بعد 13 يومًا.. كيف خضع المحتل وانتصرت القدس في المعركة الأخيرة؟
القدس المحتلة - القسطل: بدأت الحكاية منذ اليوم الأوّل من شهر رمضان المبارك، حينما حاولت شرطة الاحتلال منع المقدسيين من التواجد في ساحة باب العامود، والجلوس على مدرّجه، ما أدى إلى اندلاع مناوشات ما بين الشبان وعناصر الشرطة.
شرطة الاحتلال نصبت حواجزها الحديدية في محاولة لفرض أمر واقع، واستمرار عملية منع التواجد في المكان، وعزّزت من تواجد قوّاتها وفرق الخيّالة لقمع أي تجمّع، رغم أن الشبّان اعتادوا على التواجد في باب العامود خلال ليالي رمضان، بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى.
لم يقبل الشبّان محاولات الاحتلال سلبهم “باب العامود” الذي غيّر اسم ميدانه إلى اسم مجندتين قُتلتا في عمليات فدائية خلال السنوات الماضية، ووضع ثلاث نقاط عسكرية عند البوابة وفي محيطه، ونصب العشرات من كاميرات المراقبة بعد الهبة الشعبية عام 2015.
ناهيك عن استمرار الانتهاكات في المسجد الأقصى المبارك، حيث سجّل اليوم الأول من رمضان اقتحام 228 مستوطنًا لباحاته، ومنعت الشرطة توزيع وجبات الإفطار ما قبل المغرب، وقطعت أسلاك مآذن الأقصى.
هذا الأمر ولّد ضغطًا لدى شبّان القدس، فبدأوا بخطة استعادة “باب العامود” وهيبته، وفي الوقت الذي تصدّوا فيه لقوات الاحتلال بصدورهم العارية، وحدهم، استخدمت الشرطة القنابل الصوتية والرصاص المطاطي وغاز الفلفل، كما استعانت بفرق الخيالة وسيارة المياه العادمة وذلك على مدار 13 يومًا.
في اليوم الـ13 من شهر نيسان الجاري (الأول من رمضان) كانت المواجهات خفيفة ما بين شرطة الاحتلال والشبان المقدسيين في القدس، الذين رشقوا حافلات “إسرائيلية” بالحجارة ما أدى إلى تضرر 3 منها، وتم تسجيل 8 إصابات في صفوف عناصر الشرطة والمستوطنين في “حائط البراق” و”باب العامود”.
وفي اليوم الـ14 اشتدّت حدّة المواجهات وتم تسجيل نحو أربعين إصابة في صفوف الشبّان ما بين رصاص مطاطي وقنابل واعتداء بالضرب. وتضررت حافلة لشرطة الاحتلال جراء رشقها بالحجارة.
بعد هذه الليلة، بدأت المواجهات وعلى مدار الأيام اللاحقة تأخذ منحى أقوى، تصدّي أكبر من قبل الشبّان، عمليات كرّ وفر في شوارع المدينة، وعنفٌ متواصل من قبل عناصر الشرطة.
ما كان لافتًا خلال تلك الأيام، كمية حقد عناصر الشرطة وقهرها مما يحدث، وعدم قدرتها على السيطرة، وبدا ذلك جليًا من خلال الاعتداء الوحشي على الشبّان، الذين يتم اعتقالهم خلال ليالي رمضان، وآثار الضرب التي كانت على أجسادهم ووجوههم.
اقتصرت المواجهات على بابي العامود والساهرة والمصرارة في المدينة، وسرعان ما بدأت تتوسع رقعتها لتشمل البلدات القريبة، والتي توسّعت بشكل أكبر في الأيام الثلاثة الأخيرة. فمن هذه المناطق الثلاث إلى البلدة القديمة، شارع صلاح الدين، وادي الجوز، الشيخ جراح، الصوانة، الطور، سلوان، الثوري، رأس العامود، العيساوية، بيت حنينا، شارع يافا، الباب الجديد، باب الخليل، العيزرية، حزما، عناتا، الرام، حاجز قلنديا.
ووثّقت “القسطل” إصابة 811 مقدسيًا من بينهم أطفال ونساء وكبار في السّن، خلال المواجهات التي اندلعت في القدس المحتلة خلال 13 يومًا، بحسب المصادر الطبية التي كانت تعمل في الميدان.
ولم تسلم تلك الطواقم والفرق الطبية من اعتداءات قوات الاحتلال خلال إسعاف المُصابين، وعرقلة عملها بشكل كبير. واعتقلت الشرطة مُصابين من الشبّان بعدما منعت المُسعفين من الوصول إليهم.
أمّا عن المعتقلين، فبحسب محامي القدس، فإن الاحتلال اعتقل أكثر من 135 مقدسيًا من بينهم فتيات خلال المواجهات، 70 بالمائة منهم من القاصرين، بعدما تعرّض جميعهم للاعتداء بالضرب المُبرح خلال الاعتقال والاقتياد لمراكز التوقيف “الإسرائيلية” في المدينة.
تم الإفراج عن معظمهم، شرط إبعادهم عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة ومحيطها (باب العامود، باب الساهرة)، أو بكفالات مالية، وجزء منهم ما زال رهن الاعتقال.
وتعرّض عشرات الشبّان لاعتداء من قبل مجموعات من المستوطنين وشرطة الاحتلال في مناطق عدّة في القدس، خلال تواجدهم في عملهم أو في غربي المدينة، برش غاز الفلفل عليهم والاعتداء بالضرب.
واستغلّ الشبان الفترة الحالية، وانقضّوا على كاميرات المراقبة في شوارع المدينة، وحطّموا معظمها بأقدامهم.
سجّل اليوم الـ22 من نيسان اليوم الأعنف، بعدما أصاب الاحتلال نحو 355 مقدسيًا برصاصه وقنابله واعتدى عليهم بالضرب ولاحقهم بفرق الخيّالة، في المقابل استطاع الشبّان أن يُصيبوا 36 عنصرًا شُرطيًا ومستوطنًا.
أمّا عن حصيلة الإصابات في صفوف الاحتلال، تم توثيق إصابة 65 مستوطنًا وشرطيًا خلال الأحداث في القدس، بحسب ما تم الإعلان عنه من قبل الشرطة أو المواقع العبرية التابعة للمستوطنين.
تلك الأحداث جعلت الاحتلال في مأزق كبير، حتى أن السفارة الأمريكية عبّرت عن قلقها مما يحصل، وطلبت إنهاء ما قالت عنه ”التحريض”، والعودة إلى الهدوء، واحترام سلامة وكرامة الجميع في القدس.
أما عن المستوطنين، فواصلوا عمليات الحشد لمساندة شرطة الاحتلال في مواجهة المقدسيين في باب العامود، لكنهم لم ينجحوا في ذلك، بل تصدى لهم شبّان القدس. كما طالب القيادي في اتحاد ما يسمى بـ”منظمات المعبد” المستوطن أرنون سيغال حكومة الاحتلال بمنع المسلمين من أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى معتبرًا بأنها تسببت في المظاهرات الليلية.
في نهاية المطاف، استسلم الاحتلال لإرادة أهل وشباب القدس، الذين استطاعوا إجبار شرطة الاحتلال على إزالة حواجزها من باب العامود أمس الـ25 من شهر نيسان الجاري، ليسجّلوا انتصارًا جديدًا إلى سلسلة انتصاراتهم في الهبّات الشعبية السابقة.
أدوا صلاة النّصر في ساحة باب العامود، رفعوا علم فلسطين على مدرجه، وغنّوا للقدس وحيّوا شبابها الثائر الذي لم يخضع لمحتل.