مقدسيون حرموا من حق الإقامة في القدس..سياسة الاحتلال القاهرة في تشتيت العائلات الفلسطينية
القدس المحتلة - القسطل: إن غربة الإنسان عن مسقط رأسه ومستقر ترعرعه، تبقي فيه أثرًا كبيرًا من مشاعر الحزن والشوق، فكيف بإجبار شخص على ترك وطنه قسرًا، وإبعاده عن والدته أو زوجته أو ابنه، ومن اعتاد على ملامحهم. ما يعانيه المقدسيون الذين حرموا من حق الإقامة في القدس، هو في غاية الفظاعة، ألم وانكسار وغصة ملازمة مدى الحياة.
لا نستطيعُ أبدًا تخيل مشهدِ الانتزاع من حقنا ببقائنا في منازلنا، كيفَ تنتَصر فلسطين الكامِلة على كلِّ نزعاتِ التّملّك والبقاءِ في الإنسان؟ هل قبَّل ابنته وغادَر؟ نخجل من أمنيات المبعدين عن القدس جدًا، هؤلاءِ الذينَ خرجوا قسرًا من موطنهم.
دأبت سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ احتلالها للقدس في عام 1967 على ممارسة جميع أدوات التهجير في مدينة القدس واستمرت في انتهاكها لجميع حقوق المقدسيين ومن ضمنها حق المواطنة والإقامة في مدينة القدس، مخالفة جميع الاتفاقات الدولية والقانون الإنساني الدولي والحقوق الإنسانية التي يتمتع فيها كل إنسان في العالم.
واستمرارًا لسياسة التطهير والتهجير بحق المقدسيين تعمد سلطات الاحتلال إلى إلغاء الإقامة الدائمة للمقدسيين وذلك برفض جمع شمل العائلات الفلسطينية، وتشتيت العائلة الواحدة. وتسعى سلطات الاحتلال أيضا إلى إلغاء الإقامة الدائمة لمئات المقدسيين وذلك تحت حجج واهية، ولا شك أن لوزارة الداخلية "الإسرائيلية" الدور المباشر في إلغاء الإقامة للمقدسيين وسحب الهويات منهم.
صدر في العام 2005 قرارٌ حكومي رقمه 1813 جمد بموجبه البت في ملفات لم الشمل جميعها وأغلق الباب أمام أي طلبات جديدة بما في ذلك تسجيل أطفال ولدوا خارج القدس أو يحملون رقم هوية فلسطينية. وسمحت وزارة الداخلية بجمع شمل العائلات بموجب قيود مشددة، حيث إذا كان الزوج مقيم في القدس وزوجته من مناطق الضفة الغربية او أجنبية من خارج البلاد فإن وزارة الداخلية توافق بنسبة 40% على لم الشمل، أما في حالة أن الزوجة هي التي كانت مقيمة في القدس وزوجها من الضفة الغربية أو من خارج البلاد فإن وزارة الداخلية تعقد الامور، وفي الغالب يتم رفض لم شمل العائلة، ولذلك على الزوجة أن تذهب وتقيم مع زوجها في المكان المقيم فيه وتخسر هويتها وإقامتها المقدسية مع الوقت، وفي بعض الأحيان توافق الداخلية توافق على منح إقامة مؤقتة للزوج.
ولزيادة التعقيد ولمنع الفلسطينيين من التواصل مع عائلاتهم في القدس وأهاليهم، فإن وزارة الداخلية أجبرت المقدسيين الذين يعيشون في الأردن، من لديهم حق الإقامة الدائمة في القدس، أن يوقعوا على تصريح أو وثيقة تتضمن أنهم سيفقدون حق الإقامة أو الهوية الإسرائيلية إذا تركوا القدس وعادوا للإقامة في الأردن، وبذلك عليهم إما أن يختاروا السكن الدائم في القدس أو العيش في الأردن والاستغناء عن الهوية المقدسية.
