قصة المقدسي المقاتل محمد أبو حبسة.. وُلد تحت شجرة وأضحى بلا مأوى

قصة المقدسي المقاتل محمد أبو حبسة.. وُلد تحت شجرة وأضحى بلا مأوى
القسطل - القدس المحتلة: "عام 1949 وُلدتُ تحت شجرة، بينما أمي في شهرها التاسع تتكئ على جذع شجرة، تتثاقل خطاها حيرًة من آلام المخاض المنذرة بقدوم المولود الجديد في مكان غير مهيئٍ للولادة من ناحية، ومحاولة الهرب من الاحتلال الذي هدم القرية على رؤوسهم من ناحيةٍ أخرى". هكذا بدأ محمد أبو حبسة  71 عاماً قصته كلاجئٍ فلسطيني من قرية ساريس المهجرة غرب القدس المحتلة، التي هدمها الاحتلال، وكان منزل عائلته أحد تلك البيوت المهدمة، ما دفع العائلة حينذاك للهروب بحثاً عن مكان أكثر أماناً، وكان مخيم قلنديا الذي منحته الأونروا للاجئين والمكون من غرف سكنية صغيرة الملاذ الوحيد لهم. لم يرضَ محمد أبو حبسة " أبو صالح" عند سن البلوغ بكل الذي يحصل في وطنه، وانخرط  دفاعاً عنه، وعلى إثر ذلك اعتُقل عام 1975 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة إضافة لهدم منزله. يقول محمد لـ"القسطل":" زارني والداي قبل الهدم ولم يستطيعا التعرف علي لكثرة التعذيب الذي تعرضت له، لكن أمي ميزت صوتي فعرفتني، كانت تلك آخر مرة رأيت فيها أمي، بعذ ذلك وحسب ما أخبرني الناس، كانت أمي عائدة من مدينة رام الله تحمل سلة قش فيها بعض الخضار والفواكه، وعندما وصلت المخيم  وجدت بيتنا أصبح كالملعب، لا بيت لقد سُوّيَ بالأرض، كان جيش الاحتلال في طريقه للخروج بعد هدم البيت، وعندما رأى الضابط  أمي قرر أن يُقلل من عزيمتها، فأخبرها أن هذا جاء نتاج عمل ولدك المخرب محمد، فما كان منها إلا أن زغردت بأعلى صوت ومعها نساء المخيم بمعنويات عالية، لم يعجب ذلك الضابط فضربها على صدرها ببندقيته، فأغمي عليها ونقلت إلى المشفى وظلت على تلك الحال حتى استشهدت، توفيت أمي وأنا في السجن لم أستطع توديعها ولا أظن أني أقدر على وصف قساوة الأمر وأثره النفسي على قلبي". بعينين غائرتين دامعتين، وصف أبو صالح تفاصيل القهر الذي تعرض له، لكن ولحسن حظه عام 1985 خرج من الأسر في صفقة الجليل لتبادل الأسرى أي بعد عشر سنوات لكن الفرح لم يكتمل، ففرضت عليه بعد ذلك الإقامة الجبرية في المنزل مدة 8 سنوات أخرى تخللها مجموعة اعتقالات مراتٍ أخرى كان آخرها عام 1995. ولم تكن تلك المرة الأخيرة التي يهدم فيها الاحتلال منزل أبو صالح، ففي عام 2016 صادقت محكمة الاحتلال على هدم منزله للمرة الثالثة على التوالي، وهذه المرة كانت بسبب قيام ابنه الأصغر عنان بعملٍ ضد "إسرائيل" أمام باب الخليل في القدس المحتلة. يتكئ أبو صالح على المقعد ويبتسم بحزن ليخبرنا أن عنان كان ابنه الأصغر المدلل المحبوب من كل الناس، متعدد المواهب ويحب الرياضة  ماهر في السباحة وركوب الخيل اجتماعي ويحب مساعدة الناس، اعتقله الاحتلال وهو طفل بعمر ال 15 عاماً، وبعد خروجه من السجن أكمل دراسته في الحاسوب تفوق وعمل، لم يلحظ أحد عليه