مالك بكيرات يلتقي ابنته الوحيدة وأحبّته بعد 19 عامًا بالأسر
القدس المحتلة - القسطل: نزل عن أكتاف الشبّان ليقبّل قدميها، تلك التي كانت تعدّ الأيام والليالي لتراه حرًّا طليقًا، لا ينغّص فرحتهما سجّان، تلك التي ذاقت عذابات السّجون والزيّارات منذ اليوم الأول لاعتقاله حتى انتهت الـ19 عامًا في الأسر.
سرق السجّن والسجان من مالك بكيرات شبابه وحياته التي كان يودّ لو يحياها في حضن والديه وعائلته، وابنته الوحيدة لينا، التي كانت نُطفة في رحم والدتها حين اعتقاله، لكنها مجرّد سنين لم تسرق منه الابتسامة والعزيمة والأمل بأن للحرية باب سيدقّ يومًا ما.
اليوم وبعد أن نغّص الاحتلال فرحة مالك وذويه بلقائه في الوقت المحدّد، وتمديد اعتقاله ووالده الشيخ ناجح بكيرات، عاد الأسير المحرر مالك إلى بلدته ومنزله في صورباهر جنوبي القدس، ليلتقي أحبةً له انتظروه طويلًا، استقبلوه بتكبيرات وتهليلات، استقبلوه بالورود والعناق والأناشيد.
بالأمس، تم اعتقال بكيرات عند بوابة سجن “النقب” قبل أن يلتقي بوالده وإخوته، وتم تحويله لسجن “المسكوبية” غرب القدس المحتلة، ثم استُدعي والده وشقيقاه، وبعد عدة ساعات، تم تمديد اعتقال مالك ووالده لعرضهما على المحكمة اليوم، وأُفرج عن شقيقيه.
“كانت أجمل ليالي السجن”..هذا ما قاله مالك لـ”القسطل” حينما سئل عن الـ24 ساعة الماضية والتي لم يهنأ بها برؤية أحد سوى والده الشيخ ناجح، ليقضي ليلته الأخيرة في السجون معه في “المسكوبية”، فسرّى عن نفسه، وحظي بليلة مع والده بعد 19 عامًا من الحرمان.
انطلق موكب المحتفلين بعودة مالك من “المسكوبية” باتجاه صورباهر حيث تلقّفته الأيادي بالمصافحة والعناق والمباركات، وما هي إلّا دقائق حتى التقى بها، والدته التي تجرّعت الألم بعدما قضى نصف عمره في المعتقلات. نزل عن أكتاف الشبّان، قبّل قدميها التي لم تتعب من الزيارات ومن قذارة المحتل، لم تكل ولم تملّ، حتى نالت ما تمنّت وهي رؤية مالك على الإسفلت، يتنسّم الحرية. عانقها، قبّلها والدّمع كان رفيقها.
أمّا لينا التي لم تحظ سوى بلقاء واحد مع والدها في السجن، عندما كانت في الـ14 من عمرها، واستطاعت احتضانه والتقاط صورة تجمعهما معًا، تمكّنت اليوم من عناقه طويلًا وتقبيله والحديث معه، دون أن يحسب عليها سجّان أو محتل الثواني والدقائق، ويقول في النهاية “انتهت الزيارة”.
انتهى الألم، وانتهت الزيارات، وانتهى السجن، ومالك أصبح اليوم في منزله، سيزفّ إلى عروسه قريبًا وسيبدأ حياة جديدة بلا منغّصات ومعتقلات.
لاحظ مالك ما جرى في المدينة المحتلة من تهويد وتغيير من قبل الاحتلال، وحدّث “القسطل” عن ذلك قائلًا: “كم تغيرت الشوارع، وكم جرى من تهويد للقدس التي نحبها، والتي جُبلت دماؤنا بترابها، ولكن رغم كل التهويد والتغيير الجغرافي ومحاولة التغيير الاجتماعي إلّا أننا نشعر بترابها يشدنا إليها.. نحن من القدس، وباقون فيها، إما أن نستشهد أو نُسجن أو نعود منتصرين شامخين إلى بيوتنا”.
ويضيف: “نفتخر بالقدس وأهلها وبهوائها وترابها، ونحمد الله أن من علينا بالإفراج وبلقاء أهلنا وهم سالمين غانمين، ونحن أعزاء كرماء، بينما دول أخرى تهرول إلى الهاوية”.
وعمّا عانته عائلته طوال تلك السنين قال: “معاناة أهلي كانت كبيرة، إنها لمأساة أن تولد طفلة ووالدها في السجون ولا تعرف عنه شيئًا، إنها حقيقة مرة لكنها مشرّفة”.