ذريعة اليهود للهيكل المزعوم : "خمس بقرات توراتية"
القدس المحتلة - القسطل: لا أسرلة الهوية ولا تهويد الأقصى وحده؛ ما يقف بين أبناء التلمود وبين هيكلهم الثالث، قبل ذلك حرّمت الشريعة اليهودية نفسها بناء الهيكل ودخوله، طالما أن بقرة حمراء "توراتية" لم تظهر وتعيد تطهير شعبها، سيبقى حكم اليهود "أنجاساً" بأجمعهم، وقبل ذلك لا هيكلٌ ولا مذبح.
"تأخرنا ألفي سنة" ويلوم حاخام الحسيديم هذا؛ البقرة المذكورة التي حكمت عليهم ملاحقتها في سباق مع الرمل المنهمر في ساعة الخلاص الموعود، ليست بوصفها إحدى مقومات الطقوس التلمودية، بل لكونها "فريضة أبدية"، لذا كان لا بد من حقنة إنعاش في ذاكرة اليهود بين الحين والآخر، على القاعدة التوراتية القائلة "بالخديعة تَصنع حربك"، واستخدام ظهور بقرة "توراتية" في كل مرة كباب خلفي لتكثيف الاقتحامات ودَسّ الطقوس التلمودية في الحرم الشريف.
للوصول إلى بقرة الهيكل تلك لم يترك حاخامات الحسيديم سبيلاً إلا وسلكوه، ببناء مزارع متخصصة لإنتاج هذا النوع من الأبقار، ورصد ولادة أي بقرة حمراء تقاربها في المواصفات، حتى لو تطلب الأمر مخالفة الفقه التوراتي والاستعانة بالتلقيح الصناعي كما حصل مع بقرة "ميلودي" عام 1996 في مستوطنة "كفار حسيديم" في الجليل الأسفل، على الرغم من أنها ولدت من ثور"غوييم" أي ثور من الأغيار، سويسري غريب لم يذق كلأ "أرض الميعاد"، ما أيقظ حينها شهية أكثر من من 20 منظمة صهيونية متطرّفة للتذرع في بدء بناء الهيكل.
لكن بقرة الهيكل هذه أُلحقت بسابقاتها وأُسقطت عنها القدسيّة بعد ظهور بضع شعيرات بيضاء، الأمر الذي يناقض معايير "النقاء" حسب المواصفات التلمودية المتشددة، والتي تنص على حتميّة صفاء اللون الأحمر، وأن لا تشوبها شعرة سوداء أو بيضاء، أو تكون قد تجاوزت العامين، ولم "تستخدم في عمل من حمل أو حرث، أو حُلبت من قبل".
"خمس بقرات توراتية"
وبما أن تراكم الخيبات لن يُعجز حاخامات الحسيديم عن اجترار روايات أخرى، أو ربما العودة برواية أشد تكاملاً في عناصرها، من دون أن يعني ذلك البتة تبدّلاً في الجدوى التي تولد من أجله تلك البقرات، كان من الطبيعي أن تظهر 5 بقرات حمراء في مطار"بن غوريون" في الـ20 من سبتمبر الجاري، قادمة من ولاية تكساس الأمريكية تعود ملكيتها للبارون ستنسون، والتي كان في انتظارها كبار حاخامات "معهد الهيكل"، الذين سبق وصادقوا على مطابقتها مواصفات "النقاء" حسب موقع "والا" العبري، وزحف أكثر من 300 مستوطن إلى المطار ليشهدوا الحدث، قبل أن يتم نقلها لمزرعة مختصة في بيسان.
جميع اليهود أنجاس حتى...
خلف المحاولات المستمية حقيقة جوهرية تستدعي كل هذا الجهد، ألا وأن اليهود بأجمعهم قد لحقت بهم "نجاسة الموتى" (طومئات متيم)، والتي تتحقق عند ملامسة جثث الموتى أو الاقتراب منهم فكل من شارك في جنازة، أو مرّ قرب ميت أو مقبرة، أو حتى تظلل أو مرّ تحت شجرة جذورها في المقبرة، فأنه يصبح نجساً، ولا يحق لمن هو كذلك الاقتراب من الهيكل أو الصلاة فيه إلا في حال تطهره، ولا تكون الطهارة إلا من خلال بقرة "توراتية"، في حين تبقى هذه النجاسة قائمة ودائمة وتنتقل بدورها إلى الآخرين عند الملامسة أو حتى الاقتراب، ثم تنتقل من الآخرين إلى غيرهم، وهكذا إلى أن أصبح ثابتاً في معلوم الشريعة اليهودية أن اليهود كلهم أنجاس.
حتى أنه في عام 2013، شوهد رجل يهودي متشدد على متن إحدى الطائرات وهو يغطي نفسه بشكل كامل بكيس بلاستيكي شفاف، كي يتجنب التعرض لـ"نجاسة الموتى"، ليس من الركاب فحسب بل في حال حلّقت الطائرة فوق إحدى المقابر.
