هل توطن "المقاومة" نفسها لموعد مسيرة الأعلام؟
القدس المحتلة - القسطل: يقول المحلل السياسي المقدسي، راسم عبيدات إن "من الواضح بأن واحدة من الأهداف التي أراد نتنياهو تحقيقها من خلال شنه العملية العسكرية والعدوان على قطاع غزة صبيحة فجر يوم الثلاثاء، التاسع من أيار/مايو، ليس فقط اغتيال العديد من القادة العسكريين للجهاد الإسلامي".
وأوضح عبيدات لـ"القسطل" أن "حكومة الاحتلال تعمل على تكبيل المقاومة ولجمها، والعمل على استعادة قوة الردع لدولة الكيان الآخذة في التآكل، وإنقاذ حكومته من التفكك والانهيار، بعد الخلافات التي عصفت بها، على ضوء الخلاف بين "البيبيان"، بيبي الكبير نتنياهو وبيبي الصغير بن غفير، على خلفية مقاطعة بن غفير لجلسات الحكومة، بسبب ما اعتبره ردًا ضعيفًا على الصواريخ التي انطلقت من قطاع غزة كرد على اغتيال الشيخ المجاهد خضر عدنان بالجوع في زنزانته داخل السجن".
وأشار إلى أن "نتنياهو يريد أن يحد من تطور وتصاعد قوة المعارضة في الشارع «الإسرائيلي»، التي استطاعت للأسبوع الثامن عشر أن تحشد في العديد من المظاهرات الاحتجاجية نصف مليون متظاهر، ضد محاولته إجراء تعديل على التشريعات القضائية، وإضعاف سلطة ما يعرف بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية، وبما يمكن من السيطرة الكاملة على منظومة القضاء وتحرير الحكومة والكنيست من الرقابة القضائية".
واستدرك أن "بعد عمليات الاغتيال التي طالت العديد من قادة الجهاد الإسلامي العسكريين، سعى نتنياهو مع أمريكا ومن خلال دول عربية تمتلك تأثيرًا على الورقة الفلسطينية (مصر وقطر)، تثبيت هدنة تقود إلى «تهدئة مقابل تهدئة» وتفرض معادلات ردع وقواعد اشتباك جديدة؛ بما في ذلك فك العلاقة ما بين قطاع غزة والقدس، تلك الوحدة من المسار والمصير التي اوجدتها معركة «سيف القدس» في أيار /2021" مشيرًا أن "ما يبدو بأن ما فكر وحلم وخطط له نتنياهو من محاولة لتمرير أجندته وتصدير أزماته، لم يفلح في تكبيل المقاومة وجعلها تقبل بالتهدئة بشروطه".
واستطرد بالقول إن "حركة الجهاد الإسلامي، أطلقت ردًا بعنوان "الثأر للأحرار"ولم تخض هذه المعركة منفردة، وإن كانت رأس الحربة فيها، حيث اتبعت مع بقية قوى المقاومة تكتيكات متنوعة في الرد على هذا العدوان، حفرت عميقاً في وعي ونفسية الجمهور الإسرائيلي، وجبهته الداخلية، فتأخر الرد لمدة ست وثلاثين ساعة، كان جزءًا من الرد، وكذلك عدم نجاح أكاذيب وتضليلات نتنياهو في خلق فتنة بين قوى ا لم قاومة بالذات حركتي الجهاد وحماس، والتأكيد على أن غرقة القيادة المشتركة، هي صاحبة القرار حول الرد وشكله وحجمه ومداه وموعد".
وتابع: "في الميدان رأينا كيف تفوقت قوى المقاومة تكتيكيا واستراتيجياً، من خلال رشقات صاروخية من أماكن متعددة وبتواقيت مختلفة، ما مكنها من تجاوز أحدث المنظومات الدفاعية الصاروخية الاعتراضية الإسرائيلية " القبة الحديدية " و"مقلاع داود"، من خلال امتلاك صواريخ المقاومة لتقنيات عالية الدقة، شكلت مفاجأة لدولة الكيان، حيث لم تتمكن القبة الجديدة من اعتراض سوى 20% من صواريخ المقاومة، والتي وصلت مشارف القدس وبيت لحم وأوقعت خسائر بشرية ومادية كبيرة".
وأشار إلى أن "دولة الكيان تقوم على الأمن والاقتصاد والاستقرار، وصواريخ المقاومة ضربت هذه الركائز الثلاثة، حيث شهدنا حركة الهروب الكبيرة للمستوطنين من مستوطنات غلاف غزة ومناطق الوسط، وشلل الحركتين التجارية والإقتصادية وإغلاق الطرقات، ونشر بطاريات صواريخ القبب الحديدية في كل أنحاء دولة الكيان، وفتح الملاجيء، والهرولة والهروب إليها، والذي طال المتطرفة ميري ريغف وزيرة الاتصالات".
