مؤسسات المجتمع المدني في شرق القدس.. فشل محاولات الاحتواء "الإسرائيلية"
القدس المحتلة- القسطل: كان أحد أهداف القرار "الإسرائيلي" رقم 3790، الذي تم اعتماده والموافقة عليه في مايو 2018، هو سد الفراغ فيما يتعلق بمؤسسات المجتمع المدني في شرق القدس، وخلق بدائل ومؤسسات موازية للمؤسسات الفلسطينية هناك، بحسب ما يكشف معهد القدس لبحث السياسات، وهو مركز تابع للاحتلال الإسرائيلي مهمته دراسة الظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتقديم حلول لها من شأنها أن تزيد من إحكام سيطرة الاحتلال على المدينة.
فكرة خلق مؤسسات مجتمع مدني مدعومة من الاحتلال أو تعمل بإشرافه، هي محاولة لمنع وجود مؤسسات ترعاها دول عدة أو ممولة فلسطينيا، حيث أن بعض المؤسسات ممولة من الاتحاد الأوروبي والأردن وتركيا والفصائل الفلسطينية وأيضا السلطة الفلسطينية، وهو ما تعتبره أوساط "إسرائيلية" تجذير للوجود والهوية الفلسطينية في شرق القدس، بينما الهدف "الإسرائيلي" يسير عكس ذلك تماماً.
وفق تصور الاحتلال، فإن مؤسسات المجتمع المدني تنمو خارج الأطر التي تحددها مؤسساته الرسمية، وتمول من التبرعات والأعمال الخيرية، وواقع شرق القدس يسمح للعديد من المنظمات والمؤسسات بالتحرك والتأثير على الواقع الاجتماعي. مع الإشارة إلى أن عددا من مؤسسات المجتمع المدني في القدس ظهرت كمبادرات محلية وتحولت إلى مؤسسات مدعومة دولياً وعربياً.
عُرفت مدينة القدس تاريخياً كمركز لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني، لكن مع الاحتلال الإسرائيلي للمدينة في عام 1967 تغير هذا الواقع بشكل كبير في ظل السياسات "الإسرائيلية" تجاه منظمات المجتمع المدني التي أدت لإغلاق العديد منها، وحاولت منظمة التحرير الفلسطينية المحافظة على بقاء مؤسسات متعددة وتأسيس آخرى، لكن الدور الأبرز كان لفيصل الحسيني الذي يعد من عائلة مقدسية عريقة لعبت دورا بارزا في مواجهة الاستعمار، حيث عمل الحسيني على تعميق البنية التحتية للمجتمع المدني في القدس، ونظراً للسيطرة "الإسرائيلية" على كافة مؤسسات القدس، أصبح من الصعب الوصول لتقارير واحصاءات تفيد بماهية وضع المؤسسات شرق مدينة القدس، خاصة تلك التي تعمل بمعزل عن مؤسسات الاحتلال. لكن تقديرات الاحتلال أن 200 مؤسسة ومنظمة مجتمع مدني تعمل في شرق القدس.
وتتفق تقارير "إسرائيلية" أبرزها نشر على معهد القدس إلى أن أبرز المؤسسات الفاعلة من المجتمع المدني في شرق القدس تتواجد في عدة أحياء وهي: منطقة البلدة القديمة وسلوان وبيت حنينا والعيساوية والشيخ جراح إلى جانب الأحياء الواقعة خلف الجدار مثل كفر عقب، كما أن غالبية الأنشطة من قبل هذه المؤسسات موجهة إلى فئة الشباب من عمر 25-50 عام مثل مؤسسة صناع الحياة المقدسي ومجموعة ساند الشبابية، تلاها بعد ذلك فئة النساء.
