"أرواح تذبل بتهجير متجدد".. فيلم يروي حكايات المبعدين عن القدس
القدس المحتلة - القسطل: نجد أقسى لحظاتنا تتجلى في الغياب والفقدان والخسارة، غالبًا ستكون اللحظة التي يخسر فيها الشخص شيئًا يمثل جزءًا من ذاته وهويته هي الأقسى، ونلقى الأشد قسوة في إبعاده عن الوطن.
يروي الفيلم تجربة ثلاثة مقدسيين مبعدين عن وطنهم القدس، وهم: نائب مدير أوقاف القدس، ناجح بكيرات، والباحث الحقوقي صلاح الحموري، والأسير المقدسي المحرر أحمد البكري، وهي التجربة الأكثر مرارة لهذا الفقد الكبير، الذي لم يكن فقدًا جزئيًا فقط، بل كان فقدًا كليًا، فقد أبعد كل منهم عن أهله وبيته وبلده دفعة واحدة.
وكان قائد قيادة الجبهة الداخلية في جيش الاحتلال، قد أصدر، قراراً يقضي بإبعاد نائب مدير أوقاف القدس، ناجح بكيرات، عن مدينة القدس وعن بلدته صور باهر، في جنوب المدينة، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يصدر قائد الجبهة الداخلية بجيش الاحتلال مثل هذا القرار بحق الشيخ بكيرات، وكان قد سبق لقوات الاحتلال أن أبعدت الشيخ ناجح عن المسجد الأقصى المبارك 33 مرة، و قرارا بمنعه من السفر.
يقول بكيرات لـ"القسطل": "منذ الصف التاسع وأنا في المسجد الأقصى، عشت طفولتي وشبابي فيه، حتى أكملت نصف قرن بين جنباته وفي خدمته، فكيف سيحرموني منه الآن، بأي حق؟".
ويشير بكيرات في حديثه إلى أن "هذا القرار يشكل سابقةً خطيرة، إذ إنه يعني في الحقيقة عملية تهجيرٍ حقيقية من المدينة المقدسة".
تمر الأيام ثقيلة وصعبة على بكيرات، خارج مدينته القدس، التي ترعرع فيها، وعمل من أجلها، وصعبة دون عائلته، التي حرمه الاحتلال منها، وحكم عليه بالبقاء وحيدًا مبعدا عنها.
ولم تكن الإبعادات، التي نفذت بحق المقدسيين، تقتصر بإبعادهم عن مدينة القدس، بل أبعدت قوات الاحتلال الحقوقي صلاح حموري، عن مدينته القدس، وتم اقتياده من قبل شرطة الاحتلال إلى طائرة متوجهة لفرنسا.
وقد جُرّد حموري، وهو مقيم في مدينة القدس طوال حياته، من حق إقامته في مسقط رأسه، الذي ولد فيه عام 1985، لأب فلسطيني، وأم فرنسية.
وبدأ صراع حموري مع الاحتلال في سن مبكرة، إذ أصيب برصاصة "إسرائيلية" غادرة في رأسه في سن الـ15، ودخل السجن أول مرة عام 2001، ولبث فيه أكثر من 10 سنوات، على مدى أوقات متفرقة أطولها 7 أعوام، وحرم من زوجته الفرنسية، التي كانت حاملًا آنذاك سنة 2015، بعد أن أبعدتها سلطات الاحتلال قصرًا إلى فرنسا، ثم ألغت إقامته الدائمة في القدس.
ويروي حموري أن "هذا القرار يستهدف وجود المقدسيين في مدينة القدس، ويهدف إلى إخراج المقدسيين الأصليين من المدينة، لإحلال مستوطنين جدد مكانهم".
"إن فلسطينيتنا خيارٌ واختيار، وفاءٌ وانتماء، أرضٌ وذاكرة، مكانٌ وزمان، فلا قرار تهجير قسري وتطهير عرقي يرهبنا، ولا قوة فوق الأرض تستطيع أن تقتلع فلسطين، وشعب فلسطين من عقولنا ووجداننا.... أنا أغادرك اليوم يا وطني مجبراً ومكرهاً. أنا أغادرك اليوم من السجن إلى المنفى؛ لكن سأبقى وفياً لك، وحريصاً على حريتك، سأحملك معي أينما كنت، وستبقى أنت بوصلتي الوحيدة، وإلى أن نلتقي مجدداً." هذه كلمات قالها المبعد صلاح حموري بغصة وحسرة، قبيل ترحيله.
ولا يكف الاحتلال عن مسلسل إبعاد المقدسيين عن مدينتهم، فقام بإبعاد الأسير المحرر أحمد البكري.
وكانت مخابرات الاحتلال قد اعتقلت الأسير المحرر أحمد البكري 25 عامًا، في التاسع من آب/ أغسطس الماضي، فور الإفراج عنه من سجن جلبوع، بعد انتهاء محكوميته البالغة 8 سنوات، لتسلمه قرارًا بالإبعاد عن مدينة القدس، لمدة أسبوع.
يقول البكري لـ"القسطل": "هذه هي تنغيصات الاحتلال، عندما علموا أن عائلتي وأهل البلدة يتجهزون لرؤيتي، قاموا باعتقالي وإبعادي عن مدينتي؛ ليفسدوا فرحة عائلتي بالإفراج عني، ولحرمانهم من الاحتفال بي في القدس".
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت أحمد، وهو قاصر، بعد أن أدانته محكمة الاحتلال بالضلوع في أعمال مقاومة وإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة صوب البؤر الاستيطانية.
هذه التجارب القاسية، على مستوى التعبير تمثل أزمة الشتات الفلسطيني، وتهجير المقدسيين واقتلاعهم من أرضهم، وتركز القصص الثلاث، التي هي من ضمن مئات قصص المبعدين عن القدس، بُعدًا وجوديًا عن الوطن، ويشمل هاجس العودة عند حموري وبكيرات أن تتحقق العودة بالفعل الحقيقي، وأوضحت قصصهم صورة فضاء الفراغ بينهم وبين الوطن، الذي تحقق من خلال التشتُّت وتفرُّق العائلة على أكثر من مرحلة، والذي يمكنه أن يكون مادة لفهم الشتات الفلسطيني، وعلاقته بالأرض عندما تكون غائبة.