كنيسة القديسة حنّا.. معلم داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس

كنيسة القديسة حنّا.. معلم داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس
القدس المحتلة - القسطل: تقع كنيسة القديسة حنه (سانت آن) المملوكة لكنيسة الروم الكاثوليك، شمال الحرم القدسي، بين باب حطة وباب الأسباط؛ حيث أتى السيد المسيح بإحدى معجزاته؛ بناها البيزنطيون في القرن الخامس الميلادي، في المكان الذي يؤمن المسيحيون أنه منزل يواكيم وحنا (والد مريم العذراء ووالدتها). وفي هذا المكان بنيت كنيسة عرفت باسم “كنيسة مريم البتول” سنة 530م، ويظهر أن هذه الكنيسة احترقت مع ما احترق من ممتلكات النصارى على يد الفرس سنة 614م؛ فأعاد الصليبيون بناءها عندما احتلوا القدس سنة 1099م، وكانت تدعى كنيسة القديسة حنة.  وجعل صلاح الدين هذه الكنيسة رباطًا للصالحين، ومدرسة للفقهاء الشافعيين سنة 1188م.  كانت هذه الكنيسة تعرف فيما مضى بـ "صند جنة"، وسميت بعد الفتح الصلاحي “بالصلاحية”.  وحدث زلزال خلال المدة الواقعة بين 1821م و1842م، هدمت على إثره جدران الدير، فنقلت الحكومة العثمانية حجارته، وبنت الثكنة العسكرية المجاورة له.[1] وعندما انتهت حرب القرم بانتصار تركيا (1855م)، سلم السلطان عبد المجيد هذا المكان إلى نابليون الثالث؛ اعترافاً بفضل فرنسا التي عاضدت تركيا في حربها مع الروس؛ وسلمه المتصرف كامل باشا إلى الفرنسيين (1856م)، وأنشئت فيه مدرسة ثم قلبت إلى كلية اكليركية (1882م).  وفي الحرب العالمية الأولى عام 1914م احتلها الجيش التركي، وحولها القائد التركي جمال باشا إلى كلية إسلامية سماها "كلية صلاح الدين"؛ وأما الكنيسة فلم يمسها ضرر.  ولما احتل الإنجليز القدس سنة 1917م أعادوا العمارة إلى الآباء البيض؛ فأنشأ هؤلاء فيها مكتبة ومتحف.[2] من أشهر من قام برعاية مبنى الكنيسة الحالي الملكة ميلزندا (توفيت 556 / 1161)، زوجة بولدوين الثاني (حكم في الفترة 1118 – 1131) وملك القدس الافرنجي ووالدة بولدوين الثالث (حكم في الفترة 1143- 1162)؛ والسلطان صلاح الدين الأيوبي (حكم في الفترة 564 - 589 / 1169- 1193).[3]      وفي العهد الفاطمي، تحوّل الموقع إلى دار لتدريس العلوم، وبقي كذلك إلى أن قدم الفرنجة وبنوا الكنيسة الحالية. بقي الموقع في أيدي الصليبيين ما يقرب القرن حتى حرَّر صلاح الدين الأيوبي مدينة القدس في عام 583 / 1187، وحوّل الكنيسة إلى مدرسة لتدريس الفقه الشافعي. ولم يُخِل تحويل الموقع إلى مدرسة إسلامية بمكانة الموقع وأهميته السابقة في العقيدة المسيحية. فقد أظهر الأمير فخر الدين، أمير حماة ومن أقرباء السلطان صلاح الدين، تقديره للمكان إذ قام بكنسه وغسله بماء الورد بنفسه. كذلك، سُمِح للآباء الفرنسيسكان بالاستمرار بإقامة الشعائر الدينية في المبنى أيام الأعياد. وسُمِح أيضاً للحجّاج بزيارته، حيث كانوا يقصدون المغارة الواقعة أسفل المبنى. وهذا يدل على سياسة التسامح التي اشتهر بها القائد صلاح الدين. فيما هُجر الموقع في أواخر القرن 12/ 18. وعلى إثر مساعدة فرنسا للدولة العثمانية في حرب القرم ضد روسيا، طلب الإمبراطور نابليون الثالث (حكم في الفترة 1268 – 1287 / 1852 - 1870) من السلطان عبد المجيد (حكم في الفترة 1255- 1277/ 1839- 1861) منحه الصلاحية لإعادة المبنى كنيسة، فتم ذلك.[4] يقوم المبنى إلى الشمال من حديقة يتوسطها تمثال للكردينال لافيجري (1825- 1892) مؤسس رهبانية الآباء (The White fathers). ويمكن الدخول إلى الكنيسة عبر باب يقع إلى الجنوب من المدخل الرئيس الأوسط المفتوح في واجهة الكنيسة الشمالية. ويمكن قبل الدخول إلى الكنيسة مشاهدة الأثر الوحيد الباقي فيها الذي يشير إلى أن المبنى كان في السابق مدرسة للفقه الشافعي، وهو لوحة طولها 144 سم وعرضها 50 سم تحتوي على نقش كتابي تأسيسي كتب بخط النسخ الأيوبي البارز ويتكون من خمسة أسطر. ونص النقش كما يلي[5]: "بســـم الله الــرحمــن الــــرحيم ومـــا بكم من نعمة فمن الله هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شادي محيي دولة أمير المؤمنين أعز الله أنصاره وجمع له بين خير الدنيا والآخرة على الفقهاء من أصحاب الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه في سنة ثمان وثمانين وخمس مائة."      المسقط الأفقي للكنيسة مستطيل تشغله ثلاثة أروقة أوسعها الأوسط، أي أن الكنيسة تتبع تخطيطاً بازيلكياً. وأرضية الكنيسة مفروشة بالرخام، وسقفها عبارة عن أقبية متقاطعة تستند على عقود قوطية تستند بدورها على مجموعة من الدعامات الحجرية المستطيلة. ويغطي سقف حنية الكنيسة، حيث يوجد المذبح، نصف قبة ضحلة تستند على عقود ضخمة. والكنيسة قليلة الزخرفة، وهي بذلك متأثرة بتعاليم القديس بندكتوس (حوالي 480 – 547). وهكذا، فإن ما يوجد من زخرفة يكاد ينحصر في تزيين المذبح بنحت بارز نفذه الفنان فيليب كيبلان في الفترة الحديثة (عام 1954)، ويصور مشاهد من البشارة وميلاد المسيح واحتضان السيدة مريم للمسيح بعد إنزاله من الصليب حسب العقيدة المسيحية؛ وفي زخرفة بعض تيجان الأعمدة، حيث يُشاهد رأس ثور وهو يرمز إلى القديس لوقا، وتمثال للنصف الأعلى لإنسان وهو يرمز إلى القديس متّى، وبعض تيجان الأعمدة غير المكتملة. وتضم الكنيسة مغارة طبيعية يعلوها اليوم قبة حجرية حديثة ويتقدمها مذبح صغير. والمغارة هي المكان الذي حُدِّد فيه ميلاد مريم والدة المسيح حسب ما هو متعارف عليه في التقليد المسيحي الشرقي، وأقيمت عليه الكنيسة التي نشاهدها اليوم.[6] تقع كنيسة القديسة حنة أو ما كان يوما مدرسة للفقه الشافعي باسم المدرسة الصلاحية على ُبعد حوالي عشرين مترا إلى الغرب من باب الأسباط في الجهة الشمالية من طريق المجاهدين. والموقع مفتوح للزيارة طيلة ايام الاسبوع ما عدا يوم الأحد، ويغلق الموقع في ساعات الظهر 12-2، والدخول مقابل رسم باستثناء الجمهور المحلي. وبعد الولوج من المدخل، توجد مكاتب الإدارة (ت 6281992) وشباك الرسوم إلى الغرب (شمال الداخل) في حين تقوم الى الشرق (اليمين) دورات مياه. على بعد بضعة خطوات من المدخل توجد حديقة غنّاء يتوسطها تمثال للاب لافيجري مؤسس رهبنة الاباء البيض، وهذه الحديقة تقوم مكان دير الراهبات الذي أسس في عهد الفرنجة.