مشروع القدس الكبرى.. تهجير المقدسيين كأولوية لتنفيذه
القدس المحتلة - القسطل: يشكل مشروع القدس الكبرى النواة الأولى للحركة الصهيونية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبمرور الوقت تجذرت ملامحها واتضحت أبعادها عام 1967 باحتلال الشطر الشرقي من المدينة وضمه للشطر الغربي المحتل عام 1948، وجاء ذلك في إطار التوجيهات الفكرية والخطط الاستراتيجية بعيدة المدى التي وضعتها الحركة الصهيونية وقوى الاستعمار العالمي، وعكفت على تطبيقها ميدانياً الأمر الذي شكل القواعد الأساسية التي قامت عليها بنية المشروع.
وفي عام 1967 بدأ التفكير "الإسرائيلي" بالسيطرة على القدس، فرسمت "إسرائيل" خطة مركزية تهدف إلى جعل القدس عاصمة تشتمل على كل الاحتياجات والمتطلبات في كافة المجالات. وقد وضعت "إسرائيل" تسهيلات ومحفّزات من أجل إغراء "الإسرائيليين" للسكن في القدس، ولكي تحقـق الأهداف الاستيطانية والديمغرافية عملت على زيادة سنوات الخدمة أو الراتب للموظفين، أو مـنح القروض غير المستردة، إضافة إلى إيجاد ائتلاف استيطاني يحيط بالقدس ليعيق الامتداد المعماري العربي الفلسطيني. لم يناقش متتياهو دروبلس الخُطة التي عرفت باسـم خطـة تطـوير القـدس "الإسرائيلية" الكبرى لسنة 2010 إلاّ في 28/5/1984 وذلك في الاجتماع التأسيسي لمجلس القدس "الإسرائيلية" الكبرى الذي نظّمه المجلس الصهيوني في "إسرائيل" ودائرة الاسـتيطان فـي المنظمـة الصهيونية.
كما يضم مشروع القدس الكبرى مساحة تبلغ حوالي 100 ميل مربع، وهي المنطقة التي تحيط بالبلدة القديمة، وتشمل هذه المنطقة القدس الغربية والشرقية، بما في ذلك الأحياء المجاورة خارج الحدود البلدية للمدينة. وجميع سكان القدس الغربية تقريباً يهود "إسرائيليون"؛ كما تعتبر القدس الشرقية تقليدياً مكاناً ذو أغلبية سكانية فلسطينية، ولكن أعداد السكان اليهود والفلسطينيين داخل القدس الشرقية متشابهة من الناحية العددية. ومنذ عام 1967، أنشأ العديد من "الإسرائيليين" أحياء يهودية كبيرة في القدس الشرقية على أمل ألا تقسم المدينة في يوم من الأيام.
مخاطر تطبيق مشروع القدس الكبرى:
يعتبر مشروع القدس الكبرى من أخطر المشاريع "الإسرائيلية"، لما تشكله من منطقة حيوية تعد نقطة وصل لربط مدينة القدس بمستوطنة "معاليه أدوميم" بمساحتها الكبرى التي تمتد لـ 73 كم²، وتضم 9 مستوطنات ومنطقتين صناعيتين. ويهدف المخطط إلى ربط القدس بعدد من المُستوطنات الواقعة شرقها في الضفة الغربية، من خلال مُصادَرة أراضٍ فلسطينيّة وإنشاء مستوطنات جديدة. كما يمنع المُخطَّط أي توسّع فلسطيني مُحتَمل في القرى الواقعة بالمنطقة، من خلال تطويقها بالمُستوطنات وإحداث تغيير ديموغرافي ضمن ما يسمى "القدس الكبرى"، والتي تُشكّل مساحتها 10% من مساحة الضفة، مما يقضي عمليًا على أي احتمال لإنشاء دولة فلسطينيّة مُتَّصلة في الضفة وعاصمتها القدس.
يسعى الاحتلال من خلال هذا المشروع إلى سلب الفلسطينيين حقهم بالمدينة، ويؤدي إلى فصل جغرافي حقيقي ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، ما يشكل مقدمة لتفتيت وحدة الضفة إلى جزر منعزلة ومفصولة عن بعضها. ومن شأن المشروع حال تنفيذه، أن يغلق المنطقة الشرقية من القدس تمامًا، ويطوّق مناطق عناتا، الطور، وحزما، بحيث تُحرم من أيّ إمكانية توسّع مستقبلية باتجاه الشرق، وقد يؤدي إلى تدمير التجمعات البدوية التي تعيش بالمنطقة الشرقية من القدس وحتى مشارف الغور.
كما إن إيجاد مركز حضري مترابط ومتكامل "القدس الكبرى" سيجعل من المستحيل من الناحيتين السياسية والاقتصادية عودة السيطرة الفلسطينية إلى أي جزء من هذا المركز، خاصة وأن ثلثي سكانه هم من المستوطنين، والأمر الذي يسهل على "إسرائيل" – عندما يحين الوقت- تقديم بيانات لدعم موقفها في الإبقاء على القدس العاصمة الأبدية الموحدة لدولة "إسرائيل"، وتضع المدينة عمليا خارج أيه مفاوضات في المستقبل. كما أن ضم المستوطنات إلى القدس يمثل خطوة في طريق فرض السيادة "الإسرائيلية" على مناطق في الضفة الغربية، وهو يمثل تصعيداً "إسرائيلياً" خطيراً في مسألة فرض الأمر الواقع الجديد الذي يلغي تماماً فكرة حل الدولتين.
أهداف مشروع القدس الكبرى الاستيطاني:
يشكل الاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني، وهو الأسـاس الـذي تعتمـده لإضفاء الأمر الواقع السكاني على توسعاتها العسكرية المتتالية، ليصبح جوهر الصراع العربي "الإسرائيلي"، إذ اعتبر الاستيطان الوسيلة والهدف للصهيونية ولـ "إسرائيل"، حيث لم يقتصر على عملية البناء الصهيوني بل تلازم مع عملية هدم للمجتمع العربي الفلسطيني القائم، فإن الأخطار ليست مرحلية فقط، بل إنها تظل كامنـة فـي المسـتقبل.
يهدف الاحتلال "الإسرائيلي" من خلال مشروع القدس الكبرى إلى وصل المستوطنات مع بعضها البعض دون انقطاع وبناء مستوطنات جديدة في المناطق الاستراتيجية لكـي تزدحم بالسكان بشكل مكثف، وكي تعمل على تشبيك النسيج الاستيطاني بإضافة مستوطنات جديدة لكـي تندمج مع مستوطنات أساسية لتكوين المدن الكبرى. وقد أعلنت وزارة البناء والإسكان عن خطتها لإقامة 10 مدن استيطانية جديدة حول القدس في دائرة يبلغ نصف قطرها 15 كم مربع، وتقسم إلى ثلاث مناطق ما بين معاليه أدوميم منطقة الخان الأحمر وما تطلق عليه إسرائيل "هـار هتسـوفيم " تـل المشارف، ومنطقة النبي صموئيل مستوطنة جفعات زئيف، ومنطقة بيت لحم أما دائرة الاستيطان ستقوم ببناء أكثر من 10 مستوطنات من نوع أصغر.
يسعى الاحتلال من خلال هذا المخطط إلى قلب المعادلة الديموغرافية في المناطق المهددة بجعل وجود أغلبية يهودية وأقلية عربية في القدس، وإيجاد ممر آمن بين المناطق الساحلية وغور الأردن، وحماية القدس من أي هجوم من جهة الأردن، وضم 10% من أراضي الضفة الغربية بمقدار (555كم2).
تركزت توسيعات المشروع ابتداءً على محور قمم الجبال الممتد شمالاً وجنوباً بموازاة الخط الأخضر ومناطق الشفا المطلة على إقليم الأغوار من رام الله شمالاً إلى مدينة الخليل جنوباً، وظلت التوسعات تسير نحو الشرق بمسارات غير منتظمة إلى أن توقفت عند شاطئ البحر الميت وتداخلت مع الحزام الأمني الموازي لمجرى نهر الأردن، وهو ما وفر للمشروع حلقة وصل سهلة مع المدن المحتلة داخل الخط الأخضر عبر ممر الأغوار، أما توقفه شمالاً عند قرية سنجل وجنوبًا على مشارف الخليل فجاء منسجمًا إلى حد كبير مع طبيعة المنطقة الجغرافية والتقسيمات الإدارية السائدة فيها، وإفساح المجال لخط الدفاع الشمالي الممتد عبر جبال نابلس، وإذا ما تحققت هذه الرؤيا فإن المشروع سوف يخترق فلسطين من البحر إلى البحر، وإن مساحة القدس سوف تصبح أكبر من مساحة العواصم الدولية الكبرى.
آليات مواجهة المشروع:
من البديهي أن "إسرائيل" تريد من خلال مشروع القدس الكبرى جعلها عاصمتها الأبدية، وذلك من خلال توسيع مساحة القدس إلى 125.156 كيلو متراً مربعاً، كما أن "إسرائيل" ترفض أن تبقى مساحة القدس أقل من 600 كيلومتر مربع على أن تستكمل مساحتها إلى 1000 كيلومتر مربع، تستقطع أراضي بيت جالا وبيت لحم وبيت ساحور ومنطقة رام الله.
تحقيق مشروع القدس الكبرى على أرض الواقع يعتبر المسمار الأخير في نعش حلم الدولة الفلسطينية، وهو في ذات الوقت خرق واضح لكل القوانين والأعراف الدولية، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، كما أن نقل السكان من منطقة تحتلها "إسرائيل" تعتبر جريمة حرب وفقاً لاتفاقية روما. كما أن هناك قرارات دولية صدرت لا تقل عن 14 قراراً تتعلق بالاستيطان "الإسرائيلي"، وخاصة في القدس، وأهمها 465 لسنة 1980 الذي طالب الاحتلال بتفكيك المستوطنات وتعويض السكان، وآخرها القرار 2334 الذي طالب سلطات الاحتلال بفك الاستيطان واعتبره بأنه غير شرعي.
ومن أهم آليات مقاومة التغول الاستيطاني "الإسرائيلي" هو بلورة ديبلوماسية رسمية تعتمد المقاربات الحقوقية الدولية كمرجعية لمناهضة الاستيطان "الإسرائيلي". وتحقيق ذلك يكمن في الضغط على مجلس الأمن الدولي رغم تعطيله بالفيتو الأميركي، مع تفعيل مطلب الديبلوماسية الفلسطينية من مجلس الأمن لإنشاء محكمة خاصة مؤقتة، حيث ينبغي العمل على تعزيز المناصرة الدولية الضاغطة على مجلس الأمن الدولي لجهة "إنشاء محكمة خاصة ومؤقتة، يحاكم فيها المسؤولون "الإسرائيليون" المتورطون في أعمال الاستيطان، أو ممن يوفرون الغطاء له أو يصمتون عليه، على غرار محكمة يوغسلافيا ورواند وسيراليون وكمبوديا، والمحكمة الدولية لملاحقة قتلة الرئيس رفيق الحريري.
وإذا أراد الفلسطينيين مقاومة النشاط الاستيطاني، فذلك لا يأتي إلا من خلال خطة شاملة، للدفاع عن أرضهم وبالتالي الدفاع عن السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يمكن أن تنعم هذه المنطقة بالأمن والاستقرار، دون أن ينعم الشعب الفلسطيني بالسلام، وأن يمارس حقه في تقرير مصيره، واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف، وأن تكون الأرض الفلسطينية خالية من المستوطنات اليهودية وأي وجود عسكري "إسرائيلي"، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية قرار (242) الذي ينص على ضرورة انسحاب اسرائيل من كل الاراضي المحتلة والعودة إلى خط الرابع من حزيران 1967م.
