ثورة على فنجان قهوة في مقهى الصعاليك
القدس المحتلة - القسطل: عرف سكان القدس منذ قديم الزمان المقاهي الترفيهية، التي تعتبر مكانا لشرب القهوة والشاي، والأرجيلة، وقراءة الصحف، ويمكن وصفها أيضا بأنها المكان الذي يحقق تواصلا بين البشر، ومع مرور الزمن، ابتدع أصحاب المقاهي فكرة لجذب الناس أكثر إلى هذا الحيز، الذي تحول من حالة اجتماعية وترفيهية، إلى مكان ثقافي يؤدي أغراضا وأدوارا أكبر من اسمه.
وفي القدس مقهى أثري اسمه الصعاليك، شهدت مقاعده على شخصيات مقدسية وعربية، ونوقش في زواياه قضايا المدينة، وساهم في ترسيخ الدور الوطني والنضالي وفي النهضة الصحفية والأدبية والتربوية للمدينة.
في هذا الشأن يقول الروائي المقدسي عيسى قواسمي: " يعتبر مقهى الصعاليك من أشهر المقاهي التي أقيمت في مدينة القدس، في المرحلة الأخيرة من العهد العثماني عام 1918، وأنشأه مختار الروم الأرثودوكس آنذاك عيسى ميشال الطبة.
وبحسب قواسمي فإن المقهى الذي أقيم فوق مصرف أغلقته سلطات الاحتلال البريطاني، سمي في بداياته مقهى "المختار".
وكان المختار الطبة، يسكن في حارة النصارى، ويعمل مديرا لمطبعة دير الروم الأرثودوكس، حيث مكنه عمله من التعرف على مشاهير الأدباء والساسة، ومنهم الشاعر الفلسطيني خليل السكاكيني، والمؤرخين سعيد جار الله وبندلي الجوزي والسياسي نجيب نصار.
وأضاف قواسمي: "بعدما افتتح المختار المقهى، نجح في جذب العشرات من مثقفي القدس إليه، وأصبحت تعقد ندوات أسبوعية فيه، وأشهرها ندوة عرفت باسم "حلقة الأربعاء" التي يحضرها العديد من الشخصيات الفلسطينية والعربية.
وتابع الروائي قواسمي: "من بين هذه الشخصيات: إسعاف النشاشيبي، وأصحاب جريدة فلسطين عادل جبر وعيسى داوود العيسى، بالإضافة إلى اسحاق موسى الحسيني، نخلة زريق، وخليل مطران وغيرهم، وشكلوا آنذاك ما عرف بحزب الصعاليك".
وأطلق السكاكيني عام 1921 على مقهى المختار اسم الصعاليك، فغلب الاسم الثاني على الأول واشتهر به.
واحتضنت جدران المقهى كل الحالة السياسية والوطنية والثقافية، في ذلك الزمن، إلى جانب كبار الشخصيات الفلسطينية والعربية وبالإضافة إلى الأسماء المذكورة سابقا، كان من رواد المقهى أيضا الشاعر أكرم زعيتر، ومؤسس منظمة التحرير الفلسطينية أحمد الشقيري، والأدباء عيسى الناعوري وأحمد سامح الخالدي، وخليل بيدس، والصحفيين بولس شحادة، وإيميل خوري والسياسي وسيم اللوزي وغيرهم.
ووفقا لقواسمي فإن مقهى الصعاليك شهد على الكثير من النقاشات الأدبية والفكرية والثقافية والسياسية وكان غالبية رواده من الحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت تجتمع فيه تحت الاحتلال الانجليزي ليقرروا كيف سيقاومونه".
وكانوا يطبعون البيان ويضعونه تحت صحون القهوة التي تقدم إلى الزبائن، بعيدا عن أعين المخابرات الانجليزية التي كانت منتشرة لمراقبة رواد المقاهي.
