"الأرواح".. قبّةٌ تقوم على صخر طبيعي في المسجد الأقصى
القدس المحتلة - القسطل: قبّة صغيرة يُحبّ روّاد المسجد الأقصى أن يستظلّوا بها، وأن يجلسوا داخلها، يصلّون أحيانًا، ويقرأون القرآن أحيانًا أخرى، وأطفال يلعبون ويلاحقون بعضهم ما بين أعمدتها المتقاربة، ومنهم من يفترش سجادته ويقرأ في كتابه المفضّل أو يتناول فطوره مع خليلٍ له.
قبّة تقع إلى الشمال الغربي من قبّة الصخرة بجوار غرفة حرس المسجد الأقصى، أُطلق عليها اسم “قبّة الأرواح”، ويعود بناؤها القائم إلى القرن السادس عشر الميلادي، أي في بداية الفترة العثمانية، ولكن تاريخها أقدم من ذلك بكثير، بحسب الباحث في تاريخ القدس والمسجد الأقصى إيهاب الجلاد.
ويوضح أن تلك القبّة الحالية تتكون من بناء مثمّن مفتوح، طول ضلعه متر وربع المتر، وهي محمولة على ثمانية أعمدة رخامية، يقوم عليها ثمانية عقود مدبّبة. تقوم القبّة فوق قطعة واحدة من الصخر الطبيعي لجبل بيت المقدس، حيث يدّعي بعض المستشرقين واليهود أن الصخرة هي موقع قدس الأقداس لـ”الهيكل المزعوم”، وهم اليوم يتخذون من القبة محطّة في زياراتهم الاستفزازية.
وفي كتابه “معالم المسجد الأقصى تحت المجهر”، يعتقد الباحث الجلّاد أن القبّة وُجدت منذ الفترة الإسلامية المبكّرة باسم (قبّة/ مصلّى جبريل)، ودعم نظريته بتحليل روايات الرّحالة المسلمين، حيث أقدم ذكر للموقع يعود إلى ابن الفقيه 290 هـ/ 903 م حيث يقول: “وفي الشامي قبّة النبي صلى الله عليه وسلم، ومقام جبريل عليه السلام” (مختصر كتاب البلدان)، فهذه إشارة إلى أن موضع القبّة هو شمال قبة الصخرة بجانب قبّة النبي.
أما ابن عبد ربه 300 هـ/ 913م فيرتّب القباب والمصليات كالآتي: “والقبة التي عرج منها النبي صلى الله عليه وسلم منها إلى السماء، والقبة التي صلّى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين، والقبة التي كانت السلسلة تهبط فيها زمان بني إسرائيل للقضاء بينهم، ومصلّى جبريل، ومصلّى الخضر” (كتاب العقد الفريد ج 6).
فيقول الجلاد أنه بناء على ترتيب ابن عبد ربه، فإن مصلّى جبريل قريب من مصلى الخضر، كما يذكر المقدسي البشاري مقام جبريل بعد ذكره مقام الخضر والنبي في كتاب “أحسن التقاسيم”: “وفيه من المشاهد محراب مريم وزكريا ويعقوب والخضر، ومقام النبي وجبرائيل..”.
أمّا أوضح إشارة يُستدلّ بها على أن قبة جبريل هي قبّة الأرواح فتأتي من وصف ناصر خسرو لها (438هـ/ 1047م) بقوله في سفر نامة: “وعلى هذه الدكّة أيضًا قبة أخرى مقامة على أربعة أعمدة من الرّخام، وهي مغلقة من ناحية القبلة أيضًا، حيث بُني محراب جميل، وتسمى هذه القبّة قبة جبريل عليه السلام، وليس فيها فرش بل إن أرضها من حجر سوّوه . ويقال: إنه أعد ليركبه النبي عليه السلام ليلة المعراج”.
يقول الجلاد في كتابه الذي يختص بمعالم المسجد الأقصى إنه تبعًا لكل ما سبق يظهر أولاً؛ أن القبة قريبة من قبة المعراج كما يشير قول خسرو. ثانيًا، ذكر خسرو أن قبة جبريل تقوم فوق قطعة من الصخر المسوّى، حيث نحت صخر الجبل الطبيعي وتسويته، ثم بنيت فوقه القبة بما يتطابق مع حال قبّة الأرواح.
ولفت إلى أن كل صخرة ظاهرة من جبل بيت المقدس، بني حولها مقام، فمن غير المعقول أن توجد صخرة كبيرة بجوار قبة الصخرة وتبقى حتى الفترة العثمانية دون أن ترتبط بقدسيّة معيّنة ويبنى عليها مقام.
أما فيما يتعلق باختلاف التسمية، فبحسب الباحث المقدسيّ، فإن لقب جبريل عليه السلام هو الروح الأمين، فيبدو أن القبة سميت أيضًا بـ“قبة الأرواح” ثم دمّرت القبة في الفترة الصليبية ليتسنّى بناء أديرة شمال قبة الصخرة حسب وصف الرحالة الصليبيين. وعند تحرير المسجد في الفترة الأيوبية أُعيد كشف قطعة الصخر المستوية وعرفت كمقام أو مصلّى أرضي، وحافظ الناس على الاسم، وبعد إعادة بنائها في الفترة العثمانية أطلق عليها اسم “قبّة الأرواح” دون معرفة أصل التسمية.