مكتبة الأقصى.. معلم ثقافي تطوعي في قلب المسجد

مكتبة الأقصى.. معلم ثقافي تطوعي في قلب المسجد

القدس المحتلة - القسطل: "في أوائل شهر تموز الماضي بدأت بالتطوع في مشروعٍ جديد يهدف لقراءة أكبر قدر ممكن من القصص في أوقات معينة لمدة ساعات متواصلة طوال النهار.. عندما كنت أدخل للمسجد المرواني "مكان التحدي" كان الأطفال يركضون باتجاهي مُرحبين بي، ونذهبُ معًا لتحضير الأوراق والقصص المتنوعة التي تُناسبهم، وعند انتهاء الوقت كان الأطفال يطلبون المزيد والمزيد من الوقت ليتمكنوا من قراءة عدد أكبر من القصص، وكل يوم كنتُ استمتع بعباراتهم الشاعرية المليئة بالحُب والممزوجة بالطفولة لفرحهم بما نفعل ونقرأ، فقد كانت كلماتهم بلسمًا تُطيب به الروح، وسبيلًا لإكمال ما بدأتُ به في سبيل الله" بهذه الكلمات تروي المتطوعة نور طالب لـ"القسطل" عن تطوعها في مكتبة المسجد الأقصى المبارك.

تقع مكتبة المسجد الأقصى المبارك للأطفال بجانب المتحف الإسلامي، بالقرب من المسجد القبلي، كان المبنى في السابق مسجدا للنساء وافتتحت المكتبة سنة 1992م وكانت تعرف بـ "دار كتب المسجد الأقصى"، ثم تأسست مكانها مكتبة الأطفال في عام 2016، والتي تحتوي على عدد من المخطوطات يفوق الـ 4000 مخطوطة بالإضافة الى مطبوعات قديمة ويعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 100 عام، بالإضافة إلى المطبوعات الحديثة والتي تقدر بأكثر من 160 ألف كتاب في مختلف المواضيع. وتتبع المكتبة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وشؤون المسجد الأقصى المبارك في القدس.

التطوع قيمة تبادلية

تقول نور طالب وهي متطوعة تدرس في جامعة بيرزيت: "جربتُ سابقًا التطوع في أماكن مختلفة ولكن لم يكن التطوع مفيد بالنسبة لي بنفس المقدار كما في مكتبة المسجد الأقصى والذي جعل منّي شخصيةٌ جديدة قادرة على التعامل مع الأطفال والتعامل مع الآخرين بحكمة ورزانة، فقد كنتُ طالبة معرفتي قليلة، ويومًا بعد يوم كُل جزء في المكتبة جعل منّي شخصًا جديدًا قلبهُ متعلق بالتطوع وحُب فائدة الغير ومساعدة الجميع دون مقابل".

وتتنوع الأعمال التي تقع على عاتق المتطوع مثل المشاركة في الأنشطة المختلفة، والتواصل مع فئات المجتمع المختلفة، وترتيب وتنظيم الكتب، ورفع جودة أداء عمل المكتبة بما يشمل الفهرسة والإصلاحات في برنامج المكتبة في اعارة واستعارة الكتب، والعمل مع الأطفال.

تقول رزان الشريف مشرفة مكتبة المسجد الأقصى عن التطوع في المكتبة في مقابلة مع "القسطل": "المكتبة هي مكان لكل أحد يريد تقديم الخير والحصول عليه". يعتبر دمج طلاب الجامعات عنصر فعال لنجاح المشاريع والأنشطة التي تقوم بها المكتبة، ولا تكون الاستفادة من جانب واحد، بل إنها متبادلة، وتضيف الشريف: "نحاول دمج أكبر عدد من طلاب الجامعات حتى يكونوا مستفيدين ومفيدين من خلال عملهم معنا، عن طريق برنامج العمل التعاوني".

مكان عبادة ومعرفة وتعلم

الهدف الرئيسي لتأسيس المكتبة هو أن تكون مصدرا للمعرفة وتشجيع المجتمع المقدسي على القراءة منذ صغره، وتوضح الشريف: "في مدينة القدس لا يوجد إلا مكتبة واحدة عامة، فتم إنشاء المكتبة لتلبية احتياج أهالي القدس، بوجود مكتبة عامة متخصصة للأطفال".

وإلى جانب كون المسجد الأقصى للصلاة فهو أيضاً مكانا للتعليم، فالعلم عبادة والطريقة الأولى لاكتساب العلم تكمن في القراءة، والمكتبة مؤسسة وقفية خيرية، ليس لديها أي هدف ربحي. تقول الشريف: "وجود المكتبة داخل المسجد الأقصى توصل للناس رسالة بأن العلم عبادة، والمسجد ليس مكانا مخصصا للصلاة فقط، فهو كذلك مساحة للتقرب إلى الله بالعلم النافع عن طريق الكتب والأنشطة التي تقوم بها المكتبة".

مركز ثقافي مجتمعي

المكتبة بالمفهوم الحديث تختلف عن المكتبة سابقاً، حيث أنها لم تعد مستودع خاص بحفظ الكتب وهو ما اعتمده المشرفون على مكتبة الأقصى لجعل المكتبة مركز ثقافي مجتمعي مليء بالأنشطة والفعاليات المختلفة إلى جانب كونها تحتوي على كتب مختلفة في كافة المجالات.

تبين الشريف: "المكتبة هي مكان آمن، صحي ومجتمعي، يلتقي فيه كل أفراد المجتمع من عائلات وشباب وأطفال لاكتساب العلم بأكثر من طريقة، وكمكتبة تبقى هويتنا الرئيسية هي استخدام الكتاب ولكن مع دمج أنشطة وفعاليات ولقاءات ومحاضرات كنوع من أنواع الإنفتاح ودمج المجتمع ومشاركته بصورة أكبر".

وتتنوع أهداف المكتبة إلا أن هدفها الرئيسي هو وجود مجتمع مقدسي مثقف ومتمكن ثقافياً ولتحقيق هذا الهدف تقول الشريف: "نحتاج لاستخدام أكثر من وسيلة وأسلوب لإيصال المعرفة"

نشاطات متعددة لفئات مختلفة

لا يقتصر عمل مكتبة الأطفال على تقديم المعرفة للأطفال فقط، بل إن عملها متداخل مع جميع أفراد وفئات المجتمع، و لنجاح أي مشروع مع الأطفال لا بد من توفر ثلاثة فئات تشكل مثلث نجاح مكون من الأسرة والمدرسة ونحن، وتكوين حلقة الوصل فيما بينهم، فنتوجه للعمل مع أمهات الأسر، والعمل مع المدارس والمعلمين" توضح الشريف.

تستقبل المكتبة أعدادا كبيرة من المستفيدين سواء من الأطفال أو الأمهات أو اليافعين، ويتم تنظيم كامل العمل معهم عن طريق الكوادر التطوعية داخل المكتبة، كما تعمل المكتبة على تهيئة اليافعين الذين تتراوح أعمارهم من 12 إلى 15 عاماً ليكونوا جزءا من المكتبة من خلال تدريبات وأنشطة مختلفة حتى يتمكنوا مستقبلاً من أن يعودوا للمكتبة كمستفيدين ومفيدين.

تتنوع المشاريع التي تتم من خلال المكتبة مثل مشروع تحدي القراءة، استقبال الزيارات المدرسية، مشروع نادي الكتاب، برنامج الماهر الفريد، برنامج الدعم الأكاديمي، ومخيمات صيفية، بالإضافة لمحاضرات متعددة ومختلفة، المشاريع كلها تقدم مجاناً، ويبلغ عدد منتسبي هذه المشاريع ما يقارب الـ 10 آلاف مشترك في السنة.

أساليب عمل جديدة للمكتبة بعد كورونا

بعد إغلاق المسجد الأقصى خلال إنتشار فيروس كورونا في مدينة القدس أغلقت المكتبة كحال المسجد، على رغم ذلك لم تفقد المكتبة حلقة الوصل مع الأطفال وعائلاتهم، وتبين الشريف: "منذ بداية الجائحة كان لدينا ردة فعل سريعة فقمنا بتأسيس منصة إلكترونية، وقمنا باستخدام برنامج الزوم في بعض برامج المكتبة مثل برنامج قراءة القصة، وأصبحنا نقوم بعمل بث مباشر للأنشطة والفعاليات من داخل المكتبة بعد أن استطعنا كموظفين من الدخول إليها".

لاقت هذه التحديثات استحسان جمهور المكتبة، وهو ما ألهم مشرفيها للانطلاق بسلسلة من التحديات التي تبقي الأطفال على اتصال متجدد مع المكتبة، وتردف الشريف: "هذه التحديات كان لها إقبال وسعادة كبيرة من الأهالي، لأنهم شعروا أنهم قادرون خلال فترة الضغط هذه على الخروج بشيء مميز مع أطفالهم، لأن الأنشطة كانت تتشارك بها الأسرة كاملة".

هذه الأنشطة الإلكترونية فتحت المجال لجمهور جغرافي أوسع للمشاركة فيها، حيث شارك الكثير ممن لم يكونوا قادرين على الدخول للقدس،  في نشاطات المكتبة.

علم نافع مع العائلة والطفل

وتختم الشريف بتوصيات هامة لكل من العائلة والأطفال: "الدين ليس صلاة وقراءة قرآن فقط، الدين هو أيضاً علم نافع، وطريقنا لتحسين وضعنا الراهن يكمن بالعلم، ويجب أن تستفيد العائلات والأطفال من الإمكانيات التي تطرحها المكتبة، ونأمل أن تأتي العائلات مع أطفالها لتجربة النشاطات والاطلاع على محتويات المكتبة".

. . .
رابط مختصر
مشاركة الخبر: