عن "السجود الملحمي" الذي سمحت به محكمة الاحتلال.. كيف تنظر له "جماعات الهيكل"؟
القدس المحتلة - القسطل: تسعى جماعات "الهيكل" المزعوم بشكل حثيث في الآونة الأخيرة إلى محاولة الحصول على قرار يسمح لأعضائها المستوطنين بالصلاة في المسجد الأقصى وممارسة السجود الملحمي. قبل كل شيء لا بد من الإشارة إلى أن هذه الجماعات هي تكتل من المنظمات والجماعات والأفراد الذين يضعون مسألة السيطرة على المسجد الأقصى في مقدمة أولوياتهم، سواء كان ذلك للحصول على قرارات باقتحام المسجد الأقصى أو الصلاة فيه وصولاً لإعادة بناء "الهيكل" المزعوم.
في تسعينيات القرن الماضي، كانت هذه المنظمات هامشية، بل وربما كانت هلامية غير واضحة الملاحم. اليوم دخل جزء كبير من أهدافهم إلى الحياة السياسية لدى الاحتلال، فبعد تحقيق هدف الاقتحام، حصلوا مؤخراً على قرار بالصلاة في الأقصى. أما عن توحدهم وتوحد أهدافهم فلا بد من الإشارة إلى أن عضو كنيست الاحتلال يهودا غليك هو من ساهم في توحيد هذه المنظمات في هيئة واحدة تعمل على تحقيق الأهداف بطريقة إستراتيجية، وساعده في ذلك أعضاء كنيست الاحتلال جلعاد اردان وميري ريغيف.
مسألة الصلاة في المسجد الأقصى من أهم أهداف هذه الجماعات التي تستعين ببعض المسؤولين في حكومة الاحتلال أو "الكنيست" لتمرير هذا الأمر، من خلال التأكيد على أن هذا الأمر جزء من تثبيت السيادة المزعومة، وقد نجحت في وضع الأمر على طاولة النقاش لدى لجنة الداخلية في "كنيست" الاحتلال عدما كانت ريغف من حزب "الليكود" رئيسة لها، لكن إقناع السياسيين بهذه الخطوة ليس هو الوسيلة الوحيدة بالنسبة لهذه الجماعات، التي ترى أن العلمانيين والمتدينين في جمهور المستوطنين يجب أن يتعاملوا مع الصلاة في المسجد الأقصى على أنها نوع من تكريس السيادة وبالتالي الدفاع عنها وإحراج كل من يقف ضدها لاعتبارات دينية، وهوياتية، وحتى سياسية.
تزعم جماعات "الهيكل" فيما تنشره وتنظّر له أنه لا يمكن تنفيذ بعض وصايا التوراة بدون إقامة "الهيكل" المزعوم الذي يسبقه بالدرجة الأولى إقامة المعبد، وحتى تقيم المعبد لا بد من إقامة العبادة في المكان والتي تتمثل في الصلاة، لذلك فهي بعد أن حققت هدف الاقتحام تسعى اليوم إلى تحقيق هدف الصلاة.
وفق مزاعم وخرافات جماعات "الهيكل"، يُمنع الانحناء فيما يعرف بـ"السجود الملحمي" إلا في مكان واحد هو المسجد الأقصى، والمقصود بهذا السجود هو الركوع الكلي بحيث تصبح الذراعين والساقين بشكل مستقيم على الأرض. ووثقت عدسات الكاميرا بعض المستوطنين وهم يمارسون السجود الملحمي في الأقصى، وهو ما يخالف ما يُعرف بـ"الوضع الراهن" في القدس، والذي يمنع فيه المستوطنين من أداء هذه الطقوس.
وتعترف هذه الجماعات بأن وصول الآلاف من المسلمين للمسجد الأقصى هو أكثر ما يبعد المكان عن محاولات السيطرة اليهودية، لذلك يرون أنه يجب فرض أمر واقع جديد يُسمح فيه للمستوطنين بأداء الطقوس اليهودية داخل المسجد من أجل خلق هوية جديدة تتعامل معه كحيز تجري فيه ممارسات "إسرائيلية" وهذا من أجل تفكيكه كحيز إسلامي خالص يمنع غير المسلمين من أداء العبادة فيه.
جماعات "الهيكل" تعتبر بأن تعامل المسلمين والفلسطينيين مع المسجد الأقصى كحيز اجتماعي يمارسون فيه بعض العادات الاجتماعية هو أمر يضر بما يسمونه "السيادة الإسرائيلية"، لذلك يدعون إلى منع هذه الممارسات وصولاً لمنع الصلاة فيه، بمعنى إنهاء رمزيته الدينية والوطنية والاجتماعية.
إن قضية الصلاة وأداء الطقوس من بينها "السجود الملحمي" في الأقصى أشار لها عدد من قادة المستوطنين من بينهم الحاخام "شمعون أور"، أحد منظري اقتحامات المسجد الأقصى ومؤسس حركة التوراة الرائدة، والذي يرى بأن الاتصال الجسدي بالمكان يزيد من قوة الاتصال الروحي، وبينما الفلسطينيون يتصلون جسديًا في المكان من خلال الصلاة فهم متصلون به روحيًا أكثر من المستوطنين الذين يمنعون من الصلاة فيه.
ويذهب هذا الحاخام إلى أبعد من ذلك، معتبرًا بأن الصلاة في المسجد الأقصى تُضفي صفة موضوعية على العلاقة معه، يعني أن المسلمين يصلون فيه فهذا يعني أنه مقدس بالنسبة لهم، بينما من يمنع من الصلاة فيه -يقصد المستوطنين- تبقى صفة ارتباطهم فيه "ضبابية" وتبتعد عن القداسة.
ويعتبر الحاخام أور أحد المنظرين لفكرة صلاة المستوطنين في المسجد الأقصى، أن عدم الاهتمام الرسمي لدى الاحتلال بمسألة صلاة المستوطنين نابعة من الثقافة الغربية التي لا تقيم وزناً للاتصال الجسدي بالأشياء، ونتيجة للاغتراب عن التعاليم التوراتية المزعومة، لكنه يقترح بأن تتغير هذه الفكرة لأنها "تضر بعلاقة المستوطنين بالأقصى" على حد زعمه.
ويرى أن إعلان السيطرة على المسجد الأقصى يبقى نظريًا ما دام هناك منع للمستوطنين بالصلاة فيه، ولأن الفلسطينيين والمسلمين قادرين على الصلاة فيه فهم أصحاب السيادة على المكان، وما دون ذلك يبقى تعبيرًا سياسيًا للاستهلاك الإعلامي، على حد تعبيره.