"النبي صموئيل" .. القرية المهمّشة المنسيّة التي يستفرد الاحتلال بها

"النبي صموئيل" .. القرية المهمّشة المنسيّة التي يستفرد الاحتلال بها

القدس المحتلة - القسطل: هي إحدى القرى الفلسطينية المقدسيّة التي لا يطول أهلها سماء ولا أرضًا، فلا يُسمح لهم بدخول العاصمة المحتلة، والضفة الغربية إلّا بتصاريح أو تنسيق مُسبق مع الاحتلال الذي عزلها عن محيطها بعد بناء جدار الفصل العنصري.

قرية النبي صموئيل الواقعة شمالي غرب القدس المحتلة التي لم يعد يسكنها سوى 250 فلسطينيًا تقريبًا، سرق الاحتلال منها أراضيها آلاف الدونمات وأماكنها التاريخية وحوّل الطابق السفلي من مسجدها “النبي صموئيل” إلى كنيس يهودي لصلاة المستوطنين.

تفتقر القرية إلى العديد من مقومات الحياة مثل البنى التحتية والمراكز الطبية وسيارة الإسعاف والمحال التجارية التي قد تُساند في احتياجات السكان، كمان يمنعهم الاحتلال من البناء بدون تراخيص، وتتم عمليات هدم للمنشآت التي تُعتبر “غير قانونية” بالنسبة للسلطات الإسرائيلية ما بين الحين والأخر.

تقول الناشطة والمعلمة نوال بركات لـ”القسطل” إن قوات كبيرة من جيش الاحتلال اقتحمت قرية النبي  صموئيل أول أمس، وشرعت بعمليات هدم وتفكيك ومصادرة لعدد من المنشآت التي تعود لكل من؛ عيد وفادي بركات.

وأوضحت أن الاحتلال دمّر مرآبًا للسيارات، وأرضًا أشبه بحديقة وصادر محتوياتها، كما صادر بعض الأخشاب والمعدّات في كلا المنشأتين.

وأشارت بركات إلى أن الاحتلال يتذرّع في كل مرة بعملية “البناء بدون ترخيص”، إلا أنه في الحقيقة لا يمنح تراخيص بناء لسكان  النبي صموئيل التي تُعاني من ويلات الاحتلال منذ تهجير سكّانها وهدم منازلها ومصادرة أراضيها ما بعد عام 67.

وقالت “حتى التنقل ما بين القرية وأماكن أخرى في الضفة، والقرى المجاورة للنبي صموئيل، صعب جدًا، كوننا سنمرّ عبر الحاجز العسكري، ولا يُسمح لنا بإدخال المواد التموينية الرئيسية عبر الحاجز، وهذا ما يزيد من صعوبة الحياة”.

أمّا عن مسجد النبي صموئيل، فإليكم هذه المادة التي تُنشر بالشراكة مع شبكة قدس الإخبارية..

تضم قرية النبي صموئيل صرحاً أثرياً تستمد اسمها منه منذ أن أشرقت شمس الحضارة؛ إنه مسجد النبي صموئيل الذي كافح من أجل هويته فيما مضى وما زال يكافح وسيبقى.

تنسب تسمية قرية النبي صموئيل إلى "صموئيل" إذ يتوقع أن هذه القرية كانت مسقط رأسه ومقام قبره، وكانت تعرف بالعهد الروماني بقرية "مصفاة"، كما وعُرفت أيضاً "ببرج النواطير"، أما في كتب الرحالة فلم يتفق على تسميتها، فمنهم من ذكرها بـ"دير شمويل" ومنهم من ذكرها بـ"دير صمويل"، فاختلفت التسميات لكن القرية واحدة. أما بالنسبة لتسميتها الحالية فهي "قرية النبي صموئيل"، فمن صموئيل هذا الذي نسبت له القرية؟

إنه كما ذكرت بعض المصادر آخر قضاة بني إسرائيل، وقد رأى أن قومه قد ابتعدوا عن عبادة الله، فأخذ يسعى لإصلاح حالهم، وإصلاح اعوجاج أخلاقهم، إلا أن المؤرخ الطبري يذكر أنه نبي من أنبياء الله جاء بعد يوشع (عليه السلام)، وبالتالي فهو أول الأنبياء العبرانيين بعد موسى (عليه السلام)، كما وذكرت قصته بالقرآن في سورة البقرة، وإن لم يذكر اسمه صريحاً إنما تمت الإشارة له في عدة مواضع، أما اسمه الصريح فقد ذكر في سفر صموئيل في الكتاب العبري على أنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، لكننا لا نستطيع أن نجزم بالحقيقة؛ لتعدد الروايات، ونظراً لغياب شواهد أثرية أو كتابية عنه.

ومما لا شك فيه أن فلسطين، كل فلسطين هي أرض قد باركها الله وقد كانت مهوى قلب المؤمنين والأنبياء، والصالحين منذ الأزل، فلا تكاد قرية أو مدينة أو سفح جبل أو طرف صحراء يخلو من مقام، أو مزار، أو شاهد لنبي، أو لرجل صالح، أو لقديس، وكأن إليها يُجمع من في الارض.