كما وينبغي الاستمرار في طرح مسألة الاستيطان على مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة حيث يشكل طرح قضية الاستيطان بشكل مستمر أداة مهمة يجب التمسك بها وسلوكها بانتظام، الأمر الذي سينعكس على إسرائيل بصورة مباشرة بأنها دولة لا تحترم حقوق الإنسان، ما يزيد من إمكانية فضح ممارستها وصولًا إلى مقاطعتها وعزلها. ربما يبدو الأمر صعبًا، لكن يمكن للديبلوماسية الفلسطينية القيام به، لأن العالم ضاق ذرعًا من انتهاكات القانون الدولي، ويمكّنها كذلك من المطالبة "بإنشاء محكمة دولية خاصة طبقًا لمبدأ "الاتحاد من أجل السلام"، مما يُمَكِّن من طرح قضية الاستيطان بشكل عاجل على مجلس الأمن أثناء انعقاد الجمعية العامة، إذ إن هذا المبدأ يمكن تطبيقه حال اختلاف الدول دائمة العضوية. كما وينبغي على القيادة الفلسطينية إحالة ملف الاستيطان لمحكمة الجنايات الدولية كون الاستيطان يشكل جريمة حرب وفق القانون الدولي، كما يمكن أيضاً تفعيل المطالبات بالتعويض وفقًا لأحكام القانون الدولي.
وفي جانب آخر ينبغي دعم خيار وأنشطة المقاطعة الدولية بشأن الاستيطان "الإسرائيلي" على المستويين الرسمي والشعبي، ويتضمن هذا الخيار بلورة إستراتيجية تهدف إلى مقاطعة دولة الاحتلال وفضح ممارساتها الاستيطانية التي قد تقوض إقامة دولة فلسطينية من خلال مسارين الأول، عبر تبني حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، التي نجحت في عزل النظام "الإسرائيلي" أكاديميًا وثقافيًا وسياسيًا، وإلى درجة ما اقتصاديًا، أو من خلال التماهي مع أنشطتها رسميًا وشعبيًا. كما ينبغي أيضاً على القيادة الفلسطينية عزيز الجبهة الفلسطينية داخليًا وخارجيًا.
وأخيراً ينبغي على القيادة الفلسطينية تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في أرضه التي يحاول الاحتلال ارغامه الخروج منها، بالإضافة إلى أنه ينبغي تطوير آليات المقاومة الشعبية وتشكيل رأي عام عالمي وعربي ومحلي لمقاومة التغول الاستيطاني بشكل منهجي.
قائمة المراجع والمصادر:
أمين أبو بكر، مشروع القدس الكبرى 1967-2020، (جامعة القدس المفتوحة، 2020)، ص1.
غسان طالب يوسف عبده، أطواق العزل والتهويد الإسرائيلية في القدس 1967-2010، (القدس: جامعة القدس، 2012)، ص34.
web.archive, Jerusalem: "Greater" Jerusalem.
https://web.archive.org/web/20161227204259/http://www.jewishvirtuallibrary.org:80/jsource/Peace/greaterjerusalem.html
وكالة صفا الإخبارية، (E1).. مشروع استيطاني يُمزق القدس ويُحول الضفة لكنتونات، 2020.
https://n9.cl/i85t1
آية شمعة، القدس الكبرى.. الاستيطان بـ "خارطة تنظيمية، المركز الفلسطيني للإعلام 2017.
https://www.palinfo.com/226928
رياض علي العيلة، الأبعاد السياسية والأمنية للاستيطان الإسرائيلي في القدس ووضعيتها القانونية، (غزة: مجلة جامعة الأزهر، سلسلة العلوم الإنسانية، 2010، المجلد 12، العدد 1)، ص919.
مركز رؤيا للتنمية السياسية، أهداف مشروع القدس الكبرى الاستيطاني، 2020.
https://vision-pd.org/archives/509742
أحمد العشي، مشروع "القدس الكبرى".. ما هو؟ وكيف نواجهه؟، دنيا الوطن، 2017.
https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2017/10/29/1094113.html
أحلام سمارة وآخرون، تعزيز دور الديبلوماسية الفلسطينية في مواجهة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، (رام الله: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات، 2017)، 7.
ريم خليل نتيل، الاستيطان في القدس، مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ص30.
. . .