"النبي موسى"..أول ثورة فلسطينية ضد الانتداب البريطاني
القدس المحتلة-القسطل: على مدار عقود طويلة، كان الفلسطينيون يحتشدون في كل مدن فلسطين، ويجتمعون في مدينة القدس ومنها ينطلقون لإحياء موسم النبي موسى في كل عام، ولم يقتصر ذلك الاحتفال الشعبي على الشعائر الدينية فقط، بل كانت تتضمن الخطابات والأهازيج التي تساهم في تحريض وشحذ همم الناس للدفاع عن أراضيها، وتجلى ذلك في انتفاضة جموع الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني عام 1920، ليطلق عليها آنذاك "ثورة النبي موسى".
تأسس مقام النبي موسى في العهد الأيوبي، بعد تحرير بيت المقدس من الاحتلال الصليبي، فابتدع صلاح الدين الأيوبي فكرة الرباط والمقامات في فلسطين وكان لها بعد عسكري أيضا إلى جانب البعد الديني، وكانت تُتخذ كنقطة مراقبة ودفاع عن المكان من أي اعتداء، وكانت أغلب المقامات التي أنشئت خارج المدن وفي مناطق مطلة، وفقا لما يبين الباحث في التراث الفلسطيني خالد عليان.
يقول عليان في حديث مع القسطل إن صلاح الدين الأيوبي ابتدع فكرة "موسم النبي موسى" من أجل تشجيع الناس على القتال والدفاع والمقاومة عن ذاتهم وأراضيهم، فكان الفلسطينيون في يوم محدد من أيام السنة يجتمعون في كل مدينة ويحملون علمها الخاص بها والسيوف والأسلحة وينطلقون نحو مدينة القدس بقيادة الشيوخ.
وأضاف أن الوفود كانت تجتمع كلها في مدينة القدس، وتؤدي الصلاة في المسجد الأقصى المبارك ومن هناك ينطلقون سيرا على الأقدام من باب الأسباط باتجاه مقام النبي موسى شرق مدينة القدس، يتخللها الخطابات ومسابقات خيل، ومبارزة في السيوف، وأهازيج تحريضية للدفاع عن الأرض والقدس.
يتابع أن هذه الطقوس استمرت حتى انهيار الدولة العثمانية، وبعد صدور وعد بلفور واحتلال بريطانيا لفلسطين وتكثيف الهجرة اليهودية إلى البلاد ومنع الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والسياسية، استشعرت الجماهير والنخب الفلسطينية وعلى رأسها كاظم أمين الحسيني، رئيس بلدية القدس، بالخطر المحدق بهم.
في الرابع من شهر نيسان عام 1920، كان الفلسطينيون في مدينة القدس يجتمعون لإحياء موسم النبي موسى وسط أجواء من الغضب والاستياء، في الوقت الذي شعرت فيه السلطات البريطانية أن الموسم لا يقتصر على الطقوس الدينية، وأن له بعدا وطنيا وقوميا رافضا للهجرة اليهودية لفلسطين، لتفرض إجراءات مشددة على مدينة القدس.
يشير عليان إلى أن السلطات البريطانية أوقفت الوفد الذي جاء من مدينة الخليل، وحاولوا منعهم من الدخول، وخلال تلك الأحداث قام أحد الصهاينة بالتسلل داخل الجموع وحاول تمزيق علم الخليل، ما أثار غضبهم وقاموا بالهجوم عليهم، ليعلن عن مقتله.
نتيجة لذلك الحدث، دارت الاشتباكات بين السلطات البريطانية وجموع المشاركين في وفد الخليل، لتصل تلك الأنباء إلى بقية الوفود المجتمعة في المسجد الأقصى، وتنطلق إلى باب الخليل، لتندلع على إثرها انتفاضة شاملة في كل أنحاء فلسطين ضد السلطات الريطانية واليهود.
"ثورة النبي موسى" استمرت عشرة أيام، وأوقعت تسعة قتلى من اليهود، وارتقى خلالها خمسة شهداء فلسطينيين، وجرح ما يقارب 200 شخص من البريطانيين واليهود حينها، واعتبرت أول ثورة فلسطينية ضد الانتداب البريطاني، وفقا لما أوضح عليان.
خلال ثورة النبي موسى، فرضت السلطات البريطانية حظر التجول، واعتقلت 23 فلسطينيا، من بينهم عارف العارف وموسى كاظم الحسيني، وطاردت ولاحقت قيادات منها الحاج أمين الحسيني.
يقول عليان لـ"القسطل":"بعد الثورة الفلسطينية أصبح موسم النبي موسى يشكل تحديا بالنسبة للفلسطينيين، يستذكرون فيه كيف تصدوا للهجرة الصهيونية، وفرضوا وجودهم وهويتهم كفلسطينيين على أرضهم".
. . .