خلاصة القول إن "صموئيل" قد يكون نبياً أو رجلاً صالحاً، ونحن هنا بصدد الحديث عن مقام اسمه "مقام النبي صموئيل" في قرية النبي صموئيل.

ضمّت القرية آثاراً كثيرة دلت على تعاقب الحضارات عليها فمر بها الكنعانيون، والفرس، واليونان، والرومان والبيزنطيون الذين بنوا ديراً في القرية حسب بعض الروايات، كما ومرت بها عصور الدولة الإسلامية الأموية والعباسية؛ حيث وُجدت آثار فخارية تعود لتلك الحقبة، وربما كانت القرية مركزاً لصنع الفخار في ذلك الزمن كما هو متوقع، ولم تتخطاها الحملات الصليبية بل وتركت أثراً فيها وهي كنيسة صليبية يقال إنها بنيت فوق الدير البيزنطي في حوالي عام 1157م، وخلّفوا أيضاً بقايا حظيرة محصنة، وخزانًا منقورًا في الصخر، وصهاريج، وأساسات ومدافن، ثم جاء صلاح الدين الأيوبي وحرر القدس في معركة حطين 1186م وبالتالي تحررت قرى القدس، فحول أجزاء من الكنيسة إلى مسجد، ودمر ما أنشأه الصليبيون من أسوار وأحصنة، ويعود لصلاح الدين الأيوبي الفضل في تأسيس أول تجمع سكني فيها.

وجاء العصر المملوكي والمعروف بأنه أولى للمقامات والقبور مكانة خاصة ومهمة، لذا فيعتقد أن الظاهر بيبرس قد قام ببناء مسجد القرية وتحديداً فوق قبر النبي صموئيل، وجاء العهد العثماني الذي حول الجزء المتبقي من الكنيسة إلى مسجد بالكامل وذلك عام 1523م، وتألف من ثلاثة طوابق، الطابق الأرضي عبارة عن مغارة، وللمسجد بالطبع مئذنة، وفيه عشر غرف واسعة، كما وتحيط به ساحات كبيرة تحوي آباراً وأشجار زيتون، ، فأولوه عناية خاصة بل وعدوه وقفاً إسلامياً تابعاً لهم.

جاء الاحتلال الإسرائيلي وحمل معه صفحة جديدة من التاريخ، صفحة كتبها بيديه التي لا تعرف سوى الكذب، ونقض الاتفاقيات، بل ونقد الروايات، ليغيب عن هذه القرية التاريخ الجميل الذي حملته بين كل أثر فيها.

 باءت محاولتهم في عام 1948 لاحتلال القرية بالفشل، إلا أنه وفي عام 1967 تم احتلال القرية ومورست عليها سياسات التهجير، والهدم، والحصار، وفُرضت عليها قيود مشددة من منع البناء، ومنع إدخال البضائع الاستهلاكية، والغذائية، والمستلزمات اليومية إلى القرية، فلا يوجد في القرية محل تجاري ولا حتى مركز للرعاية الصحية.

والأدهى من ذلك كله، تحريف التاريخ وتحويل نصف مسجد النبي صموئيل إلى "كنيس يهودي"، على الرغم من أن الحفريات الأثرية التي تجري منذ عام 1992 لم تظهر أي شيء يدل على آثار يهودية وأن الآثار هي إسلامية وعلى رأسها المسجد التاريخي، والذي يُستولى عليه بشكل تدريجي؛ حيث لم يبق فيه غير قاعة صغيرة لصلاة المسلمين، أما المستوطنين فيقيمون به مختلف طقوسهم التلمودية، ويمضون ليلتي الجمعة والسبت وأيام الأعياد اليهودية هناك، وينامون على سطح المقام وفي مدخله وأمام المسجد دون أن يعترضهم أحد.

وفي عام 1995 أعلن الاحتلال خطته لتحويل القرية إلى متنزه وطني باسم "متنزه النبي صموئيل الوطني" على كامل أرض القرية بما فيها المسجد التاريخي، ولتحقيق هذا الغرض جنحوا إلى اتباع إجراءات مشددة؛ من خلال ضرب المصلين، وإحاطة المسجد بأسلاك شائكة، وكاميرات مراقبة، ويمنع فتح المسجد أو بالأحرى القاعة الصغيرة التي بقيت للمسلمين، إلا في أوقات الصلاة ويغلق مباشرة، وقد تحقق الهدف المرجو من الخطة وأصبحت الحديقة تستقطب سائحين وزائرين أجانب وتقدم لهم الرواية الصهيونية على أنها حقيقة مغيبين الرواية الإسلامية والتي هي أصل تاريخ هذا المسجد.

المصادر:

دليل قرية النبي صموئيل، معهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، 2012.

مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، الجزء 8، قسم 2، 1991.

الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثالث، فلسطين.

محسن صالح وآخرون، دراسات في التراث الثقافي لمدينة القدس، 2009م.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: