درجات باب العامود.. تحولات جوهرية خطيرة برعاية المطبعين
القدس المحتلة - القسطل: يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرض تحولات جوهرية خطرة على درجات باب العامود، من شأنها أن تغير وجه المكان وعراقة تاريخه وعنفوان أصالته، وقد بدأ تلك العملية بسرقة بلاطه التاريخي واستبداله بمقاعد خشبية رديئة، من ثم اقتلاع أشجار الزيتون الخالدة، والتي كانت تحيط المكان وتزينه، ليحل مكانها أبراج المراقبة، التي تهدف لإبقاء المنطقة وروّادها في دائرة الرصد.
وفي السنوات الأخيرة ارتبطت درجات باب العامود بالدم، فقد أصبح المكان مرعبا، بفعل الإعدامات الإسرائيلية المتكررة هناك بحق 20 فلسطينيا أعزلا أعدموا في المكان خلال السنوات الخمس الأخيرة، واستطاع الاحتلال الإسرائيلي أن يعيد للمكان ذاكرة تاريخية ارتبطت بالاستعمار البريطاني، حيث كانت تنفذ أحكام الإعدام بحق الثوار الفلسطينين في منطقة باب العامود
ونصب الاحتلال على درجات باب العامود حواجز عسكرية خطفت الأمان من المكان، وحولته من مدرج روماني عربي عتيق إلى متنزه موحش يُخشى الدخول إليه. مؤخراً عز ومجد الباب يُسلب بتغيير إسمه، من مسماه التاريخي باب العامود إلى"هدار فهداس".
كل هذا التوغل الإسرائيلي في الدم والتاريخ والمكان جاء بالتزامن مع التطبيع العربي الإسرائيلي، يقول المرشد السياحي بشار أبو شمسية: "تغيير إسم باب العامود تزامن مع وجود زيارات عربية جديدة للقدس ضمت مؤرخين من دول التطبيع، والذين قاموا بتوثيق المكان باسمه الإسرائيلي المزيف المستحدث".
وأضاف أبو شمسية لـ"القسطل" أن الأمر لا يتوقف على ذلك بل إنه يمتد إلى تحريف تاريخ المكان والإنسان الذي عاش فيه: "تداول الزيارات العربية للمسمى الجديد يتسبب بضياع المكان وشكله، وكأنها محاولة لتغطية الشمس بغربال، ليس ذلك فقط بل إن ذلك سيتسبب بضياع تاريخ المقدسي في المكان، في مقابل خلق تاريخ لمن لا تاريخ له".
أما عن أخطر ما يحدثه هذا التغيير في التزامن مع وجود الزيارات العربية قال أبو شمسية:" وجود تأريخ جديد لمنطقة أثرية مثل منطقة باب العامود سيعمم مستقبلاً بين كل الدول العربية التي من الممكن أن تغير هذا المسمى الوطني والشعبي والتاريخي (باب العامود) إلى مسمى إسرائيلي جديد"، ليتحول العامود الروماني الذي اكتسب اسمه حينما علق الإمبراطور الروماني هادريان تمثالاً لرأسه على عمود ضخم في ساحة الباب، لإسميّ مجندتين عبثتا في المكان ونكلتا بشبابه وأطفاله ونسائه.
سياسة الاحتلال في عبرنة أسماء الأماكن تهدف إلى إعادة تعريف تاريخ مدينة القدس ونسبه إليه، ولفرض تعريفات جديدة تجعل الاحتلال محور ذاكرة المكان والزمان، وتأتي الزيارات العربية التطبيعية تمجد سطوهم وتباركه، ويعد تغيير اسم باب العامود نسفاً للمعاهدات الدولية، بسبب وجود مدينة القدس على قائمة التراث العالمي المحمي من اليونسكو منذ العام 1981، وأي تغير يطرأ على المدينة يعتبر تعديا على تراث محمي عالمياً.
وعن خطورة تغيير المسمى بالنسبة للمقدسي يقول رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد ناصر الهدمي: "هذا التغيير يندرج ضمن سلسلة أعمال يقوم بها الاحتلال من أجل كيّ الوعي الفلسطيني بشكل عام والمقدسي بشكل خاص، حيث أن باب العامود يعد أحد أهم معالم مدينة القدس، لما يتميز به من عراقة وتاريخ كونه الممر الرئيسي لجميع القوافل التجارية والأفواج السياحية على مر العصور".
وأضاف الهدمي في مقابلة مع "القسطل": "في السنوات الأخيرة أصبح باب العامود أيقونة مقدسية، ومكان تجمع للمقدسيين في رمضان يشعرهم بفخر وجودهم في منطقة بوركت من جميع الأديان. كما أن أجواء المكان الممتعة تجعله المقصد الأول لسكان المدينة، فتجد مجموعات شبابية فلسطينية تتعرف أكثر على المكان مع مرشد يعطي الأجواء جدية أكبر، وأصدقاءٌ اجتمعوا لتناول كأس عصير خروب بارد من بائع متجول يرتدي الزي الشامي، ويطرب بأغنيات تتغزل بعصيره الذي سيختلف مذاقه كونه مقدسي الصنع، حتى المظاهرات السلمية بات باب العامود هو مكان احتشادها.
وبحسب الهدمي: "محاولة تغيير باب العامود إلى المسمى الإسرائيلي هو محاولة احتلالية للرد بالمثل، أن هذا الباب بأهميته العظمى سيسمى بإسم مجندتين قتلتا بأعمال وطنية قام بها شبان فلسطينيون"، وهو ما يعد محاولة لكسر الروح المعنوية للفلسطينيين، ومحاولة لتهويد المدينة المقدسة وسرقة معالمها التاريخية ونسبها إليه، ووصف الهدمي هذا التغيير بأنه: " تغيير لحظي لن يدوم، لأن باب العامود أكبر بكثير من الاحتلال، والاحتلال نفسه يمثل فترة قصيرة من عمر هذا الباب التاريخي".
وختم رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد بالتأكيد على أن هذا المسمى الجديد حتى وإن بقي على حاله، أثره لن يتجاوز الدائرة التي وضعت فيها اليافطة : " كل الناس حتى الغرباء عن مدينة القدس سيأتون لباب العامود ولن يتحول إلى ميدان هدار فهداس أبداً".
. . .