“التأمين والداخلية” .. أذرع الاحتلال التي تُطبّق قوانين مُجحفة بحق المقدسيين
القدس المحتلة - القسطل: قوانين جائرة ومُجحفة، تسعى من خلالها سلطات الاحتلال لإنهاك المقدسي وإخراجه من مدينته القدس التي باتت في ليلة وضحاها عاصمة لدولة الاحتلال، تتسابق على سنّ القوانين المتعلّقة بذلك، والتي تُطبّقها مؤسساتها وأذرعها، أهمّها وأشرسها مؤسسة التأمين الوطني “الإسرائيلي” ووزارة داخلية الاحتلال.
قانون مركز الحياة، الولاء لدولة الاحتلال، وخرق الأمانة، تقع ضمن قوانين الاحتلال التي يحاول من خلالها تقليص عدد المقدسيين في المدينة، ليصبحوا أقلية على المدى البعيد، لصالح الوجود اليهودي.
الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة يقول لـ”القسطل” إنه مع احتلال “إسرائيل” لمدينة القدس عام 1967، منحت الـ66 ألف مواطن فلسطيني مقدسي ممن ظلّوا داخل حدود المدينة، صفة “الإقامة”، ولم تمنحهم صفة “المواطنة”.
ويوضح أن الفرق بين الحالتين شاسع جدًا، إذ أن الأول حق أبدي لا يُمكن لأحد إلغاؤه بأي شكل من الأشكال، إلا ضمن ظروف معينة، مرتبطة بشكل أساسي بـ”أمن الدولة”، أما في الحالة الثانية- حق الإقامة- فهذا يعني أن وزير داخلية الاحتلال يملك الصلاحيات في كل الأوقات لإعطاء تعليمات تمكنه بموجبها من حرمان أي شخص من الإقامة في مدينة القدس.
ويُشير إلى أن “إسرائيل” طبّقت قانون الدخول إلى دولة الاحتلال عام 1952 والذي طُبّق على سكان مدينة القدس بشكل خاص، فكان الهدف منه تحديد مركز الحياة والإقامة للفلسطينيين داخل مدينة القدس، وربط الحصول على الحقوق بتحديد مركز الإقامة فيها.
يبين هلسة أنه لا يُمكن النظر إلى قانون التأمين الوطني بمعزل عن قوانين الاحتلال الأخرى التي تتعلق بالإسكان والبناء، والضرائب (الأرنونا) التي تُفرض على كل مقدسي، وغيرها من القوانين، وجميعها تشكّل عوامل ضغط وجذب، إمّا أن يبقى الفلسطيني محافظ على هويته الوطنية الفلسطينية، ويرضى بنوع من الامتيازات اللي منحته إياها قضية “حق الإقامة”، ويتعايش مع هذا الواقع ويدفع الالتزامات المترتبة عليه، ويبقى في إطار أنه مُقيم كأي أجنبي في المدينة، ويُنزع منه هذا الحق متى شاءت دولة الاحتلال.
في أي حالة تُسحب الإقامة من المقدسيين ؟
منذ احتلال شرقي مدينة القدس عام 1967 وحتى اليوم، تم سحب إقامة نحو 16 ألف مقدسي بذرائع مختلفة، بحسب ما أفاد به هلسة، وقال: “جزء من المقدسيين لم يستطع إثبات مركز الحياة، وجزء آخر سُحبت منه تحت “ذرائع أمنية” تمامًا كما حصل مع عوائل الشهداء الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال، والبعض الآخر تحت حجج “أمنية” أيضًا مثل نواب حركة “حماس” الذين أُخرجوا من القدس، أي خارج حدود بلدية الاحتلال.
وبيّن أن هناك أيضًا فئة سُحبت منها الإقامة، مثل بعض المقدسيات المتزوجات من فلسطينيين من الضفة المحتلة، حيث تقدّم طلب إقامة لزوجها، لتُحرم في النهاية وتفقد حقّها في الإقامة، بحجة أن الزوج يسكن في منطقة الضفة، وكأنها تقول للمقدسية: “ما دام زوجك يسكن في الضفة فأنت تلقائيًا تسكنين معه، أي خارج حدود البلدية”، وبالتالي تحرم دولة الاحتلال المقدسيات من الإقامة في المدينة عن طريق التحايل.
ما تقدّمه مؤسسة “التأمين” وجعلِ المقدسي ما بين نارين
تقدّم مؤسسة التأمين الوطني “الإسرائيلي” مزايا للمقدسيين تجعلهم ما بين نارين، إمّا أن يبقى داخل حدود المدينة، وبالتالي عليه تقديم كافة الالتزامات المفروضة عليه، ويعيش الضائقة السكنية وضائقة التعليم، وضرائب “الأرنونا”، وهذا ما لا يطيقه كثير من الفلسطينيين فيضطرون إلى مغادرة القدس -خارج حدود البلدية- أو أن يلجأ لخيار “حق المواطنة” وطلب الجنسية.
يوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي لـ”القسطل” أن مؤسسة “التأمين” تقدّم للمقدسي مستحقات الرعاية الاجتماعية، الصحية، إعانات البطالة، إعانات لذوي الاحتياجات الخاصة، دفعات الدعم للأطفال وكبار السن، وهذه الحزمة التي تقدّمها الدولة دائمًا ما تربطها باشتراطات، وهنا يكمن الخوف بحسب هلسة.
ويضيف أن الخوف يكمن في قضية تلاعب “إسرائيل” في هذه الامتيازات لدفع المقدسي إما على استمراره في دفع كافة التزاماته حتى لا يفقد امتيازات التأمين الوطني من خلال إثبات مركز حياته داخل مدينة القدس، أو أن يفقد هذه الامتيازات بإحدى الطريقتين، إما بخروجه خارج حدود البلدية، أو الخيار الآخر الأكثر مرارة بالنسبة للمقدسي وهو “الحصول على الجنسية الإسرائيلية”.
ما الأهداف التي يسعى لها الاحتلال من خلال تلك القوانين؟
يؤكد هلسة أن هذه السياسة التي يتّبعها الاحتلال مع المقدسيين هدفها دفع أهل القدس للعيش خارج حدود بلدية الاحتلال، وتفريغ المدينة من سكانها لصالح الوجود اليهودي، مضيفًا أن “إسرائيل ليست معنية بالسكان، بل بالجغرافيا وحدود مدينة القدس”.
ويلفت إلى أن دولة الاحتلال تخطط أن يكون في مرحلة معينة- بعد عدة سنوات- عدد السكان اليهود داخل حدود المدينة يزيد على 70 بالمائة مقابل 30 بالمائة أو أقل للوجود العربي في القدس، وهذا هدف بعيد المدى لما تخطط له “إسرائيل” من خلال عدة قوانين أهمها قانون “التأمين الوطني”.
التأمين الوطني “الإسرائيلي” بنك معلومات لداخلية الاحتلال
رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، يوضّح أن مؤسسة التأمين الوطني هي ذراع من أذرع سلطات الاحتلال في القدس وكل فلسطين للوسط العربي، وأنها مؤسسة تجمع معلومات تدّعي أنها تجمعها للحفاظ على رفاه المواطنين وتحسين مستوى حياتهم، لكن في الحقيقة هي مؤسسة تساهم بشكل كبير خاصة في القسم الشرقي من مدينة القدس، في إعطاء معلومات واضحة عن المقدسيين في قضية إقامتهم داخل المدينة.
ويلفت لـ"القسطل" إلى أن محققي التأمين الوطني ينقلون الصورة الواضحة عن إقامات المقدسيين، وكذلك استحقاقهم لمساعداتهم مثل ضمان الدخل، أو الرفاه الاجتماعي، أو التأمين الصحي، والتأمين الوطني للأطفال، وهي بالتالي مؤسسة عبارة عن بنك معلومات تدعم وزارة داخلية الاحتلال في معلوماتها من أجل العمل على تقليص عدد المقدسيين في المدينة.
دولة الاحتلال تسعى إلى تقليص عدد المقدسيين داخل المدينة، وتقليص نسبتهم ليصبحوا أقلية هامشية لا تساهم في رسم الصورة الحضارية للمدينة، هذا موضوع ليس سرًا ولم تخفه سلطات الاحتلال، بل تتحدث فيه بشكل كامل، بحسب الهدمي، ويبيّن أن هناك تصريحات كثيرة من زعامات الاحتلال سواء الرسميين وغير الرسميين تتحدث عن أرقهم من الواقع الديمغرافي في المدينة ورؤيتهم للتكاثر الفلسطيني في القدس، وكيف السبيل لكبح جماح هذا التكاثر والسيطرة على الميزان الديمغرافي بحيث يبقى المقدسيون أقلية هامشية.
ويؤكد على وجود تعاون واضح بين مؤسسة التأمين الوطني “الإسرائيلية” ووزارة داخلية الاحتلال من أجل تبادل المعلومات والعمل على إخراج أكبر عدد من المقدسيين خارج حدود بلدية الاحتلال وإفقادهم حق الإقامة الدائمة في القدس، وبالتالي حق التجول في كل فلسطين المحتلة.
سحب الهويات والإقامات بناءً على قانون مركز الحياة وقضايا أخرى
يعتبر الهدمي أن قانون مركز الحياة الذي سنّه برلمان الاحتلال “الكنيست” هو أحد القوانين المُجحفة التي طُبّقت على المقدسيين فقط ولم يُطبّق على من يحمل “الجنسية الإسرائيلية”، والهدف منه التخلص من أكبر عدد من المقدسيين.
وهنا يُلفت الهدمي إلى موضوع “لم الشمل” الذي أوقفه التأمين الوطني، وبالتالي داخلية الاحتلال أوقفت عمليات لم الشمل بهدف عدم جلب المزيد من المقدسيين للسكن داخل المدينة المقدسة أيضًا، بناء على حالات زواج ما بين أهل مدينة القدس وأهلنا في الضفة المحتلة.
وبالعودة إلى قانون مركز الحياة، فإن على كل من يحمل الهوية “الإسرائيلية” من المقدسيين أن يكون مركز حياته في القدس، من خلال دفع فواتير الهواتف، الماء، الكهرباء، الأرنونا (ضريبة السكن)، وبالتالي هو يستحق الإقامة فيها - بحسب الاحتلال-، ومن لم يستطع أن يُثبت ذلك، يتم سحب الإقامة منه، لأنه “أخل بهذا القانون” بحسب سلطات الاحتلال، وهو قانون مُجحف وعنصري يطبّق على المقدسيين فقط.
قانون آخر سنّه برلمان الاحتلال “الكنيست”، يُمكّن من سحب الإقامة من المقدسيين، يفيد الهدمي، وهو قانون “الولاء لدولة إسرائيل” و”خرق الأمانة”، هذا القانون تم سنّه بعد ظهور قضية نواب مدينة القدس الذين تم انتخابهم وفق اتفاقية “أوسلو”، لكنّ الاحتلال أخرجهم من القدس وسحبَ إقاماتهم بعدما ادّعى انتماءهم لـ”منظمة إرهابية- حماس”.
ويضيف رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، والمختص في الشأن المقدسي، أن هذا القانون مبنيّ بطريقة تُخالف القانون الدولي. فالقانون الدولي ينظر لأهل مدينة القدس على أنهم شعب تحت الاحتلال، وأي شعب تحت الاحتلال يحق له أن يُقاوم المحتلّ بشتى السبل، ولا يجوز لدولة الاحتلال أن تُنكل بهذا الشعب أو تغير واقعه، أو أن تُجبره على ترك أرضه أو مكانه الذي يعيش فيه، وكل ما تجريه سلطات الاحتلال بحق المقدسيين يعتبر باطلًا ولا يجوز جلب شعب آخر ليعيش معه على أرضه كما يجري من إدخال بؤر استيطانية داخل مدينة القدس.
لكن بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الكيان، أصبح الواقع مختلفًا، كما يوضح الهدمي، ويقول إن الواقع القانوني انتقل من كون المقدسيين شعب ومدينة تحت الاحتلال إلى مقيمين داخل عاصمة دولة أخرى، هم لا ينتمون إليها ولا يحملون جنسيتها، فوجودهم في هذه العاصمة مشروط بالتزامهم بالقوانين، وعدم قيامهم بأعمال مخلّة بالأمن، وأن قوانين هذه الدولة تستطيع وزارة داخلية الاحتلال أن تطردهم خارج المدينة إذا أخلوا بقانون “الولاء” أو إذا قاموا بأمر يعارض أو يهدد أمن هذه الدولة أو مواطنيها.
منذ احتلال القدس تم سحب 14 ألفًا و650 إقامة ..
يقول المختص في شؤون القدس، إسماعيل مسلماني إن قوانين الاحتلال التي سنّها برلمان الاحتلال ويسنّها في كل وقت وحين، هدفها إنهاك المقدسي وزيادة معاناته لدفعه على الرحيل.
ويضيف أن وزارة داخلية الاحتلال والتأمين يعتمدان على بعضهما البعض في الحصول على معلومات عن المقدسيين ومركز حياتهم، فإمّا أن تحرمهم من حق الإقامة في القدس، أو أن تمنحهم إياها وبالتالي عليهم تحمّل كافة الأعباء المترتبة على ذلك.
ويشير إلى أن “إسرائيل” تحاول أن تجعل مدينة القدس “إسرائيلية” بامتياز، وجعل الفلسطينيين هم الأقلية، عبر تفريغهم من المدينة بكل وسائلها ومخططاتها من خلال تعجيزهم وإنهاكم بالأوراق المطلوبة منهم من التأمين والداخلية، ليصل المقدسي لمرحلة من مراحل القهر والظلم والمعاناة الشديدة ليضطر إمّا إلى السفر أو أن يعيش خارج الجدار.
سلطات الاحتلال سحبت منذ عام 1967 وحتى عام 2019 نحو 14 ألفًا و650 إقامة لمقدسيين، تحت ذرائع مختلفة، بحسب ما أفاد به مسلماني لـ”القسطل”.
ويوضح أنه خلال عام 2019 تم سحب إقامتين، وفي عام 2018 سُحبت 13 إقامة، ويُلفت إلى أن عام 2015 كان الأكثر عنصرية وتشريدًا، حيث تم سحب 87 إقامة.
عام 2015 تم استهداف عوائل الشهداء الفلسطينيين في القدس المحتلة، وتم سحب إقامات العشرات منهم كعقوبة لهم على ما فعله أبناؤهم من عمليات ضد الاحتلال، وردع لآخرين يحاولون مقاومة المحتل ويخططون لأي فعل مُقــاوِم.