محمود "القباطيّ" .. خفيف الرّوح وحبيب والده الذي ارتقى شــهيدًا بالقدس
القدس المحتلة - القسطل: حمل السّلاح من قباطية إلى العاصمة ومشى أسدًا بين أزقّة العتيقة، لم يخشَ أولئك المدججين بأسلحتهم في كل مكان بالمدينة، رفع السّلاح مُطلقًا رصاصه على المحتل، أصاب أحدهم، ثم ارتقى شهيدًا على أعتاب بيت المقدس.
بقي والده على أملٍ بأن نجله محمود لم يُصب برصاصهم، ولم يصل هناك، فهو الأصغر بين الذكور من أبنائه إضافة إلى أختين. تناقل الإعلام اسمًا آخر لشهيد القدس أمس غير اسمه، وقال في نفسه: “أيُعقل أن محمود كان برفقة ذاك الشاب الذي أصبح شهيدًا؟”، لكنه حينما رأى حذاء نجله في الصورة التي تناقلتها منصات التواصل الاجتماعي أيقن أنه هو.
- ابنك استشهد.. بتعرف؟
- لا ما بعرف .. شو بدكم؟
- ابني ما قتل حدا .. ليش قتلوه؟
- ابنك قتل واحد من عنّا ..
- كان بإمكانكم تطلقوا النار على رجليه.. ليش تقتلوه؟!
- ابنك جاي يقتل مش يصيب .. احنا قتلناه .. وبيتك رح ينهدم قريبًا
هذا الحديث الذي دار بين المحقّق ووالد شهيد القدس القباطيّ محمود عمر كميل البالغ من العمر (17 عامًا)، بعد استدعائه للتحقيق الذي استمرّ لعدة ساعات.
محمود ارتقى برصاص المحتل يوم أمس، عند "باب حطة" في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة، بعدما أطلق النار بسلاح "كارلو" على أحد عناصر الاحتلال وأصابه بجروح متوسّطة، ثم ارتقى شهيدًا برصاصهم واحتُجز جثمانه.
محمود الذي لم يُكمل دراسته الثانوية مُكتفيًا بالصف العاشر، كان يعمل مع والده في محل لبيع الهواتف في بلدة قباطية بمدينة جنين. ينتهي من العمل يوميًا عند الرابعة والنصف ثم يذهب مع الأصحاب والأصدقاء ويقضي معظم الوقت معهم قبل العودة للمنزل.
“خفيف الروح” هكذا قال عنه ابن عمه إلياس، وقال لـ”القسطل”: “كان محبوبًا جدًا بين الناس، مرح جدًا، لا تتوقّع منه أن يخطو تلك الخطوة، لكن الله شاء ذلك”.
وأضاف أن وقع الخبر على العائلة في البداية كان خفيفًا، وذلك لتضارب اسم الشهيد، لكن أحد أصدقاء والد محمود أبلغه بأنه -على ما يبدو- أن الشهيد هو نجله، فاتّصل على محمود على الفور، لكن الهاتف كان مُغلقًا، وتساءل في نفسه “أيعقل أن يكون ابني برفقة الشاب الشهيد؟”.
حينما عاد إلى مواقع التواصل الاجتماعي وشاهد الصور، ورأى حذاء محمود الذي كان بجانب جثمانه المغطّى في شوارع القدس العتيقة الحزينة، رمى هاتفه أرضًا ولم يتحمّل ذلك.
يبين إلياس أن والد الشهيد لم يكن يرفض أي طلب لمحمود مهما كان، وكان المدلّل عنده، فابنه الأكبر في الولايات المتحدة، والأوسط يعيش في الداخل المحتل للعمل هناك، ومحمود كان الوحيد الذي يعمل مع والده ويده اليمين في المحل وبكل شيء.