عائلة “رياض سمرين”.. كدماتٌ وكسور في أجسادهم تشهد على اعتداءات المُحتلين

عائلة “رياض سمرين”.. كدماتٌ وكسور في أجسادهم تشهد على اعتداءات المُحتلين
عائلة سمرين

القدس المحتلة- القسطل: هكذا هو الحال الذي يعيشه الأهالي في المدينة المقدّسة، يحتلّ أرضهم مستوطن ثم يقول زورًا هذه أرضي، يهاجمهم ويعتدي عليهم، وتقوم شرطة الاحتلال بزجّ أصحاب الحق والأرض في سجونها، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح والرصاص والقنابل.

في الحادي والثلاثين من أيار الماضي، كان المقدسي رياض سمرين (54 عامًا) ونجله البِكْر ليث (23 عامًا) في طريق العودة إلى منزلهما في بلدة سلوان، يفكران في لحظة الراحة التي سيعيشانها عقب يوم عملٍ طويل، لكنهما لم ينعما بهذه اللحظات، حيثُ هاجمتهما مجموعة من المستوطنين واعتدت عليهما بالضرب المُبرح.

تروي زوجته فداء سمرين تفاصيل ما حدث لـ "القسطل"، وتقول: "عند الساعة الثالثة عصراً من يوم الثلاثاء الماضي، كان زوجي وابني عائدان من العمل، وفي حينها، كان هناك مجموعة من المستوطنين بانتظارهما قرب المنزل، نصبوا لهما كمينًا، وتهجّموا عليهما".

وتُبيّن سمرين بغصّةٍ وحرقة أن نحو 30 مستوطنًا هاجموا زوجها وابنها أثناء قيادتهما مركبتهما، أنزلاهما منها تحت تهديد الأسلحة، ثمّ اعتدوا عليهما بطريقةٍ وحشية، وبالحجارة، ما أدى لإصابتهما في الوجه والعينين. 

وتضيف: "ألقوا نحو زوجي حجرًا كبيرًا، وعلى إثر ذلك، أُصيب بتهتك وكسور في الجمجمة.. الطبيب أخبرني أنه لم يستطع أن يُحصي عدد هذه الكسور، ووضعه الآن غاية في الصعوبة".

يمكثُ المقدسي رياض في مستشفى "هداسا- عين كارم"، في وضعٍ صعب، بانتظار عملية تستغرق ساعات طويلة من أجل محاولة ترميم الكسور.

قرّر الأطباء أن يخضع “رياض” لعملية جراحية “ترميمية” في وجهه، لا يُمكن وصفها بـ”السهلة”، بحسب زوجته فداء، وقالت: “إحنا متوكلين على ربّ العالمين".

أما العشريني ليث، فَقَد الرؤية في إحدى عينيه بسبب الضرب المبرح الذي تعرّض له، وتصف والدته حالته بنبرةٍ حزينة: "وضعه صعبٌ جداً، جاء لزيارة والده في المستشفى، ثمّ حوّلته إلى قسم الطوارئ.. يُعاني من نزيف حاد في عينه، يُمنع عليه الحركة ويجب أن يبقى فترة طويلة في وضعٍ خاص".

العائلة كلّها في المشفى بسبب الاحتلال والمستوطنين..

أصبحت المقدسية فداء تقضي أيامها وساعاتها بين غرف المستشفى، متنقلةً بين زوجها وابنها ليث، أما قلبها فهو قلقٌ على نجليها عبد الكريم وخضر اللذان لم يسلما أيضًا من اعتداءات شرطة الاحتلال والمستوطنين.

كُسرت يد القاصر عبد الكريم (15 عامًا)، ونزف دمه عقب تهشّم وجهه ورأسه، ولم تكتفِ شرطة الاحتلال بضربه والتنكيل به، بل زجّته في مراكز التحقيق بجروحه وحالته الصعبة لعدّة ساعات، وأفرجت عنه شرط الحبس المنزلي. 