وأكد على أن "دولة الكيان لا تريد للمعركة أن تطول، لأن جبهتها الداخلية غير قادرة على تحمل البقاء في الملاجئ والعيش في ظل ظروف الخوف والقلق والرعب، وبات مستوطنو الكيان يشعرون بأن القيادتين العسكرية والسياسية لدولتهم تكذب عليهم، وهي غير قادرة على توفير الأمن والحماية لهم".
وأردف بالقول إن "نتنياهو بعد وصول صواريخ المقاومة إلى مشارف مدينة القدس ودكها لتل أبيب، وقطعه الاتصال مع المصريين حول الهدنة، وجد نفسه في مأزق عميق" موضحًا أن قوى المقاومة لديها سقف سياسي موحد، بصرف النظر عن الطرف الذي يوافق أو يوقع على الهدنة أو التهدئة، فهناك شروط في مقدمتها وقف سياسة الاغتيالات، ومنع مسيرة الأعلام من التحرك نحو البلدة القديمة والحي الإسلامي فيها وتسليم جثمان المجاهد خضر عدنان، وبالمقابل كل هذه المطالب تصب في تصفية برنامج شريكه في الحكومة بن غفير، بمواصلة سياسة الاغتيالات وسير مسيرة الأعلام وفق مسارها وحسم السيادة والسيطرة على القدس، وتشديد الخناق على الأسرى وسحب منجزاتهم ومكتسباتهم وتجريدهم من حقوقهم، وفي المقابل توسيع دائرة المعركة والعدوان، بضرب البنى التحتية والمؤسسات والمقرات الحكومية والبنايات المدنية، قد يدفع الى إستهداف أهداف اقتصادية وحيوية في دولة الكيان،مثل محطات الكهرباء ومنصات الغاز والقطارات والمطارات والموانىء وغيرها،عبر صواريخ أكثر دقة وأكبر قوة تفجيرية وابعدى مدى موجود لدى حركة حماس".
وذكر أن "وزير أركان جيش الكيان هيرتسي هليفي ومسؤول " الشاباك" رونين بار والمعارضة الإسرائيلية، يدعون إلى إنهاء العملية؛ لأنها على حد وصفهم أضعفت حركة الجهاد عسكرياً وقيادياً، من خلال تصفية العديد من قادتها العسكريين، وتدمير بنيتها العسكرية ومخزونها الصاروخي، وكذلك لم يعد هناك بنك أهداف سوى الأطفال والنساء والبنايات المدنية، وأيضاً استمرار العدوان وتوسعه، قد يقود إلى أن تتوحد الساحات وأن تخوض دولة الكيان المعركة على أكثر من جبهة، وهي خبرت ذلك في معركة العشر ساعات في 5/4/2023، حيث تدخلت صواريخ المقاومة من لبنان وسوريا وغزة لصالح منع استمرار المستوطنين من مواصلة اقتحام الأقصى والإعتداء بوحشية على المرابطين والمعتكفين والمصلين،مما اجبر نتنياهو وحكومته على منع المستوطنين من مواصلة اقتحاماتهم للأقصى في العشر الأواخر من شهر رمضان،وبحث عن رد مؤطر ومقيد يتهم فيه حركة ح م اس بالمسؤولية عن الصواريخ،لكي لا يتورط في حرب على أكثر من جبهة،وظهر مردوعاً وملجوما أمام محور القدس".
وختم بالقول: "بعد هذه المعركة أعتقد بأن دولة الكيان التي دخلت مرحلة اللا خروج، في ظل أزماتها السياسية والمجتمعية والبنيوية العميقة، والصراع المحتدم في داخلها ايديولوجيًا وثقافيًا حول هوية الكيان، وتفجر هذه الأزمات عبر ما يعرف بالتعديلات التشريعية والقضائية، وذهاب نتنياهو لهذا العدوان على قطاع غزة واغتيال العديد من القادة العسكريين، بهدف ترميم قوة الردع واستعادتها كواحدة من أهداف العدوان وتحصين حكومته من الانهيار، كل المؤشرات تقول أنه بعد التوصل إلى هدنة مع المقاومة الفلسطينية، فحساب نتنياهو سيكون قادمًا، وقد يطيح بحكومته ومستقبله السياسي والشخصي، وسيكون مصيره السجن، ويبدو بأن المأزق الذي وضع نفسه فيه ما بين الفاشية اليهودية التي تتمسك بمسيرة الأعلام بمسارها المخطط لها، وما بين المقاومة التي توطن نفسها، بالإصرار على وقف مسيرة الأعلام أو تغيير مسارها، ولذلك هي توطن نفسها، بأن تستمر المعركة في القطاع حتى موعد مسيرة الأعلام، وحينها ستكون صواريخ المقاومة كفيلة بمنعها وتفريقها، أو أن يضطر نتنياهو للموافقة على تغيير مسارها، في إطار الهدنة التي سيتم التوصل اليها، فقوى المقاومة ترى في القدس والأقصى طريق الحماية للقضية الفلسطينية".