الكُسْبة .. “فيريرو العتيقة” أيام زمان

الكُسْبة .. “فيريرو العتيقة” أيام زمان

القدس المحتلة - القسطل: قد يكون اسم هذا الشيء غريب للبعض، لكن من تعوّد على الذهاب وشراء الطحينة من معصرة الجبريني في البلدة القديمة في القدس المحتلة، سيعرفها فهي بقايا السمسم الذي يتم تحميصه في أفران خاصة لاستخلاص الطحينة وزيت السمسم “السيرج”.. إنها “الكسبة” بضم الكاف وتسكين السين.

ضمن الحديث الصباحي للثنائي الجميل المسرحي الفنان حسام أبو عيشة والكاتب عيسى القواسمي، الذي يتم نشره يوميًا عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، دار حديثهما اليوم عن تلك الكُسبة التي كانت حلوى أيام زمان، حتى قال عنها أبو عيشة “فيريرو العتيقة” على سبيل الدعابة والمزاح.

يقول أبو عيشة إن هذه “الكُسبة” هي ما تبقّى من السمسم بعد طحنه لاستخراج الطحينة وزيت “السيرج” (زيت السمسم)، الذي كانت الفلسطينيات وما زلن يستخدمنه لأغراض طبية لبعض أوجاع الجسد والتدليك، كما أن فائدتها تعود على المرأة الحامل والمُرضعة لدرّ الحليب.

اليوم لم يُحْضر أبو عيشة للقواسمي الفطور المقدسي المعتاد، لكنه أحضر له الكُسبة وحضّرها أمامه، فوضع فوقها الكثير من السكر الأبيض، ثم الفستق الحلبي وبدأ بعجن المكونات معًا، ثم بدأ يشكّلها ويضع عليها جوز الهند، وقال إن بعض المقدسيين من القدامى كانوا يضعون السمنة أيضًا مع بقية المكونات، لكنه يفضّل عدم وضعها لكون الكسبة تحتوي على "السيرج"، وهذا كافٍ، ثم قدّمها للقواسمي بشكلها الجميل. اليوم سنحدّثكم عن المعصرة التي تُنتج هذه الكُسبة.

عند المفترق تمامًا ما بين سوق "خان الزيت" و"طريق الواد" في البلدة القديمة بمدينة القدس، يوجد ممر ضيق على يسارك، سيوصلك إلى درج في عقبة "الشيخ ريحان"، حيث إحدى معاصر القدس القديمة، التي ستشعرك عند الدخول إليها بقِدمها من قبابها وحجارتها التي تدلّل على عراقتها الأصيلة.

معصرة الطحينة تلك هي ملك لعائلة الجبريني منذ أكثر من 140 عامًا إلّا أن عمرها أكثر من 250 عامًا، وهي تُعتبر كنزًا حقيقيًا لأفراد العائلة الذين يسعون للحفاظ عليها بكل الطرق الممكنة، والتغلّب على تضييقات الاحتلال.

أحد أصحاب المعصرة اليوم هو إسحق الجبريني الذي يحدّثنا عن والده الذي كان أجيرًا حينما كان في الثامنة من عمره، وعمل فيها لأكثر من مائة عام، لكن مع احتلال القدس عام 1967 استطاع أن يصبح مالك المعصرة والعامل الوحيد فيها، وبعد أن صار عمره 108 سنوات لم يعد قادرًا على الاستمرار.

أُغلقت المعصرة لمدة تسعة شهور، لكن أبناء الجبريني قرّروا أن يعيدوا فتحها وأن يُحيوا المكان من جديد، رغم أن لديهم مهن أخرى، لكنهم تركوها بسبب هذا الكنز الذي تركه لهم والدهم.

كانت المعصرة تعمل بترخيص قانوني، إلا أن سلطات الاحتلال سحبت الترخيص بحجج "واهية"، ورغم أن العائلة قامت بتوفير كل ما يلزم من متطلبات وشروط من أجل إعادة العمل فيها من بنى تحتية، بلاط، كهرباء، ماء ومرافق، لم تمنحهم السلطات الإسرائيلية الترخيص.

أمّا عن الحجة بعدما نفّذوا كل ما طُلب منهم ويزيد، تذرّع الاحتلال بأن هناك قرار سياسي يمنع وجود أي مصنع في البلدة القديمة، ولذلك لا يُمكن إعطاء الترخيص.

عدم وجود ترخيص يُحمل صاحبه تبعات جدية ليست لصالح أصحاب المصانع في أي مكان، فلا يُمكنك أن تبيع منتجك في الأسواق الدولية أو أن تصدّر كميات كبيرة لبيعها في الخارج.

لكن ما يُمكن أن تفعله عائلة الجبريني هو البيع داخل المعصرة، فهناك زاوية صغيرة يستطيعون من خلالها عرض كل ما يتم إنتاجه، من الطحينة الحمراء أو السيرج، والبيضاء، وطحينة القزحة أو حبّة البركة، والدّبس، والكُسْبة التي أشرنا إليها في البداية.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: