عيدُ الأم في زمن كورونا.. خجلٌ مكثّف أمام صديقاتي

عيدُ الأم في زمن كورونا.. خجلٌ مكثّف أمام صديقاتي

لا يُمكن لهذا اليوم أن يمرّ مرور الكرام على من يتألّمون وتئنّ دواخلهم ولا يسمع ذاك الأنين إلّا الله، وحده الذي يعلم ما تكنّه الصدور المُثقلة بالوجع..

نرصّع الكلمات ونحكي عن أمّهات شاركننا أجمل لحظات حياتنا، وأسوأها أيضًا، عن أمّهات كُنّ لنا الصديقات والحبيبات والشريكات والأخوات، كنّ السّند والملجأ وقت الشدّة والحزن، كنّ يفترِسن كلّ من يحاول أن يُضعف من إرادتنا وعزيمتنا كي نصل إلى طموحنا ومبتغانا..

اليوم، وبعد عام صعب مُثقل بالأوجاع، فقدت فيه صديقاتي أمهاتهنّ بسبب فيروس لعين، يصعب عليّ أن أكتب شيئًا، لمجرّد شعوري بأن كلماتي ستلامس قلوبهنّ، سيبكين، سيتذكّرن أمهاتهنّ اللواتي لم ينسهنّ البتّة ولا لثانية واحدة.. لكن أتعلمون.. والله إنه لأمر جلل..!!

لم أتخيّل يومًا أن يمر عليّ عامٌ صعبٌ كهذا، فيروس يُطيح بأطفال وشبّان ونساء ورجال وكبار في السّن، ولا دواء ولا علاج له، في البداية كان الموتُ بعيدًا عنّا، لكن بعد عدّة شهور، بدت الأمور أكثر سوءًا، فالمقابر لم تُغلق أبوابها، يستمرّ الفيروس في حصد الأرواح.. ونحن نقف عاجزين نناجي الرّب علّه يخلّصنا من هذا الكابوس.. !

أصبح الموُت أقرب فأقرب، حتى وصل أمهات صديقاتي، كنت أبكي بحرقة عند سماع نبأ وفاتهنّ، لا أدري كيف يعيش المرء بلا أمّه، كيف لتلك الصباحات أن تأتي دون أن أقول لأمّي “يسعد صباحك”، كيف لتلك الأيام أن تمضي دون أن أرفع سماعة الهاتف وأسأل عن صحّتها وأحوالها، كيف لذاك الوقت أن يمرّ دون أن تطمئنّ عليّ وعلى زوجي وأطفالي.. ! أي وجع هذا؟

اليوم امتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالتهاني بيوم الأم، كل صديقة وصديق وضع صورة لها تجمعه بوالدته، تمنوا لها عامًا سعيدًا وحياة طيّبة ملؤها الهناء، وصديقاتي التزمن الصّمت..

تألّمتُ كثيرًا، فلم يسبق أن مرّ عليّ عام كهذا، كانت فيه “عظّم الله أجركم”، و”رحم ميتكم” هي من أكثر الجُمل كتابة في التعليقات، أدمى هذا الأمر قلوبنا، وسط أعداد الوفيّات المرتفعة.

بعد فترة قصيرة من بدء هذا اليوم، بدأ من فقد والدته بالحديث عنها، وعمّا كانت تفعله في حياتها من أجل أبنائها، عن عدم حضنها الدافئ، حنانها، عطفها، جرأتها، قوّتها، وتضحياتها من أجل أن يعيش أولادها وبناتها حياة كريمة..

“كورونا” حرمنا من أحبابنا، أمهاتنا، آبائنا، أبنائنا، إخوتنا، أخواتنا، أصدقائنا، في بداية انتشار الفيروس حُرم أهل الميّت من وداعه فكان المشهد مؤلمًا، وحُرم ذوو المتوفي من احتضانه الأخير، وُحرموا أيضًا من وقوف أصدقائهم إلى جانبهم لدعمهم ورفدِهم ببعض القوّة.

يا إلهي ! إنه القهر بذاته حينما نعجز أمام الموت وهو يسرق أحبابنا، لكنّه قضاء الله وقدره، فقد يكون حال المرء عند ربّه أفضل من حياته التي كان يعيشها، ولا نقول إلّا “اللهم أحسن خاتمتنا”.

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: