بين إغلاقين.. كورونا تستنزف المقدسيين العاملين في الضفة
القسطل - القدس المحتلة: منذ انتشار جائحة كورونا في العالم، اتخذت مختلف الدول إجراءات وقائية؛ من شأنها الحد من تفشيه، منها من لجأ للإغلاق الجزئي، أو الشامل، ومنها من قرر التعايش مع الفيروس، وكانت السلطة الفلسطينية من أوائل المعلنين عن حالة الطوارئ.
وخضعت القدس لقرارات الاحتلال وأنظمته في ما يتعلق بإجراءات كورونا، التي تمثلت في إغلاق جزئي وآخر شامل، على فترات مختلفة، انتهى آخرها في تشرين الأول من العام الجاري.
وبين إغلاق هنا وإغلاق هناك، تشكلت عوائق وتحديات كبيرة أمام الضفة الغربية والقدس، خاصة للذين يضطرون إلى الدخول للضفة الغربية من القدس بشكل يومي، بسبب طبيعة ومنطقة عملهم التي تتطلب ذلك.
مرة ضفة ومرة قدس
عانى المقدسيون العاملون في مناطق الضفة الغربية، فترة الإغلاق مرحلة تشتت، أدت إلى خسران بعضهم للوظائف، وبعض آخر حررت بحقه مخالفات.
وفي هذا الشأن تقول المقدسية بيان نسيبة التي تعمل مدرسة في إحدى مدارس منطقة كفر عقب، التابعة لبلدية الاحتلال: "عانيت في هذه الفترة من حالة تشتت، خاصة وأنني أدرس الماجستير في جامعة بيرزيت، وأسكن في سكن للطالبات، وفي هذه المرحلة لم أستطع أن أحدد أين عليّ التواجد، في سكني في الضفة، أم في منزل والديّ في القدس، خاصة وأن الاغلاقات تتحدد بوقت قصير، لا أستطيع أن أرتب فيه أموري".
وبحسب نسيبة فإن الصعوبات تمثلت في: "التنقل، مكان المعيشة، عدم رؤيتها لعائلتها لفترة طويلة، المخالفات التي دفعتها حينما كانت تضطر للعودة إلى منزلها".
وتروي نسيبة لـ"القسطل" حادثة جرت مع صديقة لها، كانت تحمل ورقة تمكنها من الدخول والخروج عبر حاجز قلنديا فترة الإغلاق، ومع ذلك تم تحرير مخالفات بحقها عدة مرات لأن الورقة ليست من جهة رسمية إسرائيلية، وليست مكتوبة باللغة العبرية، رغم أن عنوان إقامة صديقتها في الهوية يدل على أنها من القدس.
وتستذكر المعلمة نسيبة كيف أنها اضطرت لانتظار صديقتها فترة طويلة حتى تشرح للجنود، أن لا مكان تعود إليه اذا لم يسمحوا لها بالعبور، وكيف أنهم كانوا يماطلون في التعامل معها، دون وجود مبرر لأفعالهم.
وفي السياق ذاته يقول الطالب الجامعي عبد الله الحسيني وهو من سكان القدس:" في أول محاضرة وجاهية عقدتها جامعة بيرزيت، بعد الإغلاق، قدمت من القدس بسيارتي، وحررت لي مخالفة، والجامعة لم تأخذ بعين الاعتبار حال الطلاب المقدسيين، لذلك اضطررت للقدوم، غير مكترث لأي تبعيات".
مغيب عن عائلته منذ شهر آذار
وفي سياق آخر، يمنع أهالي الضفة الغربية من الدخول إلى القدس منذ بناء جدار الفصل العنصري عام 2002، لكن الاحتلال يسمح فقط لحملة التصاريح، ومن تجاوز عمره 55 عاما من الرجال، و50 عاما من النساء، إلا أن هذا القرار توقف منذ انتشار كورونا.
وحول هذا يقول المواطن نضال سلمان لـ"القسطل" إن: "الاحتلال وكورونا قللوا من الروابط الاجتماعية، فكنت وعائلتي نذهب لزيارة أقربائنا في القدس نهاية كل أسبوع، بعد بلوغنا السن الذي يسمح لنا فيه العبور دون الحاجة لإصدار تصريح، لكن كورونا منعتنا من هذا الحق".
ويتابع: "حاولنا أنا وزوجتي مرات عدة أن نعبر حاجز قلنديا، قاصدين عائلتنا في بلدة بيت صفافا لكن محاولاتنا باءت بالفشل فما أن نخرج بطاقة الهوية الخضراء، للجندي الموجود على نقطة التفتيش، حتى يجبرنا على العودة من حيث أتينا، واضعا أمامنا حجة كورونا، وفي كل مرة يقولون لنا: "ممنوع كورونا".
ويردف:" لم نتواجد في مناسبات عديدة، مع عائلتنا في القدس، ففي إحدى المرات، تعرض والد زوجتي لوعكة صحية، أُدخل على أثرها المستشفى لفترة زمنية، ولم نتمكن من زيارته، رغم امتلاكنا لتقرير طبي من مستشفى هداسا يشرح حالته الصحية، لكنهم لم يكترثوا للأمر".
ويضيف: "حدث أن توفي لنا قريب، ولم نتمكن أيضا من تأدية واجب العزاء لذات السبب".
ويشكك سلمان في هدف الاحتلال وراء هذه التضييقات والتشديدات التي لا مبرر لها، مشيرا إلى أن عبوره للحاجز ما هو إلى محطة للوصول إلى أقربائه الذين يقطنون في وسط عربي، ويتساءل ما الذي يدفعهم للقلق على صحتهم منا؟"
الحواجز وكورونا لا يعرفون الحب
وفي قصة أخرى، حالت كورونا بين شابة مقدسية وخطيبها المقيم في مدينة رام الله، وكان للإغلاقات المتكررة بين المنطقتين، أثر على علاقتهما.
فبعد أن كانت رام الله ملاذا لهم، يقصدونه للقاء بعضهم البعض، تغير حالهم، واقتصرت علاقتهم على المكالمات الهاتفية والمحادثات الإلكترونية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
تدرس الطالبة المقدسية غادة سالم من سكان بيت حنينا، في جامعة بيرزيت، حيث التقت خطيبها لأول مرة منذ 5 أعوام، ومنذ أشهر قليلة أقدموا على مرحلة الخطوبة.
واجهت غادة وخطيبها صعوبات كثيرة، يعاني منها أي اثنين يحملان هويتان بلونين مختلفين، لكن الصعوبات ظلت مقتصرة على وجود الحواجز وعدم مقدرة الشاب على الوصول إليها في القدس، حتى ظهر الفيروس.
تقول سالم لـ"القسطل":" كورونا كما الاحتلال لا يعرف الحب".
. . .