هل باتت الحرب البرية ممرًا إجباريًا؟
القدس المحتلة - القسطل: إن استمرار دولة الاحتلال في قصفها الوحشيّ على قطاع غزة جوًا وبرًا وبحرًا، وقتلها للأطفال والنساء وهدم الأبراج السكنية والمنازل، واستهدافها للمشافي ودور العبادة والأسواق الشعبية والمؤسسات التعليمية ومقرات الأمم المتحدة والصحفيين، وقطعها للكهرباء والماء والدواء ومنع تزويدها بالمازوت اللازم لتشغيل محطات الكهرباء والمراكز العلاجية، وكذلك منع دخول السلع والبضائع إليها، والسعي لقطع الهواء عنها، كل ذلك يؤدي إلى القتل والتدمير؛ من أجل تعويضها عن فشلها وهزيمتها.
ولكن هذا لا يحقق لها استعادة هيبتها ولا قوة ردعها، التي تتبجح وتتباهى بها، ولا الصورة التي كانت تبدو عليها بأنها الدولة القوية، التي تفرض شروطها وإملاءاتها في المنطقة وعلى دول النظام الرسمي العربي، وكل هذه الوحشية إلا أنها لم تؤثر على البنية العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية ولا حتى قدراتها وإمكانياتها وكثافة ونوعية نيرانها؛ حيث نشهد لليوم السابع من هذا العدوان الاستعماري، بأن قوى المقاومة تقصف وتحدد ساعات القصف وبكثافة نيران عالية الوتيرة على مستوطنات الغلاف؛ لتصل صواريخها إلى شمال فلسطين المحتلة، وبأن لديها خططًا متكاملة حول إمكانيات تطور الحرب العدوانية وسيرها، وهي مستعدة وجاهزة ولديها الخطط لذلك. ناهيك عن التقنيات العالية والمعلومات الاستخباراتية، والقدرة على المناورات، ولذلك بدون أن تقدم دولة الاحتلال على حرب برية، فهي لن تحقق أهدافها سوى في الانتقام والتدمير .
في حين لن تتمكن من إزاحة وتصفية حماس وبقية قوى المقاومة من المشهد بشكل كلي، وهو الذي بات مطلوبًا من قبل دولة الاحتلال، فهي باتت غير قادرة على التعايش مع وجود تلك القوى وتنامي وتطور قدراتها وإمكانياتها العسكرية والتسليحية بشكل نوعي، ولكن هذه الحرب البرية ليست بالبساطة أن تحقق الأهداف المرجوة منها؛ بإنهاء وجود قوى المقاومة، وتحقيق مخططات الطرد والتهجير والتطهير العرقي في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطينيّ، فهناك عقبات كثيرة تعترض هذا الخيار، واحد منها على شكل سؤال ماذا لو فشل هذا الخيار وارتداداته على دولة الاحتلال وشريكها المباشر في العدوان أمريكا ودول الإقليم، من دول النظام الرسمي العربي، التي طلب منها بلينكن، ضمان الصمت وعدم اختراق السقوف التي حددها لها، ومنها سلطة أوسلو، وكذلك حركة التحرك السياسي الكثيف للمحور الذي تنتمي له المقاومة الفلسطينية والتسخين العسكري المتدرج على الجبهة الشمالية، حتى تحين لحظة الصفر لفتح تلك الجبهة والدفع بالمنطقة نحو حرب شاملة، تنخرط فيها كل مكونات المحور من طهران إلى بغداد فدمشق فبيروت فصنعاء.
لقد فهمنا من كلام قائد أركان المقاومة أبو عبيدة بأن التنسيق بين أطراف المحور يزداد ويتواصل، وكذلك استدركنا من المؤتمر الصحفي وتصريحات وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان في مطار بيروت أمس الخميس، حيث شارك في استقباله قادة من حزب الله وحركة أمل وممثلين عن فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم ممثلي حماس و الجهاد ،بأن استمرار دولة الاحتلال في عدوانها الهمجي على قطاع غزة سيستجلب ردودًا.
يبدو بأن اصطفافات المحور مقابل المحور الأمروصهيو الاستعماري الغربي وبعض الأنظمة العربية، باتت جاهزة وتنتظر ساعة الصفر، وعمليات جس النبض ورد الفعل والاحتكاكات العسكرية متواصلة، ورهن تفجرها بتطورات العدوان على قطاع غزة.
