إغراءات الاحتلال للطلبة المقدسيين.. الجامعات الإسرائيلية وكمائن المنح
القدس المحتلة - القسطل: الشباب الفلسطيني في كل بقعة في القدس يقف أمام مجموعة من التحديات والضغوطات، ومحاولات لـ سلخه عن أصله وامتداده، ولا تتوقف محاولات نزع هويته الفلسطينية وإضفاء هوية جديدة تتلاءم مع ما تريده المؤسسة الإسرائيلية، فالفلسطيني يجد أن عليه المواجهة والتصدي في كل الاتجاهات، وأحد أهم هذه الاتجاهات التعليم، الذي يقضي فيه الفرد سنين حياته العشرين الأولى على الأقل وهي أهم مرحلة في تكوين هويته الذاتية والوطنية والاجتماعية، فكيف إذا كان هذا الطالب فلسطيني في القدس؟.
من الملاحظ أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت قفزة كبيرة بأعداد الطلاب المقدسيين الملتحقين بالجامعة العبرية، ففي عام 2019 وصل عدد الطلبة في الجامعة العبرية 410 طلاب بحسب صحيفة هآرتس، وبالمقارنة مع العقود الماضية فإن العقد الأخير أي منذ عام 2011 قلّ توجه الطلبة المقدسيين إلى جامعات الضفة أو الجامعات العربية مقابل تفضيلهم الدراسة في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ففي عام 2016-2017 بلغ عدد الطلبة الملتحقين بالجامعة العبرية 147 طالبًا في حين لم يتجاوز عددهم في عامي 2009-2010 الـ60 طالبًا.
إغراءات مؤسسة الاحتلال التعليمية للطلبة المقدسيين
يقول رئيس اتحاد أولياء الأمور في القدس زياد الشماري إن "التوجه للجامعات العبرية ليس رغبة في التطبيع، لكنّ الجامعات الفلسطينية لها أنظمة في القبول صارمة ولا تتساهل، فالطالب قد تمر عليه ظروف صعبة لا تمكنه من الحصول على المعدل المطلوب، فيمكن أن يتوقف قبوله في الجامعة الفلسطينية على نصف علامة، في حين يتم قبوله بسهولة في الجامعة العبرية بناءً على معدلات مواد محددة، وهذا التسهيل ضمن خطة مؤسسة الاحتلال لترغيب الطالب المقدسي بالالتحاق بالجامعات العبرية، ومن هنا دعا شماري الجامعات الفلسطينية إلى جعل السنة الدراسية الأولى هي الفيصل في وضع الطالب الأكاديمي كي يتسنى للطلبة المقدسيين الحصول على القبول وبذل الجهد في المكان الصحيح.
ويظهر استغلال الاحتلال للوضع الاقتصادي للعائلات الفلسطينية الذي هو بالأساس السبب في ترديها، حيث أن الجامعات العبرية تبحث في طرق توفير المنح كي تجذب الطلبة المقدسيين لها، وهنا يدخل الطالب في حيرة من أمره، وقد يتجاوب مع هذا الإغراء بسبب تكاليف الدراسة العالية، والمعفي منها في الجامعات العبرية.
ويضيف شماري "يجد الطالب المقدسي أن الجامعات العبرية توفر له منح دراسية خاصة في السنة التحضيرية، ففي عام 2018 تم إعفاء أكثر من 500 معدلاتهم أعلى من 85 من دفع تكاليف الدراسة، أي أكثر من 25 ألف شيكل أُعفي الطلبة منها وهو ما نراه بشكل سلبي لكنه مع الأسف يلبي حاجة ذوي الدخل المحدود هنا في القدس"، ويتناسب هذا التسهيل مع 75% من المقدسيين الذين يعيشون في ظل أوضاع اقتصادية صعبة للغاية.
هذا الاستغلال وقعت به الطالبة في كلية "أونو" فرع المالحة سميرة علي (اسم مستعار) 22 عاما والتي تدرس في كلية إسرائيلية بعد حصولها على منحة لثلاث سنوات. تقول علي إن سوق العمل لن يعطيها أولوية في حال درست في جامعة فلسطينية، وهذا يكشف عن سياسة إسرائيلية لحجب المقدسيين عن المؤسسات الأكاديمية الفلسطينية.
ومن المغريات التي يستخدمها الاحتلال لاستقطاب الطلبة المقدسيين أيضًا إعفائهم من كامل تكاليف الدراسة إن خدموا مدنيًا في المؤسسة الإسرائيلية، فيقول شماري "يجد الطالب أن توفير تكاليف دراسته ممكن جدًا أمام خدمة ليوم واحد أو يومين في الأسبوع في مؤسسة مدنية، وفي نظره هذا أفضل من دفع تكاليف 4 سنوات من الدراسة في جامعة فلسطينية".
