الحياة تعود لقصر الحقية بعد 170 عاما.. قصة المكان الذي ساعد الثوار والمحتاجين
القدس المحتلة - القسطل: كل من يمر من الشارع الرئيسي الذي يربط قرى شمال غرب القدس برام الله، لا بد وأن يلاحظ قصر الحقية المتربع على المدخل الغربي لقرية قلنديا، والذي يمثل سيرة وتاريخ البلدة وملامح العمارة القديمة، فالمبنى الذي يتميز بإطلالته الجميلة على الجوار، يجذب في كل الأحوال مرأى العابرين.
حوش دار الحُقية أو قصر الحُقية كما يسميه أهل القرية. هو بيت قديم يعود إلى العهد العثماني وسمي نسبة إلى عائلة الحُقية التي مكثت في البيت وعاشت فيه قبل 170عاماً. يحتوي القصر على 22 غرفة بالإضافة إلى الحوش، المساطب، الراوية والساحات التي ضمت ما يُقارب 70 شخصاَ من أفراد العائلة.
ارتبطت قصة القصر بصاحبه الشيخ أحمد عبد القادر عوض الله، الذي لُقب بشيخ المشايخ في فلسطين، إذ كان القصر في عهده مُلتقى لجميع أهالي قرية قلنديا والقرى المجاورة في القدس، لحل المشاكل ومناقشة القضايا السياسية والاجتماعية. كما كان القصر واجهة لكل من يزور القدس، ففرسان شرق الأردن قديماً كانوا ينزلون ويبيتون فيه لأيام.
وعُرفَ الشيخ أحمد عوض الله بكرمه فعند استقبال الضيوف كانت تُذبح الأغنام. ولم يكن يسمح أن يأكل الضيف الثاني من طعام الضيف الأول بل كان يُحضر له طعام جديد. وكان يُطحن القمح داخل القصر ويوزع على المحتاجين.
وعاشت العائلة في القصر حتى عام 1967. ثم ازداد عدد أفرادها فانتقلوا إلى التوسع والبناء الحديث في القرية.
يقول رئيس مجلس قرية قلنديا رأفت عوض الله إن القصر يعبر عن تاريخ وهوية القرية، ويشكل رمزاً لعائلة آل الحقية ولأهل القرية.
وعبر عوض الله عن شوقه لجلسات ودور القصر قائلاً كنا نسهر ونتسامر لحمايته، وكان الثوار يأتون من القرى المجاورة ويبيتون فيه.
وأضاف عوض الله لـ"القسطل" "أنه لو لم يحاصر الاحتلال القرية ممارسا التضييق على الأهالي لأصبح القصر معلما تاريخيا وسياحيا تأتيه الناس من كل مكان، ونحن نعمل على إعادة القصر كما كان قبل 100 عام".
و أشار رئيس مجلس قرية قلنديا إلى "أنه في عام 2016 هدم الاحتلال 16 منزلا في القرية. لذلك نحن تعهدنا بترميم القصر والاهتمام به حتى لا يهدمه الاحتلال".
وختم عوض الله قوله قائلاً "نتحدث دائماً مع أطفال وشباب القرية عن القصر وقصصه وقوة العلاقات الإجتماعية فيه، وأنه معلم حضاري وتاريخي من جذور أجدادنا وسنسلمه لأبنائنا للحفاظ عليه".
وفي السياق، قال مستشار مؤسسة رواق د. خلدون بشارة لـ"القسطل" "بدأنا بمشروع توق النجاة أو قرى الريف المقدسي، في قرى شمال غرب وشمال شرق القدس، وعملنا في جبع، كفر عقب، قلنديا والجيب، وسنقوم بالوصول إلى مختلف القرى المحيطة بمدينة القدس لأنها تحتوي على تراث معماري كبير. وقبل 3 سنوات بدأنا بالتواصل مع بلدية قلنديا، ورأينا أن البلدة القديمة كبيرة ومهجورة بالكامل، وحسب السجل الخاص بنا في رواق كان من المعروف أنه يوجد فيها حوالي 25 مبنى تاريخيا، فقمنا بعقد إتفاقيات للبدء في عملية الترميم".
وحول ترميم قصر الحقية أضاف بشارة "قبل حوالي سنتين ونصف بدأنا بعمل دراسة للقصر وبعدها انتقلنا إلى مرحلة الترميم الوقائي، حيث كان قصر الحقية بلا سقف، و معرض للهدم بشكل كامل بفعل العوامل الطبيعية كالثلوج والعواصف القوية، فقمنا بإعادة بناء السقف العلوي، وثم ترميمه من الداخل، على مرحلتين وبعد المرحلة الأولى عملنا في الغرف الداخلية للمبنى، وتم ترميمه عن طريق إعادة استخدام البلاط القديم، والحجر الموجود في القصر. للحفاظ على تراثه. وفي المراحل الأخيرة أدخلنا الخدمات للقصر مثل الإنترنت والكهرباء ونحن حالياً في طور تشغيل القصر ليصبح صالح للاستخدام وتحويله إلى مركز للخدمات والأعمال الصغيرة".
و أضاف مستشار رواق أن التركيز حالياً على عكس حركة التجارة لتصبح من المدينة للقرية، وأن تتحول قرية قلنديا لمركز خدمات جماهيرية وتجارية، ومن الممكن تعميم نموذج قرية قلنديا على مجموعة من المناطق الأخرى، لتصبح قرى صناعية وسياحية.
وأطلق بشارة على عملية الترميم مصطلح (كبسولة الزمن) ويعني أن المبنى الذي يتم ترميمه عبارة عن كبسولة زمنية تحتوي على مجموعة من الوثائق التاريخية الخاصة به، لأن أي شخص يزور القصر يستطيع التعرف على التحولات التي حدثت في القصر قديماً وحديثاُ، فمثلاً يمكن التمييز بين النوافذ القديمة من الحديثة والبلاط القديم من البلاط الجديد، لأن بهذه الطريقة في الترميم يتم الحفاظ على أصالة المبنى بدون أي خداع وتزوير.
ووصف بشارة المباني الأثرية في محيط القدس بالكنز الضائع، قائلاً "المجتمع المدني ومؤسسات السلطة الفلسطينية لا تركز على المباني الأثرية بالشكل المطلوب، وهناك إهمال وتهميش لمناطق الريف المقدسي، سواء كان بقصد أو بغير قصد أو لعدم توفر الإمكانيات وأيضا الأسباب الأمنية، لكن يجب ترميم هذا الكنز الموجود لدينا وذلك لمساعدة السكان في الحفاظ على أراضيهم وبيوتهم، خاصة في كفر عقب، بيت حنينا، عناتا، أبو ديس وقلنديا، وجميع هذه المناطق المهددة بشكل دائم".
وحول تعزيز دور الشباب الفلسطيني في الحفاظ على المباني الأثرية التاريخية، قال المدير التنفيذي لمنتدى شارك بدر زماعرة لـ"القسطل" "إن الطابع العمراني التاريخي في فلسطين يشكل شاهد على حضارة وترسخ وجود الفلسطيني في أرضه، وبالتالي نحن بحاجة ماسة للحفاظ على المباني الأثرية لأنها جزء من تراثنا وهويتنا. لذلك نظمنا زيارة للمجموعات الشبابية إلى قصر الحقية في قرية قلنديا، وقامت المجموعات بتنظيف وزراعة المكان بالإضافة إلى رواية قصص القصر وتاريخه، وتم عرض عدد من المواد المرئية التعريفية بالقصر".
وأضاف زماعرة موجهاً رسالة إلى الشباب أن الحفاظ على المباني الأثرية جزء من مسؤوليتهم الوطنية والإنسانية، فهؤلاء الشباب قد يكونوا في الهيئات المحلية، ومجالس الطلبة، وفي الأحزاب والتنظيمات السياسية، فبالتالي يجب أن يكونوا على اطلاع بأهمية المباني الأثرية والتاريخية لأنهم سفراء في قراهم.
يشار إلى أن 15 قرية تقع غرب وشمال غرب القدس تعد من أهم المناطق التي تضم مبان تاريخية، مثل بيت حنينا القديمة التي يوجد فيها أكثر من 200 مبنى تاريخي، قرية قلنديا يوجد بها من 40 إلى 50 مبنى، وقرية الجيب حيث يوجد بها حوالي 200 مبنى قديم.
. . .