيم المسجد الأقصى.
يختم “أبو عيسى” حديثه قائلاً “أن على الفصائل الفلسطينية وقوى المقاومة والقوى والوطنية والإسلامية والمؤسسات الوطنية أن تجتمع وتخرج ببرنامج نضالي كفاحي للدفاع عن المسجد الأقصى، وما تبقّى لنا في مدينة القدس”.