محاولات طمس الهوية من المدرسة حتى الجامعة
تتوالى جهود المؤسسة الإسرائيلية لطمس الهوية الفلسطينية ومحاولة دمج الطالب الفلسطيني بالإسرائيلي، إذ إن أهداف الخطة الخمسية الإسرائيلية بشأن تهويد القدس والتعليم، هو خلق فضاء يسلخ الطالب الفلسطيني عن هويته منذ الصغر، فيقول شماري "المدارس التابعة لبلدية الاحتلال تُهّيئ للطلبة نوادٍ وأماكن للترفيه ولا يقتصر الأمر على الطالب نفسه وإنما لكل عائلته، وفي أماكن إسرائيلية، فلا يحق للطلبة المقدسيين التوجه إلى مناطق فلسطينية وهو ما يشكل إغراء للطالب ولعائلته".
وتمتد هذه المغريات إلى الجامعة، إذ تحاول الجامعات العبرية إضفاء الجو الليبرالي واليساري في الحوار، والذي يظهر عكسه تمامًا عند أول فعل يقوم به الطلبة المقدسيون، تقول عضو حراك صدى والطالبة في الجامعة العبرية، لبنى الصانع "يحاول الطلبة الاسرائيليون إيهامنا أننا نستطيع الحديث بما نريد، لكن سرعان ما يتبدد هذا الوهم، ففي إحدى المرات قمنا بتنظيم وقفة مناصرة لأهلنا في غزة، وتم تنظيم وقفة مضادة أمامنا من الطلبة الإسرائيليين، وقامت الشرطة بقمعنا واعتقلت عدد منا، في حين لم تقترب من الطلبة الإسرائيليين" وهذا ما يحاول حراك صدى توضيحه للطلبة في الندوات والفعاليات التي يقوم بها، أن الطالب الصهيوني صاحب عقلية عنصرية ولو كان في ظاهره يساريًا أو متقبّلا. تضيف الصانع "نحاول أن نشرح للطلبة أن هذا "الصهيوني اليساري" هو فقط محاولة لتنظيف ضمائرهم من الجرائم التي يقومون بها ضدنا".
وتستذكر الصانع أنه في إحدى المرات حاول الطلبة الإسرائيليون إزالة صور الشهداء التي علقها أعضاء الحراك، "صرخوا بأعلى صوت "مخرّب، مخرّب" وكانوا يوجهون أصابعهم نحو صور الشهداء"
في المقابل تقول سميرة علي " لا نحاول في الكلية طرح إقامة أي فعاليات لأن هذا الأمر مرفوض من قبل الإدارة، فحتى لو جرت محاولات لإحياء مناسبات وطنية فهذا الأمر يتم رفضه ومعاقبة من طرحه"، وتؤكد على أن الحديث عن الفلسطيني والإسرائيلي يحدث فقط عندما يدافع طالب فلسطيني عن التاريخ المزوّر الذي تطرحه بعض المساقات وهنا يحدث مناوشات ويمكن أن تنتهي المحاضرة بمشكلة أو يتم إغلاق الكتب وإنهاء المحاضرة بالكامل.
مجموعات صهيونية متخصصة بملاحقة الطلبة
على الرغم من وجود مجموعات صهيونية تلاحق الطلبة المقدسيين في القدس وتمنعهم من ممارسة أي أنشطة مثل مجموعة "ايم تيرتسو" الصهيونية، إلا أن الحراكات تحاول التشبيك مع بعضها البعض والخروج بآلية عمل لمواجهة ما يحدث في الجامعات العبرية من عنصرية، تقول الصانع "منذ سنتين حصلت الجامعة العبرية على مناقصة لاستضافة مشروع "حفتسلوت" والذي يعني وجود عسكرة في الجامعة، ففي كل مرة نحاول عقد اجتماع مع الحراكات للتصدي لهذا الدمج ووجود المظهر العسكري، تلاحقنا مجموعة "ايم تيرتسو"، وترسل جواسيس للتنصت على ما نقوله، مما يستدعي تغيير مكان الاجتماع، واضطررنا في النهاية إلى نقل الاجتماع إلى خارج الجامعة".
وهذه الجماعة (ايم تيرتسو) مجهولة مصدر التمويل، وتتولى أمر ملاحقة الحراكات وقمع أي مسيرة أو مظاهرة فلسطينية، والتصوير والهجوم وتقديم الشكاوى على الناشطين، وليس فقط في الجامعة العبرية وإنما في جامعة حيفا والنقب أيضًا.
ويعد حراك صدى أحد الحراكات الطلابية في القدس التي تهدف إلى استثمار الفن في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، إذ تقول الصانع "نستخدم الفن والرسومات في إيصال ما نريد، أولًا لمحاربة العنصرية الصهيونية، وثانيًا لخلق مساحة آمنة فلسطينية تحررية للطالب الفلسطيني المبدع كي لا يضطر للتعامل مع المؤسسة الاسرائيلية وكي لا يعتبرها حاضنة له"
آمالُ من الجامعات الفلسطينية
ويخلص الشماري بأنه "يتوجب على السلطة الفلسطينية ورئاسة الوزراء العمل بجهد كبير، لتسهيل دراسة الطلبة المقدسيين في الجامعات الفلسطينية، للحفاظ على أبنائنا وضمان تربيتهم تربية وطنية، وضمان عدم دخولهم في تناقض فكري أو كي للوعي".
. . .