إن رفض سوريا على الانضباط لتهديدات بلينكن، نتج عنه قيام سلاح الجو في دولة الاحتلال بقصف مطاري دمشق وحلب في تهديد واضح لسوريا، والتي حسمت أمرها بالقول إن معركة قطاع غزة هي معركتها، وهي جزء من العدوان عليها، في حين واصل حزب الله مماحكاته لجيش الاختلال ومستوطنيه، عبر عملية هنا وأخرى هناك، وترافق ذلك مع حراك إيراني دبلوماسي واسع على اعتبار أنه قيادة المحور، فوزير خارجيتها أمير عبد اللهيان قد زار بغداد وبيروت والتقى بقيادات المقاومة هناك، وستحط رحاله في دمشق، والرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي تحدث هاتفيًا مطولًا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيسين السوري والمصري والقيادة الروسية؛ لدراسة كافة الاحتمالات والخطوات وما ستؤول الأوضاع إليه في قطاع غزة.
يستجمع التحالف القادم كل طاقاته وإمكانياته للحرب البرية والأهداف المرجوة منها، ويعمل على تأمين شروط خوضها، من إجماع سياسي داخلي صهيوني وتشكيل حكومة حرب وتأمين غطاء دولي لها: من بوارج وحاملات طائرات أمريكية وأسلحة متطورة، وسفن بريطانية قريبة من السواحل ورقابة على مدار الساعة ومسيرات ألمانية حربية وضعت تحت تصرف دولة الاحتلال، ونظام إقليمي وجه له بلينكن تهديدات بأن ينضبط وفق السقوف التي حددتها له أمريكا من خلال لقاء بلينكن مع مكونات قمتي العقبة وشرم الشيخ الأمنيتين، ومنع تنامي وتفجر حالة الغضب الشعبي، وقد ترافق هذا مع زيارات بلينكن كيهودي لدولة الاحتلال، وكذلك زيارة وزير الحرب الأمريكي اليوم.
إن الحرب البرية التي اتخذ قرار شنها من قبل التحالف الصهيوني الأمريكي الاستعماري، ستشعل حربًا إقليمية وستدوك دولة الاحتلال بأن الكلفة العسكرية لهذه الحرب أعلى من الكلفة السياسية،خاصة أنها لم تعد تخشى الخسائر البشرية بعد أن وصلت خسائرها إلى 1400 قتيل، وحسب المعادلات فإن خوض الاحتلال لتلك الحرب بأهداف غير محددة وملموسة، وشهوتها الانتقامية ورغبتها في القتل والتدمير، قد يدخلها في شر أفعالها.
الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه رئيس وزراء الكيان نتنياهو، نحن ندرك بأن أولمرت، عندما خاضت دولته الحرب العدوانية بالوكالة عن أمريكا على حزب الله و المقاومة اللبنانية في تموز / يوليو 2006، بذريعة خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين، كانت من أجل خلق ما عرف بالشرق الأوسط الكبير الذي بشرت به المغدورة وزير خارجية أمريكا آنذاك كونداليزا رايس، ولكن هذا الشرق الأوسط الكبير دفنته المقاومة اللبنانية.
يبدو أن شكل الشرق الأوسط الجديد الذي يبشر به نتنياهو سيكون أسوء من شرق أوسط تموز/2006، والأيام القادمة ستكشف هذا، لن تربح دولة الكيان هذه الحرب البرية، بل ستراكم فشلا على المزيد من الفشل الذي حل بها حتى الآن، سواء ذهبت لخيار الحرب البرية أو لم تذهب، فالكيان يعيش أزمات عميقة بنيوية وسياسية ومجتمعية، وهناك انقسامات أعمق تطال المؤسستين الأمنية والعسكرية، ويحكم دولة الاحتلال القلق والخوف والتخبط.
معركة "طوفان الأقصى" أفقدت "إسرائيل" صوابها،وستحفر عميقًا في وعي وذاكرة جنودها وقادتها ومستوطنيها، وكذلك في نفسياتهم ومعنوياتهم؛ سيقفون أمام سؤال وجودي، هل هذه الدولة قادرة أن توفر لنا الأمن والأمان على المستوى الشخصي والعام، وهل هي بلد الاستقرار والاستثمار، أم أنها ستبدأ التفكير بالرحيل ومغادرة هذا الكيان، ولعل ترحيل مستوطني سديروت كبلدة متوسطة السكان، يقول بأن هذا الخيار يكبر ويتوسع.