السيدة المقدسية أم براء من بلدة شعفاط، متزوجة لأحد المواطنين من الضفة الغربية وأنجبت منه خمسة أبناء، وفي العام 2001 قدمت طلب جمع شمل لزوجها وطلبت تسجيل الأبناء في الهوية.
في العام 2002 صادقت الوزارة على تسجيل أطفالها ومنح ثلاثة منهم هويات مؤقتة، وفي الوقت عينه قامت وزارة الداخلية برفض طلب جمع الشمل لزوجها.
عقب ذلك قامت بتقديم استئناف على هذا القرار وتم رفضه، في بداية 2006 توجه ابنها براء لوزارة الداخلية من أجل تجديد الهوية المؤقتة وقام بتقديم طلب لذلك، وقد قام بمراجعة الوزارة اكثر من مرة، وفي المرة الأخيرة قام الموظف بأخذ الهوية المؤقتة التي بحوزته وطلب منه مغادرة الوزارة.
بعد ذلك توجهت والدته أكثر من مرة للوزارة من أجل أن تعرف سبب ذلك. اضطرت براء بعد ذلك أن تحاكم وزارة الداخلية، ومن خلال اللائحة الجوابية، التي قدمتها النيابة العامة تبين أن وزارة الداخلية قررت سحب الهويات المؤقتة لجميع أطفالها.
وقد جُرّد حموري، وهو مقيم في مدينة القدس طوال حياته، من حق إقامته في مسقط رأسه، الذي ولد فيه عام 1985، لأب فلسطيني، وأم فرنسية.
وبدأ صراع حموري مع الاحتلال في سن مبكرة، إذ أصيب برصاصة "إسرائيلية" غادرة في رأسه في سن الـ15، ودخل السجن أول مرة عام 2001، ولبث فيه أكثر من 10 سنوات، على مدى أوقات متفرقة أطولها 7 أعوام، وحرم من زوجته الفرنسية، التي كانت حاملًا آنذاك سنة 2015، بعد أن أبعدتها سلطات الاحتلال قصرًا إلى فرنسا، ثم ألغت إقامته الدائمة في القدس.
ويروي حموري أن "هذا القرار يستهدف وجود المقدسيين في مدينة القدس، ويهدف إلى إخراج المقدسيين الأصليين من المدينة، لإحلال مستوطنين جدد مكانهم".
وكانت سلطات الاحتلال قد أبعدت الحموري إلى فرنسا في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر 2022، بعد اعتقاله إداريًا لمدة تسعة أشهر، دون تهمة، وبعد المصادقة على سحب هويته وحرمانه من الإقامة بالقدس، بحجة خطره على المواطنين وعدم الولاء لدولة الاحتلال.
"إن فلسطينيتنا خيارٌ واختيار، وفاءٌ وانتماء، أرضٌ وذاكرة، مكانٌ وزمان، فلا قرار تهجير قسري وتطهير عرقي يرهبنا، ولا قوة فوق الأرض تستطيع أن تقتلع فلسطين، وشعب فلسطين من عقولنا ووجداننا.... أنا أغادرك اليوم يا وطني مجبراً ومكرهاً. أنا أغادرك اليوم من السجن إلى المنفى؛ لكن سأبقى وفياً لك، وحريصاً على حريتك، سأحملك معي أينما كنت، وستبقى أنت بوصلتي الوحيدة، وإلى أن نلتقي مجدداً." هذه كلمات قالها المبعد صلاح حموري بغصة وحسرة، قبيل ترحيله.
على الرغم من مشروعية وقانونية الحق في الإقامة لدى المواثيق والمعاهدات الدولية، إلا أن حق المقدسيين يتعرض للانتهاك باستمرار من قبل الاحتلال؛ وذلك إما بالإبعاد والنفي خارج الوطن أو إبعادهم للضفة الغربية في قرار ظالم، وذلك بإصدار قوانين وتشريعات إسرائيلية تهدف إلى إلغاء حق الإقامة الدائمة للمقدسيين.