[7] لهذا الموقع تاريخ حافل ونشط منذ أواخر العصر اليوناني وحتى يومنا هذا. ففي البداية أقيم في هذا الموقع بركة كبيرة مكونة من حوضين (الشمالي40×40 م. والجنوبي 65×50 م.) يفصل بينهما سد طوله 60 م. وسمكه 6 م. لتجميع المياه، ما لبث ان تجمع حولها المرضى طلباً للشفاء من إله الطب الوثني سرابيوس اسكلابيوس(Serapis Asclepics). والمعروف إن آثار وبقايا هذه العبادة قد شاهدها السيد المسيح، وقام في هذا المكان بمعجزة شفاء المريض، ليعلن بأن الشافي الحقيقي هو الله.[8] وعلى أثر هذه المعجزة، واعتماداً على التقليد الشرقي، الذي يرى في المغارة القريبة من البركة مكاناً وضعت فيه القديسة حنة السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليه السلام، فقد اصبح هذا الموقع محط اهتمام المسيحيين، حيث بدأ الأمر بزيارة المغارات المجاورة، وتطور في العهد البيزنطي الى بناء كنيسة ضخمة فوق البركة امتدت إلى منطقة معبد الطب الوثني، لكن هذه الكنيسة هدمت أثناء الغزو الفارسي، مما حدا بالراهب مودستوس إلى إعادة بنائها. وفي فترة الفرنجة تم بناء كنيسة صغيرة لذكرى شفاء المسيح للمريض المقعد فوق أنقاض الكنيسة البيزنطية، وأخرى كبيرة فوق المغارة التي يعتقد أن السيدة مريم قد ولدت فيها. وهذه الكنيسة لا تزال قائمة محتفظة بأصولها وتخطيطها الإفرنجي، وهي من أجمل كنائس فلسطين.[9] يتكون داخل الكنيسة من مسقط مستطيل يشغله ثلاثة أروقة (أجنحة) أوسعها الأوسط، والكنيسة بهذا تتبع نظام البازيكا. وأرضية الكنيسة مفروشة بالرخام وأما سقفها فهو عبارة عن أقبية متقاطعة تستند على عقود قوطية وهذه بدورها تقوم على مجموعة من الدعامات الحجرية المستطيلة. وسقف حنية الكنيسة حيث يوجد المذبح يغطيه قبة نصف دائرية ضحلة تستند على عقود ضخمة. ويلاحظ أن الكنيسة قليلة الزخرفة بتأثير من القديس بندكتوس، وما يوجد من زخرفة يكاد ينحصر أولاً في تزين المذبح بنحت بارز نفذه فيليب كيبلان عام 1954 ويصور مشاهد من البشارة وميلاد المسيح واحتضان السيدة مريم للمسيح بعد إنزاله عن الصليب حسب العقيدة المسيحية، وثانياً في زخرفة لبعض تيجان الأعمدة، حيث يشاهد رأس ثور وهذا رمز للقديس لوقا، وتمثال للنصف الأعلى لإنسان وهو يرمز للقديس متى، وبعضا من تيجان الأعمدة غير المكتملة.[10] تضم كنيسة القديسة حنة مغارة طبيعة، تعلوها حالياً قبة حجرية حديثة ويتقدمها مذبح صغير، وهذه المغارة هي المكان الذي حدد فيه ميلاد مريم والدة المسيح حسب ما هو متعارف عليه في التقليد المسيحي الشرقي، وعليه بنى الفرنجة الكنيسة التي نشاهدها اليوم. ومقابل هذه الغرفة يوجد غرفة تضم ايقونة ميلاد مريم.[11] قبل التعرف على بقايا المباني والآثار التي كشفت عنها التنقيبات، يجدر التنويه إلى ضرورة مراجعة الرسومات والأشكال التوضيحية والتي تنسب البقايا الى مبانيها والى فتراتها الزمنية المتعاقبة، هذا علماً أنه توجد بعض اللافتات الإرشادية المقتضبة الملونة التي تساعد على فهم وتتبع بعض البقايا المعمارية.