وحول واقع مؤسسات المجتمع المدني في القدس، يقول زياد الحموري رئيس مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في حديث لـ" القسطل" إن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في القدس يعاني بشكل رئيسي من قضيتين: القضية الأولى الاحتلال الإسرائيلي وممارسته التي أدت إلى إغلاق العديد من مؤسسات المجتمع المدني العاملة في القدس تحت ذرائع وحجج مختلفة لا يوجد لها سند قانوني بالإغلاق، والقضية الثانية هي التمويل المشروط من جميع الجهات المانحة.
وحول مصادر التمويل والدعم للمجتمع المدني في شرق القدس تشير تقارير اطلعت عليها القسطل إلى عدة جهات أبرزها الدول الأوروبية التي يصل دعمها إلى 20% من إجمالي الدعم المقدم وهو يتركز بشكل رئيس على دعم الأنشطة المجتمعية والثقافية وحقوق الإنسان، أما المصدر الثاني فهو من جهات فلسطينية كالسلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية والقطاع الخاص أحيانا وغيرها وهذه الجهات تركز دعمها على الأنشطة الرياضية والثقافية والعمالة، كما أن العمل الخيري والمساعدات المقدمة من فلسطينيي الخارج مثل جمعية أبناء الخالدي ومؤسسة عبد المحسن القطان تشكل مصدر مهم في تمويل هذه المؤسسات، إلى جانب دول عربية وإسلامية.
ويتابع الحموري في حديثه أنه حتى التمويل المشروط المقدم للقدس هو تمويل شحيح على الرغم من كل ما يصدر عن تقديم دعم للقدس ومؤسساتها وانشاء صناديق تمويلية للقدس لكن في واقع الأمر ما يصل من تمويل لجميع مؤسسات القدس خلال العام الواحد من 10_12 مليون دولار وعند الحديث عن هذا المبلغ فهو ضئيل جدا، يكون تمويل مؤسسة واحدة كبيرة وليس لعدد مؤسسات موزعة في مدينة مثل القدس، وحتى المؤسسات الرسمية مثل وزارة شؤون القدس قليلة لأن القدس حصتها بالكاد تصل إلى 1% من موازنة السلطة الفلسطينية، كما أن معظم المؤسسات التمويلية تطرح شروط وبرامج محددة لتمويلها فمثلا بعض المؤسسات التي تطرح برامج متعلقة بالطفولة لا يتم الموافقة عليها، وجزء كبير من المؤسسات العاملة في القدس اضطرت نقل مكاتبها إلى الضفة الغربية بسبب عراقيل الاحتلال والتمويل المشروط.
وفي المرتبة الثانية بعد الاتحاد الأوروبي تأتي تركيا، وفق ما تكشف تقارير "إسرائيلية"، حيث تدعم تركيا ما نسبته 10% من جميع أنشطة المجتمع المدني في القدس، ولها تحرك واسع النطاق بين الهيئات والمؤسسات المحلية وقد يكون دعمها بشكل غير مباشر خاصة في مناطق البلدة القديمة والمسجد الأقصى، لكن الوجه الأبرز للدعم التركي يكون عبر وكالة الإغاثة التركية "تيكا" التي تنفذ عشرات المشاريع في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية والسياحة إلى جانب عمل مؤسسة ميراثنا التي يتركز عملها على المجال الخيري وعمل موائد إفطار خلال شهر رمضان وتقديم سلات غذائية للأسر المحتاجة والقنصلية التركية التي تقدم منحاً دراسية ودورات تعلم تركية وإسلامية داخل المدينة.
وفي دراسة "إسرائيلية" حول مؤسسات المجتمع المدني، أعدها معهد القدس، يتبين أن مؤسسات المجتمع المدني في شرق القدس ليس لديها استعداد للعمل مع المؤسسة "الإسرائيلية" ضمن الخطة الخمسية، ومن مؤشرات معارضة التعاون مدى استخدام الخطاب القومي / الديني، ومدى استخدام الخطاب المضاد والمصطلحات التي تضيف وصف الاحتلال لكل مؤسسات الاحتلال العاملة ضمن الخطة الخمسية.
. . .