عاشت المقدسية فداء سمرين وجعًا كبيرًا حينما علِمت أن ابنها “عبد” وفلذة كبدها، كُسرت يده، وينزف دمًا، ورغم ذلك، كان مقيّدًا في مركز شرطة “البريد” بالقدس، بعيدًا عن حضنها، وفوق هذا كله مُنعت من رؤيته حتى لو لدقيقةٍ واحدة.

وتعود بذاكرتها لتلك التفاصيل التي لا يُمكن نسيانها، وتردف بقلبٍ مكلوم لـ "القسطل": "توجهت برفقة المحامي إلى شرطة البريد حتى أراه، لكنهم منعوني من ذلك.. تخيلي أن تعلمي أن ابنك المُصاب موجود في الأعلى، ولا تعلمي مدى إصابته وحالته الصحية! أنا والدته وعبد قاصر!.. أحضروا مركبة الإسعاف وأخرجوها مُتظاهرين أنها فارغة ولا يوجد فيها أحد".

وبعد أن عادت فداء بجسدها المُنهك وقلبها القلِق إلى منزلها في منتصف الليل، وصلتها صورة عبر إحدى مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي لابنها عبد الكريم، ذي الوجه المهشّم والأيدي المقيّدة، في إحدى مشافي الاحتلال.

وتقول والدموع تحتبس في عينيها: "خرجت مسرعةً إلى المستشفى الذي يقع في بلدة العيساوية، عندما رأيته للوهلة الأولى، كانت ملابسه مليئة بالدم، ووجهه مليء بالكدمات والجروح، ومُقيّد.. الوضع كان صعبًا جدًا.. حاولت أن أبقى متماسكة وقوية أمامه.. جميع عائلتي تمكثُ في المستشفى.. لا أعتقد أنه يوجد إجرام أكثر من ذلك!".

وتتابع سمرين: "عائلة كاملة مطحونة في المستشفيات.. هذا هو وضعنا.. ابني الثالث خضر توقف قلبه نتيجًة للزعل والقهر والضغط الذي تعرّض له أثناء تهجّم المستوطنين علينا.. وكان ضابط الاحتلال يريد اعتقاله أثناء تواجده وهو مُتعب في مركبة الإسعاف".

أوقاتٌ صعبة مرّت بها عائلة سمرين أثناء الاعتداء عليهم، تارًة من شرطة الاحتلال التي وفرت الحماية للمستوطنين، وأطلقت الأعيرة المطاطية والقنابل وغاز الفلفل صوب الأهالي، ونكّلت بهم بالهراوات، وتارًة أخرى من أحد مسعفي "نجمة داوود الحمراء"، الذي اتصلت به العائلة لتقديم العلاج، لكنه انسحب من المكان بعد معرفته بأن المصابين مقدسيون، واعتدى على فداء بالضرب والدفع.

اعتداءاتٌ متواصلة..

ولم يكن هذا الاعتداء الأول الذي تتعرّض له عائلة سمرين، التي تعيش في منزلها في سلوان منذ أكثر من 25 عامًا، وخلال شهر رمضان الماضي، هاجمتهم مجموعة من المستوطنين محاولةً استفزازهم بالألفاظ النابية والشتائم، وشتم الرسول الكريم محمد "عليه السلام"، وهددتهم بإحضار الشرطة.

وتُبيّن سمرين أن المستوطنين يتعمّدون استفزازهم بشكلٍ دائم، حتى تندلع بينهم المناوشات وتحضر شرطة الاحتلال لاعتقال أبنائها، لكن الشرطة لا تُحرّك ساكنًا، وكلما قدّم أهالي الحي شكوى ضدهم، قالوا إن "الحق مع المستوطنين".

وقبل نحو أسبوعين، اعتقلت شرطة الاحتلال فداء واستدعت أبناءها الثلاثة للتحقيق، وحول ذلك، أضافت بحسرةٍ كبيرة: "لم ننتهِ من القصة الأولى بعد، حتى حدث ما نحن به الآن".

ختمت سمرين حديثها مع “القسطل” قائلة: "الله كريم.. مهما استبدّوا وظلموا.. لا بُدّ أن يزول الظلم.. الظلم زائل.. ونهايتهم أصبحت قريبة".

. . .
رابط مختصر