"ديروا بالكم على الكتب"..وصية المؤرخ المقدسي فهمي الانصاري
القدس المحتلة - القسطل: توفي اليوم المؤرخ المقدسي الأستاذ "فهمي الأنصاري" عن عمر يناهز "80 عاما"، الذي ولد في بلدة رأس العامود جنوب المسجد الأقصى، ملوحا لنا بيده مرددا "ديروا بالكم على الكتب"، في وصية غير مكتوبة ينقلها لنا الكاتب الفلسطيني إبراهيم جوهر عن شخص عرّفه لنا بأنه "رجل فكرة ظل يمسك بها رغم الفقر وقلّة ذات اليد".
يقول الكاتب إبراهيم جوهر لموقع "القسطل":" المؤرخ فهمي الأنصاري، رجل وهب نفسه لخدمة الكتاب الذي آمن بأنّه حامل الفكر وناقل المعرفة، وظل وفيّا لفكرته حتى بعدما غادر رفاقه باحثين عن حياة أكثر راحة".
وأضاف جوهر:" لشدّة عشقه للكتاب أرسل ابنه ليدرس (ترميم مخطوطات)، إضافة إلى خدمته لطلبة الدراسات العليا والباحثين بتوفيره الكتاب المطلوب والمكان الهادئ".
وكانت نواة مكتبة الأنصاري آلاف الكتب جمعها في بيته ومؤسسة إحياء التراث، ثم نقلها إلى مقر جريدة الفجر بالقدس التي أغلقت عام 1993، حيث طُلب منه حينها أن يُحافظ على إرثها ومنشوراتها، ليصبح تحت عهدته أيضا بعدها مؤسسة جمعية الدراسات العربية (بيت الشرق) منشوراتها أيضا.
أصبح الأنصاري أمينا لمكتبته يزودها بالدوريات والمخطوطات والدراسات والموسوعات، حتى أصبحت ملتقى الباحثين واستقبلت طلبة الجامعات والمثقفين، حيث كان الباحث المهتم يجد لديه ما لا يجده في المكتبات الأخرى.
وفي وفاة المؤرخ فهمي الأنصاري كتب المخرج والباحث الكبير رائد الدزدار "إنه يستحق جائزة شخصية العام الثقافية، الأستاذ فهمي الأنصاري خدم الثقافة اكثر من كل مؤسسات السقافة مجتمعة".
وأضاف:" الأستاذ فهمي له خدمات جليلة في التربية والتعليم لأكثر من ستين عاما وقد تتلمذ على يديه الاف الطلاب وقد أسس مكتبة الأنصاري الشهيرة في القدس لوحده وبأقل دعم من أي جهة رسمية وقد جمع في مكتبته اكثر من 50000 كتاب ومجلة بجهد ذاتي وكانت مكتبته مفتوحة لكل مراجع وباحث وطالب ولم يبخل باي معلومة واي جواب او استفسار".
ويكمل الدزدار:" لقد كانت مكتبته صالون ثقافي يجتمع فيهاالكاتب والشاعر والصحفي والاديب والطالب ينهلون من المعرفة والثقافة والأدب وكان لي الشرف ان اكون احد رواد واصدقاء المكتبة والسيد فهمي. سوف أقوم بمخاطبة ومناشدة وزارة الثقافة الفلسطينية بترشيح الأستاذ الكبير فهمي الأنصاري ليكون شخصية العام الثقافية للعام المقبل لانه فعلا يستحق وهذا أقل استحقاق و تكريم وتقدير يمكن للمؤسسة الثقافية الرسمية اعطاءه لهذا الانسان النبيل الذي حمل مكتبته على أكتافه طيلة عشرات السنين بدون كلل وبدون دعم حقيقي.
يذكر أن الأنصاري من أبرز الباحثين والمؤرخين في مدينة القدس المحتلة، وهو من القلائل الذين اعتنوا بالماضي والحاضر، وحفظت ذاكرتهم أوقاف المدينة وتاريخ عائلاتها وأنسابها.
ونعت وزارة الثقافة الأنصاري بعد أن أفنى عمره خدمة للثقافة الفلسطينية ودفاعا عن الهوية العربية الفلسطينية في القدس.
وقال وزير الثقافة عاطف أبو سيف إن الأنصاري واحد من أعلام الثقافة الفلسطينية في العامة، مؤكداً على أن مكتبة الأنصاري كانت على مدار أكثر من ستين عاما وتضم قرابة 50 ألف كتاب ومجلة كانت معلما من معالم المدينة، ومحجا لطلبة العلم والمعرفة.
وأشار أبو سيف إلى أن رحيل الأنصاري خسارة كبيرة للثقافة الفلسطينية، وأن الدروس المستلهمة من مقاومته لأجل مكتبته في القدس ستكون معينا في معركة الدفاع عن عاصمة الآباء والأجداد.
لكن عز مكتبة الأنصاري لم يدم طويلا، فطالتها يد الاحتلال "الاسرائيلي" المخربة، وأغلقت أبوابها في وجوه مرتاديها مجبرة وتفرغ من محتوياتها في عام 2014، بسبب تراكم ديون "الأرنونا" على المكتبة ل"750 ألف دولار"، ومطالبة بلدية الاحتلال الأنصاري دفع هذه الأموال رغم أنه كان مجرد أمين للمكتبة وليس مالكا لها.
يقول الكاتب الفلسطيني جوهر لـ"القسطل": لقد تحمل الأنصاري ضرائب الاحتلال " الأرنونا" التعجيزية المفروضة من بلدية الاحتلال "الاسرائيلية"، ورفض بيع مكتبته للجامعات الإسرائيلية لأنه رأى فيها روحا وتاريخا للقدس، لذا أبى أن يمتلكها غير أبنائها، لكنه مؤخرا غلبه الدين والإهمال فأغلق المكتبة لأنه اضطر لمغادرة المكان الذي صار معرضا تجاريا وانزوى حزينا".
تجدر الإشارة إلى أن الأنصاري يتعرض منذ خمسة أعوام للملاحقة القانونية من قبل بلدية الاحتلال، ويبحث عن مكان يأوي العدد الضخم من كتبه، التي توزعت في غرفة نومه ومعيشته داخل بيته الصغير، ونقل ما تبقى الى غرفة مهملة داخل صناديق كرتونية ببلدة العيساوية في مدينة القدس المحتلة.
. . .