التطهير..لن يكون
هذا التطهير لا يكون في البقرة نفسها، بل في رمادها بعد الحرق، بعد أن تساق إلى "جبل الزيتون" مقابل باب الهيكل المزعوم ثم تذبح ويحمل دمها 7 مرات أمام باب الهيكل، لـ "يحرق جلدها ولحمها ودمها مع قرئها ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفا وقرمزاً ويطرحهن في وسط الحريق" بالنص الذي ورد في سفر العدد - الإصحاح التاسع عشر، فيُجمع الرماد ويُخلط بالماء لتطهير "النجس"، عندها فقط يحق للمتطهر دخول الهيكل.
إذا بين اليهود والهيكل، بقرة "توراتية"، هذا في حال وجدت، وإن تحقق ذلك فإن الشريعة اليهودية تشترط أن يكون الذابح كاهناً طاهراً، ولأن كل الكهنة الآن هم نجسون، نصل إلى دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها إلا بظهور المسيح (غير المتنجس) في آخر الزمان، الذي سيتولى ذبح البقرة بنفسه.
"معهد الهيكل": هيّا إلى الحرم!
من هنا يصبح مفهوماً، أن الدوافع التي تحُرك الحاخامات المتطرفين لبناء الهيكل المزعوم أو اقتحام الحرم الشريف لا تتصل بالدين اليهودي، بل تناقض في الحقيقة شريعة التوراة!
لذلك يتحرك "معهد الهيكل" بالقدس، في مسارين متوازيين؛ يقوم الأول على حفر فكرة "اقتراب المخلص" في وعي الجمهور اليهودي المتدين، وبالتالي خلق دافع أقوى لتكثيف الاقتحامات، وإحياء طبقة الكهنة بتكريس مشهد الاقتحام في ثياب كهنوتية بيضاء، وعلى خط موازٍ يعمل المعهد على تقديم الزخم الإعلامي التي تحتاجه بقرات تكساس الخمس، لبدء تفكيك عقدة الفتوى التوراتية التي ما زال غالبية اليهود يتمسكون بها والتي تنص على تحريم دخول الحرم الشريف، بذريعة أن بقرات التطهير وصلت من تكساس إلى "أرض الميعاد" وتنتظر الحرق.
ولمن لا يعرف فإن "معهد الهيكل "أنفق ما يزيد عن 35 مليون دولار في الإعداد لبناء الهيكل المزعوم، ضمن مراحل زمنية، فمع نهاية التسعينات تم صنع فانوس من الذهب الخالص (42 كغ) يحاكي الفانوس الذي كان يستخدم حسب زعمهم في عهد الهيكل الثاني، بكلفة 5 ملايين شيكل تبرّع بها رجل الأعمال اليهودي الأوكراني "فاديم ربينوفيتش"، وفي عام 2007 تم الانتهاء من صناعة الشمعدان الذهبي الخاص بالهيكل (45 كغ من الذهب) بكلفة 3 ملايين دولار بتمويل من المليونير اليهودي المصري موسى فرج، وذكرت صحيفة "كول هعير" العبرية أنّ "معهد الهيكل" الذي أنشأته حركات يهودية متطرفة في مقدمتها "أمناء جبل الهيكل" يصيغ الخطط ويعدّ الأدوات اللازمة لقيام الهيكل الثالث، "إنّ أحداً لا يستطيع أن يتصور حياة اليهود دون الهيكل، ولابدّ من إقامته ولا أحد يستطيع أن يمنعنا ولا العرب، لأنها إرادة الله والتاريخ" ويكمل جرشون سلمون، أحد زعماء المنظمة أنّ الطقوس التي يؤديها اليهود عند حائط المبكى تعتبر بديلاً بائساً، حيث يضع "المصلون" قصاصات الورق في جدرانه.
أساطير "توراتية"
وعلى الرغم من كل البحوثات العلمية والتاريخية التي تطعن بتلك الأساطير، بداية مع عالمة الآثار البريطانية كاثلين كيتيون التي طُردت من فلسطين عام 1968 بعد إثباتها عدم وجود ما يسمى بهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصى، وأن ما يشاع بأنه مبنى إسطبلات سليمان ليس له علاقة بسليمان وليس إسطبلات أصلا، بل هو نموذج معماري لقصر شائع البناء في عدة مناطق بفلسطين، ثم أضاف عالم الآثار اليهودي مائيير بن دوف على تأكيد كيتيون حجة أخرى، في بحث قام به عام 2004 بأنه لا يوجد أثر لما يسمى بجبل الهيكل أسفل المسجد الأقصى، ووافقته أيضاً خبيرة الآثار اليهودية الشهيرة الدكتورة شولاميت جيفا بـ "أن علم الآثار اليهودي أُريد له تعسفاً أن يكون أداة للحركة الصهيونية، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة".
بالتالي، فإن القضية ليست في "أحقية" اليهود، بما أن الشرائع الدينية تحرّمها، والبحوث العلمية والتاريخية تدحضها، بل هو مسار تآكلي للشريعة اليهودية يشرف عليه زعماء الصهيونية ويحركه الحقد الدفين تجاه العرب والمسلمين.