"أم عيسى" .. مصرية فلسطينية حبيسة أسوار البلدة القديمة بسبب "غلطة"
القدس المحتلة - القسطل: لم تتوقّع يومًا “أم عيسى” أنّ غلطة كهذه قد تجعلها حبيسةَ بيتها يومًا ما، لا تستطيع الخروج منه إلّا بعد معاينة أبنائها الطريق، هل يوجد جنود هنا؟ هل يوجد حاجز هناك؟ هل يدقّقون في الهويّات؟ والأماكن التي تذهب إليها لا تتعدّى أسوار البلدة القديمة.
فايزة زيادة (متعب) السيدّة المصرية الفلسطينية التي تبلغ من العمر 43 عامًا، تسكن اليوم في “عقبة درويش” في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة، بعدما تزوّجت من ابن عمتها عام 1996، وأنجبت منه سبعة أبناء.
بداية الحكاية ..
ولدت فايزة زيادة في مصر، فوالدتها مصرية ووالدها فلسطيني من قطاع غزة كان يدرس ويعيش هناك. عام 1995 حضرت فايزة إلى القدس المحتلة لعقد قرانها “الإسرائيلي” على ابن عمتها، تمّت الأمور على خير، ثم عادت لتُكمل الثانوية العامة في مصر، وما إن انتهت حتى عادت للقدس مجدّدًا عام 1996 عبر وثيقتها المصرية.
خلال هذا العام، وقبل أيام قليلة ذهبتْ فايزة إلى غزة لزيارة أقرباء والدها، ومكثت هناك لمدة أسبوع، في حينها قالوا لها إنهم يصدرون هويّات، لكن.. أثناء عمل الهوية أخطأوا في الملحق عندما كتبوا أن مكان الولادة “غزة” وليس “مصر”.
عادتْ للقدس وتزوجت عام 1996، لكن تلك الغلطة كانت كفيلة بأن تمنعها من مغادرة القدس لأنها إن خرجت منها لن تعود فلا يوجد معها إقامة ولا تصريح أو هوية “إسرائيلية”، وبذلك قد حُرمت فايزة من زيارة أهلها في غزة ومصر.
محاولات الحصول على إقامة في القدس..
في حديثنا مع فايزة زيادة/ متعب “أم عيسى” حدّثتنا عن معاناتها منذ ذلك اليوم وحتى الآن، وكيف أنها حبيسة أسوار البلدة القديمة، لا تخرج منها إلّا لحاجة ضرورية بعد أن يتم كشف الطريق لها، هل هناك جنود، هل يوجد حواجز وهكذا تمرّ الأيام عليها.
تقول “أم عيسى” لـ”القسطل”: “بعد أسبوع من زواجي، تقدّمنا بطلب لم شمل لوزارة الداخلية التابعة للاحتلال، لكنه رُفض، والحجّة لا تتعلّق بي، وإنّما بزوجي على خلفية سجنه لمدة عام في سجون الاحتلال عندما كان قاصرًا يبلغ من العمر 14 عامًا.
عام 2008 تقدما مجدّدًا بطلب لم الشمل وتم رفضه من قبل داخلية الاحتلال بسبب “أم عيسى” كونها من مواليد غزة، وهذا غير صحيح، فهي من مواليد مصر، حسبما أوضحت.
“تلك كانت محاولاتنا عبر المحامين، لكنني كنت وزوجي نرسل طلبات للداخلية بشكل شخصي وتُقابلها الأخيرة بالرّفض في كل مرة.. باءت كل المحاولات بالفشل، كيف سأغيّر هذا الخطأ من “غزة إلى مصر”، حاولتُ تغيير ذلك عن طريق السلطة الفلسطينية في رام الله، وللأسف منذ 13 عامًا لم أحصل على شيء، رغم أن أناسًا آخرين غيري، قضيّتهم مثلي تمامًا، تمكّنوا من إتمام أمورهم خلال وقت قصير”، تقول “أم عيسى”.
بقيت زيادة على هذا الحال، حتى أُصيبت والدتها بالسّرطان عام 2016، صحّتها ساءت للغاية، وتدهورت حالتها، ولم تستطع زيارتها رغم كل المحاولات مع مؤسسات حقوق الإنسان والمحامين والسفارة المصرية في “تل أبيب”، حتى توفيّت والدتها ولم تستطع وداعها ورؤيتها للمرة الأخيرة، وذلك تمامًا ما حصل مع والدها عندما توفي أيضًا.
معاناة مضاعفة ..
لم تنته معاناتها هنا، بل إنّ أولادها الذكور جميعًا تعرّضوا للضرب والتنكيل والسجن على يد قوات الاحتلال، فبعد استيلاء الاحتلال والمستوطنين على منزل عائلة جودة في البلدة القديمة، أصبحت العين على بيت “أم عيسى” كما تقول لنا، وتضيف: “ كل مشكلة تحصل من ضرب حجارة ومولوتوف على هذا البيت الذي أصبح بؤرة استيطانية بجانبنا، أو على الجنود، تأتي القوات بكامل عتادها، تقتحم المنزل، تعتلي الأسطح وتعتقل أبنائي بحجة أنهم هم من فعلوا ذلك!”.
وتضيف أن ابنها محمد ما زال يُحاكم على قضية سابقة، حينما ادّعى أحد عناصر الاحتلال بأن ابنها حاول الاعتداء عليه، موضحة: “القضية تعود إلى اقتحام منزلنا في إحدى المرات والبدء بتفتيشه، حينها اعترضتُ على ذلك، وأُصبتُ بانهيار عصبي ثم أغمي علي، ومنعت قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من الوصول إلى بيتنا. ابني محمد كان قاصرًا في ذلك الوقت وأغاظه ما حصل لنا، فأمسك بالجندي وقال له (ان شاء الله اللي عملتوه فينا ينعمل فيكم)”.
تلقّفه الجنود، واحتجزوه في إحدى غرف المنزل، وشرعوا بضربه بشكل مُبرح رغم علمهم بأنه طفل، ومنذ ذلك الوقت وهو يحاكم، تبيّن “أم عيسى” لـ"القسطل".
“أم عيسى” التي أنجبت سبعة أبناء، أكبرهم 23 عامًا، وأصغرهم 12 عامًا، تتمنّى كغيرها أن تتنقّل في القدس كما يحلو لها، أن تخرج للتنزه مع أبنائها دون خوف من جندي يدقّق في هويتها، أو آخر يمنعها من زيارة أقربائها، وما زالت على أمل الحصول على تصريح أو إقامة للقيام بذلك.