أبداً نيته بالإقدام على أي عمل لأجل الوطن. في صباح الثالث والعشرين من ديسمبر 2015 أطلق جنود الاحتلال النار على عنان واستشهد، وبعد سبعة أشهر، في ليلة عيد الأضحى فجر الرابع من يوليو  2016  دخل قرار الهدم حيز التنفيذ يروي محمد حبسة التفاصيل:" أبلغنا أن الاحتلال ينوي هدم كامل المنزل للمرة الثالثة، يتكون المنزل من 3 عائلات و 3 شقق، أفرغنا المنزل من محتوياته كاملة عدا سرير ظللت أنام فيه وحدي في المنزل قبل الهدم، بينما استأجرت منزلاً آخر لباقي العائلات، وبدأت قلوبنا تخفق وتترقب، لم أكن في المخيم حينما دخل الجيش للتنفيذ وردني اتصال هاتفي فركبت سيارتي على عجالة وقدتها على عُجالة، وحين وصلت لم يسمح لي الاحتلال بالاقتراب من منزلي، ذهبت لشرفة الجيران وراقبت الأمر عن كثب، وعند الفجر فجروا بيت  ولدي عنان الذي كان في الطابق الأخير، لكن قوة التفجير أثرت على باقي المنازل فأصبحت تحتاج الترميم ولا تصلح للعيش، تشردت ثلاث عائلات وخسرت ثلاثة منازل". ويعتبر هدم المنازل أحد الوسائل التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية كوسيلة عقاب جماعي  تحت ادعاءات الردع والتأديب، وسياسية العقاب الجماعي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، هذا وقد بلغ عدد البيوت التي هدمها جيش الاحتلال في الضفة الغربية من تاريخ 2015 وحتى 2020 قرابة السبعين منزلاً. يقول أبو صالح إنه لم يعد يكترث فقد اعتاد على عمليات الهدم المستمرة، لكن باقي أفراد العائلة لم يستطيعوا فتح حقائبهم المحزومة أملاً بقرار يلغي عملية الهدم فيعودوا لمنازلهم، لكن عبثاً، عانت العائلة من انهياراتٍ نفسية متتالية، ولم يكن باليد حيلة أبو صالح وحده يبكي ويمشي بينهم يقدم لهم كلمات المواساة ويحاول التخفيف عنهم. يتابع محمد أبو حبسة حديثه لـ"القسطل":" لم يسمح لنا الاحتلال بإعادة بناء بيت عنان، وهم لا يكتفون بذلك فيداهمون البيت بين فينة وأخرى ليلاً  كي يتفقدوا المنزل هل خرقنا قرار عدم السماح بالبناء أم لا، يأتون بعنجهية فيعيثون في البيت خراباً ثم يرحلون، لكن على الأقل استطعتُ ترميم المنازل الأخرى بصعوبة بالغة، بلغت تكلفة الترميم 60 ألف دولار ولم أطلب من أحد المساعدة لكن العائلة تشتت شملها مدة سنة كاملة حتى استطعنا العودة لمنازلنا، كانت الأحداث متتالية وسريعة ومجهدة ".  ملجأ ومأوى الإنسان هو مسكنه وسكينته وعندما يختفي البيت بين عشية  وضحاها أثر ذلك يكون قاسياً جداً، ويستمر لسنينَ طوال، الإيمان والصبر وحدهما يجعلان محمد حبسة صامداً أمام الظلم الذي يواجهه، وهناك شيءٌ آخر أيضاً، زيارات ولده عنان له في المنام، التي في كل مرة تكون بلسماً وسعادة على قلب والده – حسب وصفه-، يقول محمد:"الشهيد يعطينا الحياة لأنه إنسان قدم أغلى ما يملك في سبيل الوطن، ورغم ولادتي تحت شجرة بلا مأوى وهدم منزلي ثلاثاً إلا أن وطني يستحق الأكثر".
. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: