“زنازين الموت” .. فصل الأطفال عن عالمهم الخارجي لسحب اعترافاتهم
القدس المحتلة - القسطل: غرف صغيرة، لا ترقى للعيش الآدمي، هي مكان للنوم، وقضاء الحاجة، والأكل، كل ذلك في مساحة لا تتجاوز المترين في متر، يُزّج فيها أطفال القدس للضغط عليهم وسحب اعترافاتهم، فينقطعون عن العالم الخارجي.
معظم المعتقلين المقدسيين، خاصة فئة الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الـ18 ممن اعتُقلوا مؤخرًا، زجّوا في زنازين الاحتلال “20”، وهي تلك التي وصفناها أعلاه، وتكون تحت إشراف وتحقيق جهاز الأمن العام “الشاباك”، لا راحة ولا نوم ولا تفكير إلّا بـ”كيف الخروج من هذا المكان”.
كان لـ”القسطل” لقاء بالمحامي المقدسي خلدون نجم، الذي أوضح لنا أن هذا الأسلوب تتبعه سلطات الاحتلال مع أطفال القدس، مستهدفة جميع الأطفال دون استثناء، إلّا أن أطفال العيساوية، الطور، البلدة القديمة، سلوان ومخيم شعفاط هم من أكثر الفئات المستهدفة في هذه الزنازين.
وأشار إلى أن هذه الزنازين عبارة عن “غرف تحت الأرض، معزولة عزلًا تامًا عن العالم الخارجي، والهدف منها قطع أي تواصل مع المعتقل حتى التواصل الذهني، بمعنى أنه لا يعرف متى يحين الليل أو النهار، لا يعرف الوقت هل هو فجرًا، عصراً أم مساءً، ولا يعرف الساعة، وأن هذا الانقطاع يؤدي إلى تكوين ضعف لدى المعتقل أمام المحقق، وأسئلة التحقيق.
المعتقلون الأطفال لا يرون سوى المحقّق فقط، وعندما يخرجون من الزنزانة إلى مكان الاستحمام على سبيل المثال، فإن السجانين يقيّدونهم ويعصبون أعينهم، ويُمنعون من زيارة المحامي، وهذا ما يحصل ما غالب الأحيان مع المعتقلين المحتجزين في الزنازين.
يبين المحامي نجم لـ”القسطل” أن هذه الزنازين تؤثر بشكل سلبي على نفسيّة الطفل، فهي مليئة بالرطوبة، صغيرة جدًا، لا تتعدى المترين في متر، يتم تشغيل المكيّفات الباردة جدًا سواء في الصيف أو الشتاء، الحمام بداخلها لقضاء الحاجة، ولا يوجد فصل عن مكان النوم، وبالتالي فإن هذا الأمر غير صحي وغير ملائم للعيش الآدمي.
“حتى التعامل مع المحتجزين في الزنازين مختلف، حيث يقومون بإعطائهم لباسًا خاصًا يختلف عن بقية المعتقلين، كما أن حضورهم للمحكمة يكون بظروف معينة، بمرافقة خاصة، ويُمنع خروجهم للمحكمة مع معتقلين آخرين”، يوضح نجم.
ويقول: “مجرّد وجود الطفل داخل الزنزانة هو تعذيب بحد ذاته، فهو اعتاد حياة مختلفة، شمس، هواء، أصدقاء، عائلة، وهذا الانقطاع بالنسبة لـ”الشاباك” يجلب نتائج إجابية”.
كيف تجلب تلك الظروف نتائج لدى المحققين؟
يتم التحقيق مع الطفل لساعات طويلة، تصل ما بين 20 إلى 25 ساعة، يتناوب خلالها المحققون على استجواب المعتقل، يتركونه ساعة أو ساعتين، فما إن يراه المحقق قد غفا، حتى دخل عليه وباغته مستكملًا استجوابه، فلا راحة ولا نوم.
يقول المحامي نجم “إن محققي “الشاباك” على يقين أن عدم النوم يؤدي إلى ضعف في الدماغ والتمييز والإدراك على الأسئلة والأجوبة، يتناوبون على استجوابه من خلال ساعات طويلة جدًا من التحقيق، يؤثرون بنفسيّته، وهذا بالطبع مخالف لكل المواثيق والشرائع الدولية”.
تمدّد محكمة الاحتلال توقيف الأطفال، ويُدخلونهم في خدعة، تكمن في نقلهم إلى قسم “العصافير”، وهنا يبين نجم أن الطفل يخرج الزنزانة بعد إبلاغه أنه تمت إدانته بتهم معيّنة، وسيتم نقله إلى سجن مركزي، وعادة ما يتم نقلهم إلى سجن “اوهلي كيدار” في عسقلان.
هذا السجن بحسب المحامي المقدسي نجم، عبارة عن أقسام مليئة بـ”العصافير” أي “الجواسيس”، فيجد الطفل المعتقل نفسه قد انتقل من زنزانة غير صالحة للحياة إلى غرفة فيها أناس لديهم ثقافة تنظيمية معينة ومرجعيات وطنية، يخرج لأحضان قياديين في الوطن وهم لا يعرف بأنهم “عصافير”، تُسحب منهم الاعترافات بشكل غير قانوني، ثم يعيدونهم إلى الزنازين مجددًا.
يلفت المحامي إلى أن هذا الضغط النفسي يؤدي إلى اعترافات، حتى لو كانت الاعترافات غير صحيحة، فأقصى أقصى طموح المعتقل أن يخرج من الزنزانة لا أن يتم إطلاق سراحه، حتى لو كان المكان الثاني هو السجن.
باتت نسبة زج الأطفال في الزنازين مرتفعة، خاصة أطفال الطور، العيساوية، البلدة القديمة، سلوان، ومؤخرًا دخلت منطقة مخيم شعفاط إلى خط المواجهة فيما يخص الزنازين، هنا يوضح المحامي خلدون نجم أن سياسة زج الأطفال في الزنازين تُطبّق على عملية اعتقال أكثر من طفل في الوقت ذاته، وبالتالي فإن “الشاباك” يحتجزهم ويفصلهم عن بعضهم البعض في الزنازين، وهذا الانقطاع فيما بينهم إذا لم يؤدِ إلى اعتراف، سيؤدي إلى تناقض، والتناقض سيؤدي إلى اعترافات وإدانة.
“تلك الفترة التي يتم احتجاز الطفل فيها داخل الزنازين، من الصعب نسيانها، حتى لو تم إطلاق سراحه، فهو سيرويها حينما يكبر لأبنائه وأحفاده”، يقول نجم.