[12]      بدأت الحفريات في عام 1871 بإشراف المهندس موس Mauss وتواصلت لعدة فصول وسنوات، بمشاركة واشراف من الآباء البيض، حتى اكتملت وانتهت عام 1957. وقد كشفت التنقيبات الاثرية عن البركة ذات الحوضين، وعن السد الفاصل بينهما، وعن آبار رومانية، وآثار لمعبد الطب، وبقايا لكنيسة بيزنطية، وحنية الكنيسة الفرنجية الصغيرة، علاوة على مجموعة من المغارات والكهوف بعضها استخدم كآبار، وأرضيات فسيفساء بعضها يعود إلى العهد الأموي. هذا وساعدت قطع الفخار والعملة على تأريخ المناطق التي وجدت فيها.[13] مساحة وحدود الكنيسة أو المدرسة الصلاحية: يحدها من الشمال طريق برج اللقلق، ومن الجنوب طريق المجاهدين، ومن الشرق طريق برج اللقلق، ومن الغرب باب حطة. وفي ضوء هذا التحديد فقد اشتملت مساحتها على 3550 دونماً، واستحوذ ما هو مسقوف على 1812 متر مربع، وتمثل ذلك بمساحة الكنيسة التي بلغت 840 متر مربع، والغرف التي انضمت ففي محيطها 972 متر مربع، أما المساحة غير المشمولة بالعمران والمتمثلة بالحديقة فقد بلغت 1738 متر مربع.[14]      ترجع بدايات المدرسة إلى كنيسة بنيت في مكان البيت الذي كان يسكنه يواكيم وحنة والدا السيدة مريم، التي ولدت فيه هذا البيت، وكانت تعرف قبل الإسلام بصند حنة، ثم أصبحت في الإسلام دار علم، وعندما احتل الفرس القدس، حل الدمار بالكنائس وغيرها من الأماكن، وكانت كنيسة صند حنة قد تعرضت للدمار، ولكن مع الفتح العمري لبيت المقدس (15هـ/636م) لم تمس الكنائس المسيحية، وفي القرن الحادي عشر الميلادي (399هـ/1008م) خرب الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله منصور بن عبد العزيز الذي توفي (411هـ/1020م) كثيراً من الكنائس المسيحية، وقد حول الكنيسة إل دار علم للفاطميين، وما ميز القدس أثناء الحكم الفاطمي كثرة العلماء والأدباء والفقهاء، وعند استيلاء الصليبيين على بيت المقدس تم إعادتها إلى كنيسة، وإعادة بنائها من جديد، وعندما حرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس جعلها مدرسة للشافعية المسلمين.[15] قائمة المصادر والمراجع: [1] اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين. https://hcc.plo.ps/archives/1652 [2] المرجع السابق. [3] موقع اكتشف الفن الإسلامي، لمدرسة الصلاحية. http://islamicart.museumwnf.org/database_item.php?id=monument;ISL;pa;Mon01;33;ar [4] المرجع السابق. [5] المرجع السابق. [6] المرجع السابق. [7] موقع دليل الزائر إلى القدس. http://www.enjoyjerusalem.com/ar/explore/where-to-go/%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D8%AD%D9%86%D8%A9-%D8%B3%D8%A7%D9%86%D8%AA-%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%B1%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A%D8%A9 [8] المرجع السابق. [9] المرجع السابق. [10] المرجع السابق [11] المرجع الأسبق. [12] المرجع الأسبق. [13] المرجع الأسبق. [14] رويدة أحمد، المدرسة الصلاحية في القدس، (نابلس: جامعة النجاح الوطنية، 2015)، ص17. [15] المرجع السابق، 18.  
. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: