كتاب "المدنيات الإسرائيلي"... محاولة احتلالية لاختراق عقول الأطفال
القدس المحتلة - القسطل: يسعى الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948 وحتى اليوم لفرض نفسه كأمر واقع لتثبيت وجوده، ولإحكام سيطرته على فلسطين بشكل عام ومدينة القدس بشكل خاص، فبدأ منذ العام 1967 باستهداف التعليم في مدينة القدس تمهيداً لطمس الهوية الفلسطينية، وتغيب الطلبة المقدسيين عن ثقافتهم، وتاريخهم الفلسطيني، وانتمائهم الوطني.
وشهدت السنوات العشر الأخيرة حربا شرسة من الاحتلال للمنهاج الفلسطيني في مدينة القدس، فحاول تحريف المناهج الفلسطينية، وتغيير محتواها، ودس السموم الفكرية المحرفة فيها، ومؤخراً حاول فرض كتاب التربية المدنية "المدنيات الإسرائيلي" على المدارس الفلسطينية التابعة لبلدية الإحتلال في مدينة القدس بديلاً عن كتاب التربية الوطنية الفلسطينية.
جاءت هذه الخطوة بعد إقرار قانون القومية الإسرائيلي عام 2018 والذي يعتبر أن "إسرائيل" "دولة قومية" لما يسمى بالشعب اليهودي، وفي سياق هذا القانون تم إقرار منهاج التربية المدنية أو ما يعرف بـ "المدنيات" وفرض تدريسه للمرحلة الإبتدائية في المدارس المقدسية التابعة لبلدية الاحتلال.
يحتوي الكتاب على نصوص مترجمة من اللغة العبرية والأساطير التوراتية اليهودية والتاريخ من منظور صهيوني بحت بما ينفي كل ما يتعلق بالتاريخ الفلسطيني ووجوده. وتلزم المدنيات الطلبة بدراسة مصطلحات الاحتلال المزورة ، فيستبدل فلسطين بمصطلح "أرض اسرائيل" والنكبة بـ "يوم الإستقلال الإسرائيلي" والمسجد الأقصى بـ "جبل الهيكل"، ولا يعترف كتاب المدنيات بفلسطيني الداخل، ويحتفي بالقادة الإسرائيليين أمثال ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغين على أنهم زعماء حرب تحرير وتكوين "دولة إسرائيل".
وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الخطوات التي تهدف إلى تهويد وأسرلة منهاج التعليم في المدارس الفلسطينية في مدينة القدس. ويشير الباحث المجتمعي يزن الرشق إلى أن كتاب المدنيات يتناول بين صفحاته موضوع "المدنيّات" باعتباره موضوعًا سياسيًّا صهونياً بحتاً ليس له علاقة بأي تربية مدنيّة، ويضيف في مقابلة مع "القسطل": "تتضح خطورة هذا الكتاب في أولى صفحاته عند البدء بصلاة يهودية في مقدمته، مما يعكس التوجهات المتطرّفة العنصريّة لمؤسسات الاحتلال، وهو أيضاً يتبنى المصطلحات والتسميات اليهودية فقط".
وتنبع خطورة هذا الكتاب على الفئة العمرية التي هي بصدد تعلمه، حيث أن المرحلة الإبتدائية هي مرحلة تكوين الفكر وتشكيل الهوية الثقافية ، وتداول هذا الكتاب بين طلاب المدارس الإبتدائية يُنتج عواقب وخيمة، فالكتاب يحرف التاريخ والدين والجغرافيا ويعمل على تشويه الثقافة الوطنية الفلسطينية ويفكك الانتماء الوطني، وهو ما يعتبر تعد على حق الطالب الفلسطيني في اختيار دراسة منهاج يراعي قيمه وهويته الثقافية والفكرية والعقائدية.
رفض الشارع المقدسي كتاب "المدنيات"، حيث اعترض أولياء أمور الطلبة على تدريس هذا الكتاب في بعض مدارس القدس، إلا أن ذلك لم يثن بلدية الاحتلال عن استمرار فرضه على عدة مدارس أخرى. ويبين الرشق أن "إصرار بلديّة الاحتلال وتمسكها بالكتاب رغم رفضه من قبل الشّارع المقدسي والمدارس والطلبة وأولياء الأمور يُثبت نيّة الاحتلال التي تهدف لانتزاع الإنتماء من الطلبة، وتزوير الحقائق عن القدس وعن الرواية التاريخية الفلسطينية".
ومن جهته يؤكد رئيس لجنة أولياء أمور مدارس سلوان وراس العامود في القدس محمد محسن لـ"القسطل" على أن الإحتلال يضغط بشدة على مدارس القدس التابعة لبلدية الاحتلال لتدريس هذا الكتاب للمرحلة الإبتدائية كخطوة أولى، ويحاولون الاستناد على تلفيق الحجج المتمثلة بأن أولياء الأمور هم من يطالبون بتدريس هذا الكتاب، ويوضح: "إذا المدير أو الأهالي أو لجنة أولياء الأمور وافقت أن يتم استخدام الكتاب الإسرائيلي أو حتى نظام البجروت، يصبح معتمد وموجود في تلك المدارس، أما إذا لجان أولياء الأمور رفضت ذلك ومنعته لا يستطيع أحد إدخاله إلى المدرسة".
وكشف محمد محسن أن هناك محاولات إسرائيلية عديدة للضغط على لجان أولياء الأمور لإدراج كتاب المدنيات ضمن مناهج مدارس القدس، وهو ما قابلته اللجنة بالرفض القطعي ، وأضاف: "تكمن المشكلة الآن أن هناك مدارس جديدة تقوم بالأساس على المنهاج الاسرائيلي وهو الخطر الأكبر الذي نواجهه" .
ومن منظور أدق بينَّ الناشط المقدسي وأستاذ التربية المدنية والوطنية سابقاً خليل أبو خديجة أن كتاب المدنيات نقيض للتربية الوطنية الفلسطينية، ويقوم الكتاب على تحويل الطفل من شخص متقبل للآخر ويستطيع فهم واستيعاب وتحليل الأمور من منظوره الشخصي إلى طفل مبرمج على كراهية أشخاص أو أحداث معينة، أو محبة أشخاص وأحداث معينة.
وختم أبو خديجة حديثه لـ"القسطل" بأن كتاب المدنيات لا يقتصر على تحريف المعلومات والأفكار بل إنه يخلق صراع فكري لدى الطفل، وأوضح: "المادة كلها تجعل الطلاب يفهمون أنهم يعيشون في دولة اسمها إسرائيل وتلغي فكرة الاحتلال، وتحذف التاريخ الذي يتكلم عن الهوية العربية والفلسطينية، وبدلاً من ذلك يتحدثون عن التاريخ العربي الإسلامي القديم، فيتجهون إلى عرض التاريخ الإسلامي المختص بالرسول والخلفاء الراشدين، مما يؤدي الى انفصال الطفل بشكل كامل عن هويته وشخصيته ومن يكون، مما يتسبب بفراغ حقيقي للطفل، كما أن المعلومات الواردة فيه تروج إلى فكرة أن إسرائيل دولة محترمة ويحكمها نظام ديمقراطي وإداري متقدم.
. . .