وتعود بداية ظهور المقاهي في مدينة القدس إلى القرن السادس عشر، حسب ما ورد في سجلات المحكمة الشرعية في القدس، وكان أول صانعي القهوة في المدينة، شخص يدعى أحمد القهوجي.
وأحمد القهوجي، بدأ بفكرة بيع القهوة، ثم أصبح يجلب الحكواتيين والكركوزات لجذب الناس أكثر، فانتقلت من المقاهي من ترفيهية إلى ثقافية.
وأشار قواسمي إلى أن المقاهي كانت عبارة عن نوادٍ ثقافية حيث أسسها بعض أعيان المدينة، ويرتادها بعض الأكابر.
وأدت المقاهي دورا اجتماعيا، حيث أوضح قواسمي أنه اذا جرت مشكلة أو قضية ملحة في البلد كان الكبار يجتمعون على فنجان قهوة وليحلوا القضية، ويتحدثون في مسائل الناس على فنجان قهوة، في القهوة.
وكان للمقاهي في مدينة القدس نقابة، وانتخب صاج الدين درويش القهوجي شيخا على طائفة القهوجيين في القدس عام 1590.
وأضاف الروائي عيسى قواسمي أن: "فكرة المقاهي تطورت تدريجيا وأصبحت تقدم المسرح الشعبي والروايات الشعبية (الحواكتي والكركوز)، وممن مارسوا تلك المهنة عبد النبي حسين الحكواتي الدمشقي الذي بدأها عام 1799، وجودت موسى الحلبي الذي كان حكواتي في مقهى عبد اللطيف في باب حطة، أواخر العهد العثماني".
وأشار قواسمي إلى أنه في ذلك الزمن كان لكل مقهى حكواتي معين، وتخصص أدبي معين، فمقهى علي بن زحيمان كان مختصا بالشعر والأدب ومقهى الصعاليك كان مخصصا للفكر والسياسة.
أما مقهى النابلسية في باب العامود فكان شاملا وكاملا لأنه في واجهة البلد، وهو مقهى تطرح فيه القضايا الأدبية والسياسية والاجتماعية، ويعتبر من أوائل المقاهي التي أدخلت الموسيقى والعروض الغنائية إلى البلد إلى جانب مقهى صيام الواقع في سوق القطانين في البلدة القديمة استمر العمل فيه إلى أن أغلق قبل بضعة أعوام.
ومن مقاهي باب العامود أيضا مقهى نجم وصيام وزعترة، الذي جلس فيه كبار الأطباء والساسة ليناقشوا كيفية التخلص من الاحتلال الانجليزي، وظل يمارس نشاطه النضالي حتى عام 1967، ثم أغلقه الاحتلال الإسرائيلي عام 1973.
وأردف قواسمي: "يوجد مقاهٍ للعائلات المقدسية أيضا مثل: مقهى النشاشيبية ومقهى داهود ومتري مستكلب".
وعدد قواسمي بعض المقاهي التي تأسست في منطقة باب الخليل وخارجها ومنها: قهوة داوود الأرمني، مقهى "حنانيا الراهب" ترجمان دير الروم، ومقهى "النيكفوريه" التي أسسها يوناني على الجبل، وقهوة السرايا.
الحمامات اقتباس عن المقاهي والقليل من الإضافات
ومن أقدم المقاهي في القدس أيضا بيت القهوة الذي تأسس في حمام علاء الدين البصيري في عقبة القرمي قبل العام 1578.
وأوضح قواسمي أن الحمامات أيضا أخذوا دورا ثقافيا كبيرا، ففي المناسبات الدينية يجتمعون رواده ويستحمون، ثم يعدون المأكولات في أفران البلدة القديمة، وبعدها يقومون بحلقات ذكر وأهازيج دينية أو حلقات ثقافية، ويحضرون الحكواتي والكركوز".
وبحسب قواسمي فإن الحمامات أخذوا الفكرة من المقهى لكنهم أضافوا إليها الاستحمام والأكل.
. . .